(فصل في التصرف في المبيع قبل قبضه، وما يحصل به قبضه)؛ أي: قبض المبيع مِن عد أو ذرع ونحو ذلك، وحكم الإقالة، وغير ذلك.
1) هل يصح التعاقد على شراء مكيل ونحوه قبل القبض؟ وبِمَ يلزم؟ ومتى يصح تصرُّفه فيه؟ مع الاستدلال من السنة، وما علة النهي؟
([ومن اشترى مكيلًا ونحوه]، وهو الموزون، والمعدود والمذروع [صح] البيع)، ولو كان قفيزًا من صبرة، أو رطلًا من زبرة حديد ونحوه، ومكيل: أصله مكيول معتل العين، كمبيع أصله: مبيوع، والمكيل والموزون: محله باب الربا؛ لأن الكيل والوزن من جملة علل الربا.
([ولزم بالعقد]؛ حيث لا خيار)؛ أي: لزم المبيع لتمام شروطه، وملك بالعقد إجماعًا؛ حيث لا خيار لهما، أو لأحدهما إلى أمد، ولا خيار مجلس، كباقي المبيعات، وسواء احتاج لحق توفية أو لا، إلا ما يوجب الرد بنحو عيبٍ.
([ولم يصح تصرُّفه فيه] ببيع، أو هبة، أو إجارة)؛ أي: ولم يصحَّ تصرف المشتري فيما اشتراه بكيل، أو وزنٍ، أو عد، أو ذرع، ببيع، أو هبة، ولو بلا عِوَضٍ، أو إجارة حتى يقبضه لما يأتي.
(أو رهن، أو حوالة [حتى يقبضه])؛ أي: ولم يصح تصرف المشتري برهنٍ، ولو بعد قبض ثمنه، أو حوالة عليه، أو به، قبل قبضه صورةً لا حقيقة، وإلا فشرط الحوالة كما يأتي أن تكون في ذمةً على ما في ذمة، وقيل معنى الحوالة عليه هنا: توكيل الغريم في قبضه لنفسه نظير ماله؛ لأنه ليس في الذمة، وكذا الثمن إذا وقع بإحدى الصور الأربع: الكيل والوزن، والعد والذرع، قال الوزير وغيره: اتَّفقوا على أن الطعام إذا اشترى مكايلة أو موازنة أو معادة، فلا يجوز لمن اشتراه أن يبيعَه من آخر، أو يعاوضَ به، حتى يقبضه الأول، فإن القبض شرط في صحة هذا البيع.
(لقوله عليه السلام: ((من ابتاع طعامًا، فلا يبعه حتى يستوفيه))؛ متفق عليه)، وفي لفظ: ((حتى يقبضه))، وحكاه الشيخ إجماعًا، ولمسلم: ((حتى يَكتاله))؛ أي: حتى يأخذه بالكيل؛ قال ابن عباس: ولا أحسَب غيره إلا مثله، ولأحمد: «إذا اشتريتَ شيئًا، فلا تَبعه حتى تقبضه»، ولأبي داود: «نهى أن تُباع السلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجارُ إلى رحالهم»؛ قال الشيخ، وابن القيم وغيرهما: علة النهي عن البيع قبل القبض، عجزُ المشتري عن تسلُّمه؛ لأن البائع قد يسلمه، وقد لا يسلمه، لا سيما إذا رأى المشتري قد ربِح، فإنه يسعى في رد البيع؛ إما بجحدٍ، أو احتيالٍ في الفسخ، وتأكد بالنهي عن ربح ما لم يضمن.
2) بيِّن حُكم عتق المبيع قبل قبضه مع الاستدلال والتمثيل:
(ويصح عتقه)؛ أي: عتق المبيع قبل قبضه؛ لقوة سرايته، كما لو اشترى عبيدًا على أنهم عشرة، فأعتَقهم قبلَ عدِّهم، صحَّ العتق قولًا واحدًا؛ قال الشيخ: يملِك المشتري المبيع بالعقد، ويصح عتقُه قبل قبضه إجماعًا فيهما.
3) بيِّن حكم جعل المبيع مهرًا، أو عوضَ خلعٍ قبلَ قبضه مع التعليل:
(وجعله مهرًا، وعوض خلع)؛ أي: ويصح جعل المبيع مهرًا قبل قبضه، ويصح جعلُه عوض خلعٍ؛ لاغتفار الغرر اليسير فيهما، فخرَج عن حكم البيع؛ إذ البيع لا تغتفر فيه الجهالة اليسيرة.
4) بيِّن حكم الوصية بالمبيع قبل قبضه مع التعليل:
(ووصية به)؛ أي: قبلَ قبضه؛ لأنها ملحقة بالإرث، وتصِح بالمعدوم، وكذا كل ما ملك بعقد سوى البيع؛ قال الشيخ: ومَن اشترى شيئًا، لم يبعْه قبل قبضه؛ سواء المكيل والموزون وغيرهما، وسواء كان المبيع من ضمان المشتري أو لا، وعلى ذلك تدل أصول أحمد، ويجوز التصرُّف فيه بغير البيع، ويجوز بيعُه لبائعه، والشركة فيه، وكل ما ملك بعقد سوى البيع، فإنه يجوز التصرفُ فيه قبلَ قبضه بالبيع وغيره، لعدم قصد الربح، وإذا تعيَّن ملك إنسان في موروث، أو وصية، أو غنيمة، لم يعتبر لصحة تصرُّفه قبضه، بلا خلاف.
5) اذكُر خلاف العلماء في التصرف في المكيل المشترى جزافًا قبل قبضه، مع الاستدلال لكل قول والترجيح:
(وإن اشترى المكيل ونحوه جزافًا، صحَّ التصرف فيه قبل قبضه)؛ لأن التعيين كالقبض، هذا المذهب عند بعض الأصحاب.
(لقول ابن عمر رضي الله عنه: مضت السُّنة أن ما أدركتْه الصفقة حيًّا مجموعًا، فهو من مال المشتري)؛ أي: فدل على جواز التصرف في الصبرة قبل القبض، وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن: الدليل لا يطابق المدعى، لعدم تلازم الضمان، وجواز التصرف، بدليل ما في الصحيحين: كانوا يتبايعون الطعام جزافًا بأعلى السوق، فنهاهم صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه، وقوله: ((مَن ابتاع طعامًا، فلا يبعه حتى يقبضه))؛ ا.هـ.
وتواتر النهي عن بيع مطلق الطعام حتى يقبضه، من غير فرقٍ بين الجزاف وغيره، وهو رواية عن الإمام أحمد، ومذهب الجمهور، وجاء الأمر أيضًا بنقله، وقال الشيخ: يمتنع التصرف في صبرة الطعام المشتراة جزافًا، واختاره الخرقي، وهذه طريقة الأكثرين، وذكر أنه يُفضي إلى إنكار البائع البيع، واختاره ابن القيم وغيره، وثبتت السُّنة: «حتى ينقل».
6) إذا تلف المبيعُ بكيلٍ ونحوه أو بعضه قبلَ قبضه، فعلى مَن يكون الضمان؟ وما الحكم إن تعيَّب قبل قبضه؟
([وإن تلِف] المبيع بكيلٍ ونحوه)؛ كالموزون، والمعدود، والمذروع قبل قبضه، فمن ضمان البائع.
(أو بعضه [قبل] قبضه، [فمن ضمان البائع])؛ أي: أو تلف بعض المبيع بكيلٍ ونحوه قبل قبضه، فمن ضمان بائع، وأما نماؤه فللمشتري فإنه ملكه.
(وكذا لو تعيَّب قبل قبضه)؛ أي: قبل قبض المشتري للمبيع بكيلٍ ونحوه، فمن ضمان البائع، وينتقل الضمان إلى المشتري بتمكُّنه من القبض.
7) إذا تلف المبيع المكيل ونحوه قبلَ قبضه بآفة سماويةٍ لا صُنع لآدمي فيها، فما الحكم؟ وما الحكم إن بقِي البعض؟
([وإن تلف] المبيع المذكور [بآفة سماوية])؛ أي: عاهة؛ كبردٍ ونحوه.
(لا صنع لآدمي فيها [بطل]؛ أي: انفسخ [البيع])؛ أي فيما تلف بآفة سماوية؛ سواء كان التالف البعض أو الكل؛ لأنه من ضمان بائعه، وفسَّر الشارح البطلان بالفسخ؛ لأن البطلان لا يكون إلا فيما إذا اختلَّ شيءٌ من أركانه أو شروطه، وهنا ليس كذلك.
(وإن بقِي البعض، خُيِّر المشتري في أخذه بقسطه من الثمن)؛ أي: قسط ما بَقِيَ من المبيع، وكذا لو تعيَّب عند البائع، أو رده، لتفريق الصفقة عليه.
8) إن أتلَفه المبيع بكيلٍ أو نحوه (آدمي)؛ سواء كان هو البائع أو أجنبيًّا، فما الحكم؟ مع التعليل:
([وإن أتلفه]؛ أي: المبيع بكيل أو نحوه [آدمي]؛ سواء كان هو البائع أو أجنبيًّا)؛ أي: سواء كان المتلف للمبيع - بكيل ونحوه - البائع، أو أجنبيًّا غير البائع وغير المشتري.
([خير مشتر بين فسخ] البيع، ويرجع على بائع بما أخذ من ثمنه)؛ أي: الذي دفعه للبائع؛ لأنه مضمون عليه إلى قبضه، وكالخيار في المبيع المعيب، وللبائع مطالبة متلفه ببدله؛ لأنه لما فسخ المشتري عاد الملك للبائع، فكان له الطلب على المتلف.
([و] بين [إمضاء، ومطالبة متلفه ببدله]؛ أي: بمثله إن كان مثليًّا)؛ أي: وخير مشتر بين إمضاء للبيع، ومطالبة متلف المبيع بمثله، إن كان المبيع المتلف مثليًّا؛ كالمكيل والموزون.
9) بيِّن المذهب في المتقوم كيف يضمن عند تلفه قبل قبضه؟ وما الراجح في ذلك؟ مع الاستدلال من السُّنة:
(أو قيمته إن كان متقومًا)؛ أي: على متلفٍ، وهو ما لم يصدق عليه حد المثلي، كالجواهر؛ لأن الإتلاف كالعيب، وعند طائفة: الضمان بالمثل، اختاره الشيخ وابن القيم، لقصة القصعة، وعلم منه أن العقد لا ينفسِخ بتلفه بفعل آدمي، بخلاف تلفِه بفعل الله تعالى؛ لأنه لا مقتضي للضمان سوى حكم العقد، بخلاف إتلاف الآدمي، فإنه يقتضي الضمان بالبدل إن أمضى العقد، وحكم العقد يقتضي الضمان بالثمن إن فسخ، فكانت الخيرة للمشتري بينهما، والتالف قبل قبضه بآفة مما ذكر من ضمان بائع.
10) إذا تلف المبيع قبل قبضه بفعل مشترٍ، فما الحكم؟ مع التعليل:
(وإن تلف بفعل مشترٍ، فلا خيار له؛ لأن إتلافه كقبضه)، ولو كان الإتلاف غير عمدٍ، وكذا إتلاف متهب بإذن واهب كقبضه، ويسعر الثمن على المشتري إذا أتلف المبيع ونحوه، فينقده للبائع إن لم يكن دفَعه، وإن كان دفعَه فلا رجوع له به.
11) بيِّن حكم التصرف فيما عدا ما اشتُرِي بكيل، أو وزن، أو عد، أو ذرع؛ كالعبد والدار قبل القبض على المذهب، مع الاستدلال لهم من السُّنة وبيان وجه الدلالة، مع بيان قول الجمهور في ذلك ودليلهم:
(و[ما عداه]؛ أي: عدا ما اشتُري بكيلٍ، أو وزن، أو عد، أو ذرع؛ كالعبد والدار)؛ أي: العبد المعين، والدار المعينة والأرض، والثوب لم يذكر ذرعهما والصبرة المعينة، وكنصف ذلك ونحوه؛ لأن التعيين كالقبض، وكمكيل ونحوه بيع جزافًا.
([يجوز تصرف المشتري فيه قبل قبضه])؛ أي: ببيع، وإجارة، ورهن، وعتق، وغير ذلك؛ سواء تمكَّن مِن قبضه أو لا، وعنه: لا يجوز، وهو قولُ أكثر العلماء، ومذهب أبي حنيفة والشافعي: لا يرون بيع شيء قبل قبضه، واختاره الشيخ وغيره.
(لقول ابن عمر: كنا نبيع الإبل بالبقيع)، وللبيهقي: في بقيع الغرقد، ولم يكن إذا ذاك فيه قبورٌ، والآن هو معروف بالمقبرة شرقي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير، وبالعكس)؛ أي: نبيع بالدنانير، ونأخذ الدراهم، وفي لفظ: أبيع بالدنانير، وآخذ مكانها الورق، وأبيع بالورق، وآخذ مكانها الدنانير.
(فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((لا بأس أن تؤخذ بسعر يومها، ما لم يتفرَّقا، وبينهما شيء))؛ رواه الخمسة)، وصحَّحه الحاكم، والحديث استدلوا به على جواز تصرف المشتري في المبيع قبل قبضه، وقالوا: إن قيل: مقتضى الحديث صحة التصرف فيما يحتاج لحق توفية قبل قبضه، قيل: إنها في الذمة فليستْ كمبيع، بل هي مِن قبيل بيع الدين لمن هو عليه، بالدين لمن هو عليه، وهو صحيحٌ بشرطه، والحديث دليلٌ على جواز قضاء الذهب عن الفضة وبالعكس، وأن جواز الاستبدال مقيَّد بالتقابض في المجلس، وتقدم النهي عن التصرف في المبيع قبل قبضه، وهو مذهب الجمهور.
12) بيِّن حكم المبيع بصفة أو رؤية متقدمة قبل قبضه على المذهب، مع التعليل:
(إلا المبيع بصفة، أو رؤية متقدمة)، ولو كان غير مكيلٍ، أو موزون، أو معدود، أو مذروع.
(فلا يصح التصرف فيه قبل قبضه)؛ أي: قبض مشتر؛ لأنه تعلق به حق توفية، فأشبه المبيع بكيل أو نحوه، وظاهره: ولو بعتق، أو جعله مهرًا ونحوه، ولعله غيرُ مراد، بل المراد التصرف السابق.
13) إذا تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه، فعلى من يكون الضمان على المذهب؟ مع الاستدلال لهم من السُّنة، وما الراجح في ذلك؟
([وإن تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه فمن ضمانه]؛ أي: ضمان المشتري)، ظاهره: تمكن من قبضه أولًا، وقال الشيخ: لا يكون من ضمانه إلا إذا تمكَّن من قبضه، وقال: ظاهر المذهب الفرق بين ما تمكن من قبضه وغيره، ليس الفرق بين المقبوض وغيره.
(لقوله عليه السلام: ((الخراج بالضمان))؛ أي: خراج المبيع - وهو غلته وفائدته - لمن هو في ضمانه، وضمان المبيع بعد القبض على المشتري، فكان له خراجه، فالباء متعلقة بمحذوف تقديره: مستحق بالضمان؛ أي: بسببه، فما يحصل من غلة العين – المبتاعة - للمشتري، ولا شيء عليه لما انتفع به، لضمان أصله، والحديث رواه الخمسة، وصحَّحه الترمذي.
(وهذا المبيع للمشتري، فضمانه عليه)؛ أي: المبيع ملك للمشتري، له دخلُه وغلته، وهو ضامنٌ لرقبته، إن تلف في يده صار من ضمانه، ولم يكن له ردُّه على البائع.
14) إذا منع البائع المشتري من قبض المبيع ثم تلف، فعلى من يكون الضمان؟
(وهذا [ما لم يَمنعْه بائعٌ من قبضه])؛ أي: وهذا الحكم - في أن ضمان المبيع على المشتري - ما لم يمنعِ المشتري بائعٌ من قبض المبيع، ولو لقبض ثمنه.
(فإن منعه حتى تلف، ضمنه ضمان غصبٍ)، وهو أن يسلم المبيع للمشتري بنمائه المتصل، والمنفصل، لا ضمان عقد.
15) على من يكون الضمان في بيع الثمر على الشجر، والمبيع بصفة، أو رؤية سابقة على المذهب؟ وعدد ما لا يدخل في ضمان المشتري إجمالًا في حال التلف؟
(والثمر على الشجر، والمبيع بصفة، أو رؤية سابقة، من ضمان بائع)؛ أي: والثمر على الشجر قبل جذاذه من ضمان بائع، حتى يجذه مشتر، والمبيع بصفة - معينًا أو في الذمة - أو رؤية متقدمة - بزمن لا يتغير المبيع فيه عرفًا - من ضمان بائعٍ؛ لأنه يتعلق به حق توفية، وما لا يدخل في ضمان مشتر أربعة أنواع: ما اشتراه بكيلٍ ونحوه، أو بصفة أو رؤية متقدمة، وما منَعه بائع قبضه، والثمر على الشجر، والحب المشتد، ويصح تصرُّفه في النوعين الآخرين، فبين ما يدخل في ضمانه، وما لا يصح تصرُّفه فيه، عمومٌ وخصوص، فكل ما لا يصح تصرُّفه فيه، لا يدخل في ضمانه، وليس كل ما لا يدخل في ضمانه، لا يصِح تصرُّفه فيه.
16) مَن تعيَّن ملكه في موروث، أو وصية أو غنيمة، فهل له التصرف فيه قبل قبضه أو لا؟ مع التعليل:
(ومَن تعيَّن ملكه في موروث، أو وصية أو غنيمة، فله التصرف فيه قبل قبضه) بلا خلاف، لعدم ضمانه بعقد معاوضة، فملكه عليه تامٌّ، لا يتوهم غرر الفسخ فيه؛ كمبيع مقبوض، ووديعة، ومال شركة، وعارية، فلم يعتبر لصحة تصرُّفه فيه قبضه.
17) بِمَ يحصل قبض ما بيع بكيلٍ، وما بيع بوزن؟ مع الاستدلال، وما المرجع في الكيفية المذكورة؟
(و[يحصل قبض ما بيع بكيل] بالكيل، [أو] بيع بـ[وزن] بالوزن) للخبر الآتي، والمرجع في كيفية الاكتيال إلى عرف الناس في أسواقهم من زلزلة كيلٍ، أو عدمها، ونحو ذلك.
18) بِمَ يحصل قبض ما بيع بعدٍّ؟ وما بيع بذرع؟ مع الاستدلال، مع بيان شرط صحته، ومع الاستدلال من السُّنة، وبيان وجه الدلالة:
([أو] بيع بـ [عد] بالعد، [أو] بيع بـ [ذرع بذلك] الذرع)؛ ويصح قبض مبيع متعين، بغير رضا بائعٍ.
(لحديث عثمان يرفعه: ((إذا بعت فكِلْ، وإذا ابتعت فاكْتَلْ))؛ رواه الإمام)؛ أي: أحمد بن حنبل رحمه الله، ورواه البخاري تعليقًا، وروى الأثرم: ((إذا سميتَ الكيل، فكِلْ)).
(وشرطه حضور مستحق، أو نائبه)؛ أي: وشرط صحة القبض حضور مستحق المبيع - أو حضور نائبه - كيله، أو وزنه أو عده، أو ذرعه للخبر، فإذا ادعى بعد ذلك نقصان ما اكتاله أو اتَّزنه، أو عده، أو ذرعه، لم يقبل، أو ادَّعيا أو أحدهما أنهما غلطا فيه، أو ادعى البائع زيادة، لم يقبل قولها؛ لأن الظاهر خلافه.
19) بيِّن حكم توكيل البائع للمشتري في الاكتيال ونحوه:
(ويصح استنابة من عليه الحق للمستحق)، فلو قال: اكتل من هذه الصبرة قدرَ حقِّك، ففعل صح، لقيام الوكيل مقام موكله، ومتى وجده زائدًا أعلمه به، وإن قبضه ثقة بقول باذل أنه قدر حقه، ولم يحضر كيله أو وزنَه، قبل قوله في قدر نقصه، وإن صدقه في قدره، بَرِئَ مِن عهدته، ولو دفع إليه الوعاء، فقال: كِلْه، فقيل: يصير مقبوضًا.
20) على من تكون مؤونة كيال، ووزان، وعداد، ومُصفى فيما يحتاج لتصفية ونحوه؟ مع التعليل:
(ومؤونة كيال، ووزان، وعداد، ونحوه على باذل)؛ أي وأجرة كيال لمكيل، ووزان لموزون، وعداد لمعدود، ونقاد لمنقود، وتصفية ما يحتاج لتصفيته، ونحو ذلك، على باذل، بائع أو غيره؛ لأنه تعلق به حتى توفية، ولا تحصل إلا بذلك، أشبه السقي على بائع الثمرة، ولعموم: ﴿ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾ [المطففين: 2، 3]، وأجرة النقل لمنقول تكون على قابض، وأجرة الدلال على بائع، وهو العرف المطرد، إلا مع شرط.
21) إذا أخطأ ناقد حاذق أمين، فهل يضمن خطأه أو لا؟ مع التعليل:
(ولا يضمن ناقد حاذق أمين خطأً)؛ سواء كان متبرعًا، أو بأجرة، إذا لم يقصر؛ لأنه أمين، فإن لم يكن حاذقًا، أو كان غير ذي أمانة وعدالة، فهو ضامنٌ، لتغريره، كما لو تعمَّد، ولا فرق بين كونه بأجرة أو لا.
22) بِمَ يحصُل القبض في الصُّبْرَة، وما ينقل كثياب وحيوان؟ مع الاستدلال من السنة:
([و] يحصل القبض [في صُبْرَة ) بنقلها لخبر: كنا نشتري الطعام جزافًا، فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه، حتى ننقله.
(وما ينقل] كثياب وحيوان [بنقله)، وكأحجار، وطواحين، وعبارة المبدع وغيره: إن كان حيوانًا، فقبضه: تَمْشِيَتُه من مكانه.
23) بِمَ يحصل القبض فيما يتناول كالجواهر والأثمان؟
(و] يحصل القبض في [ما يتناول]؛ كالجواهر والأثمان [بتناوله])؛ أي باليد، وكذا كتب ونحو ذلك.
(إذ العرف فيه ذلك)؛ أي: فيكون قبضًا شرعيًّا، يعطي أحكام القبض في نحو المكيل، وقال بعض أهل العلم: الرجوع إلى العرف أحد القواعد الخمس التي بُنِي عليها الفقه.
24) بِم يحصل قبض ما لا يمكن نقلُه ولا تناولُه؛ كعقار وثمر على شجر؟ مع التمثيل للقبض فيها بعدة أمثلة وصور:
([وغيره]؛ أي: غير ما ذكر؛ كالعقار، والثمرة على الشجر، قبضه [بتخليته] بلا حائل)؛ أي: مانع من قبضه والتخلية ليست شرطًا، وإنما ذلك تعريف لقبض نحو العقار، وهو الضيعة، والبناء، والأرض، والغراس، أن يخلي بينه وبين المشتري، والثمر على الشجر، قبضه أن يخلي بينه وبين مشتريه، يتصرف فيه تصرُّف المالك.
(بأن يفتح له باب الدار)، أو باب العقار إن كان محاطًا، وإلا فيخلي بينه وبين التصرُّف فيه.
(أو يُسلمه مفتاحها ونحوه)؛ كأن يسلمه مقودَ الدابة أو يرسلها معه، وإسلام المفتاح ليفتح به، وإن شاء أرجعه إليه أو ترَكه، وكل ما عدَّه الناس قبضًا صحَّ؛ لأن القبض مطلقٌ في الشرع، فيرجع فيه إلى العُرف.
(وإن كان فيها متاع للبائع، قاله الزركشي)؛ أي: يحصل قبضها بتسليم مفتاحها ونحوه، وإن كان فيها متاع للبائع عملًا بالعرف.
25) ماذا يعتبر لجواز قبض مشاع ينقل؟ مع التعليل:
(ويعتبر لجواز قبض مشاع ينقل إذن شريكه)؛ أي: في قبضه؛ لأن قبضه نقله، ونقله لا يتأتَّى إلا بنقل حصة شريكه، فيسلم البائع الكل، فإن أبى المشتري التوكيل، وأبى الشريك التوكل، نصب الحاكم أمينًا يقبض، ويصير نصيب الشريك أمانة في يد القابض، وإن سلمه بلا إذنٍ فغاصب، وعلم منه أن قبض مشاع لا ينقل، لا يعتبر له إذن شريك؛ لأن قبضَه تخليته، وليس فيها تصرُّف.
26) بيِّن معنى الإقالة، وحُكمها، مع الاستدلال:
([والإقالة] مستحبة)؛ أي: لأحد المتعاقدين عند ندم الآخر؛ إما لظهور الغبن، أو زوال الرجاحة، أو لانعدام الثمن، أو غير ذلك، وأجمعوا على مشروعيتها.
(لما روى ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعًا: ((مَن أقال مسلمًا أقال الله عثرته يوم القيامة))، ورواه أبو داود بدون لفظ القيامة؛ أي: غفر زَلته وخطيئته، لإحسانه إلى صاحبه، وفي فضل الإقالة أحاديثُ أُخَرُ.
27) هل الإقالة فسخ أو بيع على المذهب؟ مع التعليل:
(وهي [فسخ]؛ لأنها عبارة عن الرفع والإزالة)، والفسخ: رفعُ العقد من حين الفسخ، لا من أصله؛ سواء وقع بإقالة، أو خيار شرط، أو عيب، فما حصَل مِن كسب، أو نماء منفصل فلمُشتر، لخبر «الخراج بالضمان».
(يقال: أقال الله عثرتك؛ أي: أزالها)، وفي القاموس: قلته البيع بالكسر، وأقلته: فسخته، واستقاله: طلب إليه أن يقيله، وتقايل البيعان، وأقال الله عثرتك، وأقالكها.
(فكانت فسخًا للبيع لا بيعًا)؛ أي: فسخًا لعقد البيع، وليست بيعًا لِما تقدَّم، فيعتبر لها شروط البيع، ولجوازها في السلم، مع إجماعهم على المنع من بيعه قبل قبضه، فلو كانت بيعًا لم يُجيزوها فيه.
28) هل تجوز الإقالة قبل قبض المبيع من مكيل أو غيره أو لا؟ مع التعليل، وماذا يشترط في الثمن عند الإقالة؟ مع التعليل:
(فـ [تجوز قبل قبض المبيع]) مِن مسلم وغيره؛ كمبيع في ذمة، أو بصفة، أو رؤية متقدمة؛ لأنها فسخ، والفسخ لا يعتبر فيه القبض.
(ولو نحو مكيل)؛ أي: ولو كان المبيع المفسوخ بالإقالة؛ نحو: مكيل؛ كموزون ومعدود، ومذروع، قبل قبضه بكيل، أووزن، أو عد، أو ذرع؛ لأنها فسخ.
(ولا تجوز إلا [بمثل الثمن] الأول، قدرًا ونوعًا)، كما سيأتي، فلو قال مشتر لبائع: أقلني، ولك كذا، ففعل، فقد كَرِهَه أحمد، لشبهه بمسائل العينة.
(لأن العقد إذا ارتفع رجع كلٌّ منهما بما كان له)، فلم تجز الزيادة ولا النقص، ولا بغير الجنس.
29) بيِّن حكم الإقالة بعد نداء الجمعة الثاني، مع التعليل:
(وتجوز بعد نداء الجمعة) كسائر الفسوخ، والمراد النداء الثاني ممن تلزمه الجمعة كما تقدم.
30) لماذا لم يلزم إعادة كيل أو وزن في الإقالة على المذهب؟ وإذا قيل: إن الإقالة بيع وليست فسخًا، فماذا يلزم عليه هنا؟
(ولا يلزم إعادة كيل أو وزن)، أو عد، أو ذرع؛ لأن الإقالة رفعٌ للعقد، فلم يحتج لإعادة الكيل ونحوه.
31) بيِّن حكم الإقالة من مضارب وشريك؟
(وتصح من مضارب وشريك)، ولو فيما اشتراه شريكه، بشرط أن يكون فيها مصلحة، ولو بلا إذن ربِّ مالٍ، أو شريك، لا وكيل في شراء؛ لأنه لا يملك الفسخ بغير إذن موكله.
32) بيِّن حكم الإقالة بلفظ صلح، وبيع، ومعاطاة؟ مع التعليل:
(وبلفظ صلح، وبيع، ومعاطاة)؛ لأن القصد المعنى، فيكتفى بما أداه كالبيع.
33) إذا حلف ألا يبيعَ، هل يحنث بالإقالة أو لا على المذهب؟ وإذا قيل: إنها بيع، فهل يحنث؟
(ولا يحنث بها من حلف لا يبيع)؛ أي: لا يحنث بالإقالة من حلف لا يبيع، ولا يبر بها من حلف ليبيعن؛ لأنها فسخ، وليست بيعًا.
34) هل يثبت الخيار أو الشفعة في الإقالة أو لا؟ مع التعليل:
([ولا خيار فيها]؛ أي: لا يثبت في الإقالة خيار مجلس)؛ لأنها فسخ، والفسخ لا يفسخ، ولأن المحتال يتعيَّن عليه القبول بالشرع، فليس عقدًا اختياريًّا، بل أمر يصدر من المدين للدائن، والشرع يُلزمه بقبوله، وثبوت خيار المجلس يُبطله، فيكون إبطالًا للحوالة، وفي الحديث: ((إذا اتَّبع أحدكم على مليء، فليتبع)).
(ولا خيار شرط، ونحوه)؛ كخيار عيب أو تدليس، أو لفقد شرطٍ، ونحو ذلك، وإذا وقع الفسخ بإقالة، أو خيار شرطٍ، أو عيب، أو تدليسٍ أو نحوه، فهو رفعٌ للعقد من حين الفسخ، كما تقدَّم.
([ولا شفعة] فيها؛ لأنها ليست بيعًا)، والمقتضي للشفعة هو البيع، ولم يوجد في الإقالة، وإنما هي رفعٌ للعقد؛ كالرد بالعيب، ولا ترد به.
35) هل تصح مع تلف مثمن أو موت عاقد أو لا؟ مع التعليل:
(ولا تصح مع تلف مثمن)، لفَوات محل الفسخ، وتصح مع تلف ثمن.
(أو موت عاقد)؛ أي: ولا تصح مع موت عاقد، أو غيبته، بائعًا كان أو مشتريًا، لعدم تأتيها.
36) بيِّن حكم الإقالة مع زيادة على ثمن، أو نقصه أو غير جنسه، مع التعليل، وعلى من تكون مؤونة ردِّه؟
(ولا بزيادة على ثمن، أو نقصه أو غير جنسه)؛ أي: ولا تصح الإقالة بزيادة على ثمن معقود به، أو مع نقصه، أو بغير جنس الثمن المعقود به؛ لأن مقتضى الإقالة ردُّ الأمر إلى ما كان عليه، ورجوع كلٍّ منهما إلى ما كان له، وتقدَّم أنه لو قال مشتر لبائع: أقلني، ولك كذا، ففعل، فقد كرِهه أحمد، لشبهه بمسائل العينة؛ لأن السلعة ترجع إلى صاحبها، ويبقى له على المشتري فضلُ دراهم، وإن طلب أحدهما الإقالة، وأبى الآخر، فاستأنفا بيعًا، جاز بما ذكر.
(ومؤونة رد مبيع تقايلاه على بائع)، لرضاه ببقاء المبيع أمانةً بيد مشتر بعد التقايل، فلا يلزمه مؤونة رده كوديعة، بخلاف مؤونة رد المبيع بعيب، فعلى المشتري.