من فضائل الصيام
4 رمضان 1439
عبد الله بن صالح الفوزان

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد (*)

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي. وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولَخُلوفُ(1) فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) [رواه البخاري ومسلم(2)].

الحديث دليل على فضل الصيام، وعظيم منـزلته عند الله تعالى. وقد جاء في هذا الحديث أربعٌ من فضائله الكثيرة.
الأولى: أن الصائمين يوَفّون أجورهم بغير حساب، فإن الأعمال كلّها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد بل يضاعفه الله عز وجل أضعافًا كثيرة؛ لأن الصيام من الصبر. وقد قال الله تعالى: ﮋ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍﮊ سورة الزمر، الآية: (10).
قال الأوزاعي رحمه الله: (ليس يوزن لهم ولا يكال، إنما يغرف لهم غرفًا)(3).
الثانية: أن الله تعالى أضاف الصوم إلى نفسه من بين سائر الأعمال، وهذا - والله أعلم - لكونه يستوعب النهار كله. فيجد الصائم فقد شهوته، وتتوق نفسه إليها، لاسيما في نهار الصيف لطوله وشدة حره، ولأن الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه إلا الله تعالى، فهو عمل باطن لا يراه الخلق ولا يدخله رياء.

الثالثة: أن الصائم إذا لقي ربه فرح بصومه، وذلك لما يراه من جزائه وثوابه، وترتّب الجزاء عليه بقبول صومه الذي وفقه الله له.
وأما فرحته عند فطره، فلتمام عبادته، وسلامتها من المفسدات وحصول ما منع منه مما يوافق طبيعته. وهذا من الفرح المحمود؛ لأنه فرح بطاعة الله وتمام الصوم الموعود عليه الثواب الجزيل.

الرابعة: أن رائحة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وهذا الطيب يكون يوم القيامة؛ لأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال؛ لرواية: (أطيب عند الله يوم القيامة)(4).

وهذه الرائحة وإن كانت مكروهة في مشامّ الناس في الدنيا، لكنها أطيب عند الله من ريح المسك، لكونها ناشئة عن طاعة الله تعالى.
ومن فضائل الصيام أنه من أسباب مغفرة الذنوب وتكفير السيئات، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) [رواه البخاري ومسلم(5)].

لكن هذه الفضائل لا تكون إلا لمن صام مخلصًا لله تعالى عن الطعام والشراب والنكاح، وصامت جوارحه عن الآثام، فهذا هو الصوم المشروع المرتب عليه الثواب العظيم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)(6).

اللهم احفظ لنا صيامنا، واجعله شافعًا لنا، واعنّا فيه على طاعتك، وجنبنا طرق معصيتك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.  

------- 
(*) المادة مستفادة من كتاب مختصر أحاديث الصيام طبعة دار ابن الجوزي.
(1 ) الخلوف: بضم الخاء المعجمة، هو التغير في الفم، من باب (قعد). قال عياض: قيدناه عن المتقنين بالضم، وأكثر المحدثين يفتحون الخاء، وهو غلط، وقد عده الخطابي في (غلطات المحدثين) فانظره ص (44)، و"فتح الباري" (4/105).
(2) البخاري (1894)، ومسلم (1151) (164).
(3) "تفسير ابن كثير" (7/80).
(4) الرواية لمسلم رقم (1151) (163).
(5) البخاري (1/92)، ومسلم (759)، وقوله: (من ذنبه) ظاهره غفران الصغائر والكبائر، لكن المشهور من مذاهب العلماء أن المراد الصغائر كما سيأتي.
(6) أخرجه البخاري (6057)، وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على معناه في "منهاج السنة" (5/197، 198).