الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن من السنن العظيمة التي حث وحض الرسول صلى الله عليه وسلم عليها، ورغّب فيها، سنة صلاة الفجر، وهي تتضمن أحكامًا عدة، يغفل بعض الناس عنها، ويجهلها الكثير، وقد جمعت عددًا من مسائلها، وذكر بعض الأدلة والأقوال مختصرة، لتسهل قراءتها، ولا يملّها الملول في زمن الخلاصة والسرعة والاختصار، وعددها: ثلاثون مسألة، مذكّرًا بها نفسي وإخواني، وهي امتداد لسلسلة الخلاصات الفقهية، وأصلها رسائل عبر برنامج التواصل (الواتس).
وما أهدى المرء لأخيه المسلم هدية أفضل من حكمة يزيده الله بها هدى أو يرده بها عن ردى.
وإذا الإخوانُ فاتَهم التلاقي *** فَما صلةٌ بأحسنَ من كتابِ
وقد سميته:
(جَنيُ الثّمَرِ في أَحكامِ سُنةِ الفجْرِ)
تقبله الله قبولًا حسنًا، ونفع به العباد والبلاد، والحاضر والبلاد، وجعله عملا صالحًا، دائمًا، مباركًا، وأن يحيينا جميعًا على العلم النافع والعمل الصالح، وأن يمتّعنا متاع الصالحين، وأن ينصر عباده المؤمنين، هو خير مسؤول وأكرم مأمول.
أولاً: الفضائل والمغانم:
*عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) رواه مسلم.
*وفي رواية «لهما أحب إلي من الدنيا جميعا» رواه مسلم.
*عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوها ولو طردتكم الخيل) رواه أبو داود(1).
*عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد منه تعاهدا على ركعتي الفجر» رواه البخاري.
*عن سعيد بن جبير، قال: قال عمر في الركعتين قبل الفجر: لهما أحب إلي من حمر النعم. رواه ابن أبي شيبة.
*عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: يا حمران، لا تدع ركعتين قبل الفجر، فإن فيهما الرغائب. رواه ابن أبي شيبة.والمرفوع ضعفه الهيثمي.
تنبيه: تسمية سنة الفجر بصلاة الفجر والفريضة بصلاة الصبح تفريق لا دليل عليه وهو من كلام العامة في بعض البلدان.
ثانياً: أحكامها:
المسألة الأولى: حكمها: محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: واجب، وهو قول الحسن رواه ابن أبي شيبة وهو قول عند بعض الحنفية وهو ظاهر اختيار الشوكاني،لحديث (لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل) رواه أبوداود.
القول الثاني: سنة، وهو مذهب جمهور العلماء.
الراجح: السنية، والحديث متكلم في صحته، وإن صح فيصرف عن الوجوب بحديث هل علي غيرهن-أي من الصلوات الخمس - قال إلا أن تطوع) رواه مسلم.
المسألة الثانية: حكم تخفيفها محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: يسن تخفيفها، وهو مذهب جمهور الفقهاء.
القول الثاني: يستحب تطويلها، وهو مذهب الحنفية.
الراجح: التخفيف لحديث عائشة (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد أذان الفجر ركعتين خفيفتين لا أدري أيقرأ فيهما بأم الكتاب) متفق عليه.
المسألة الثالثة: هل التخفيف يكون في القراءة أم كل الصلاة؟
السنة أن الركوع والسجود يتبع القراءة في التطويل والتخفيف، وعليه فيشمل كل الصلاة، وهذا ظاهر حديث عائشة المتقدم.
المسألة الرابعة: الحكمة من التخفيف:
قالوا ليدخل الفرض بنشاط واستعداد تام، وقيل: لأجل يبادر في الفريضة في أول الوقت.
المسألة الخامسة: هل يقرأ فيهما بغير الفاتحة؟ محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: لا يقرأ، وهو مذهب مالك.
القول الثاني: لا يقرأ حتى الفاتحة، وهو مذهب بعض أهل العلم.
القول الثالث: يقرأ، وهو مذهب جمهور الفقهاء.
والراجح: القراءة، للأحاديث التي ستأتي، وأما حديث عائشة المتقدم فهو شك، واليقين والصريح مقدم، أو يقال أرادت المبالغة رضي الله عنها.
المسألة السادسة: حالات القراءة في سنة الفجر:
الأولى: عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر: قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد "رواه مسلم.
الثانية: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} [البقرة: 136] الآية التي في البقرة، وفي الآخرة منهما: {آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون} [آل عمران: 52] " رواه مسلم.
الثالثة: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} [البقرة: 136]، والتي في آل عمران: {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} [آل عمران: 64] "(2) رواه مسلم.
الرابعة: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، "يقرأ في ركعتي الفجر: {قل آمنا بالله وما أنزل علينا} [آل عمران: 84] في الركعة الأولى، وفي الركعة الأخرى بهذه الآية: {ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} [آل عمران: 53] أو {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} رواه أبوداود وحسنه الألباني.
المسألة السابعة: أداؤها في البيت أفضل لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي.
المسألة الثامنة: يستحب المداومة عليها في الحضر والسفر لحديث عائشة رضي الله عنها: (أما ما لم يدع صحيحا ولا مريضا في سفر، ولا حضر غائبا ولا شاهدا، تعني النبي صلى الله عليه وسلم، فركعتان قبل الفجر) رواه ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط ولفعله له في حديث أبي قتادة رواه مسلم.
فرع: وهل تفعل سنة الفجر في السفر حال الركوب أم لا بد حال النزول؟
القول الأول: يصح قياساً على الوتر، وهو مذهب الحنابلة.
القول الثاني: لا يصح لعدم ورود ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول بعض الحنابلة، ومذهب الحنفية كما في الفروع.
وتوقف الإمام أحمد في المسألة وقال لم أسمع فيه بشيئ ولا أجترئ عليه.
الراجح: صحة ذلك، لأن النوافل يصح فعلها راكباً وجالساً لعذر ولغير عذر حال الحضر وحال السفر.
المسألة التاسعة: حكم فعلها وقت الإقامة محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: يكره، وهو مذهب الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق نقله عنهم الترمذي ونسبه النووي للجمهور.
القول الثاني: يحرم إذا سمع الإقامة، وهو مذهب الظاهرية ونقله ابن حزم عن جمهور السلف والشوكاني.
القول الثالث: يجوز إلا إذا خاف فوت الركعة الأخيرة، وهو مذهب أبي الدرداء وابن مسعود والحسن ومسروق ومجاهد رواها ابن أبي شيبة وروي عن ابن عمر، وهو مذهب الحنفية.
القول الرابع: إذا كان داخل المسجد فلا يصليها وإذا كان في الخارج فيصليها إذا أمن فوات الركعة الأولى، وهو مذهب سعيد بن جبير وعطاء رواها ابن أبي شيبة، وهو مذهب المالكية.
والراجح: أنه لا يصليها إذا دخل المسجد والإمام يصلي الفريضة لحديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) رواه مسلم، وما ورد من الآثار في فعلها والإمام يصلي فالحجة والعبرة بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
المسألة العاشرة: التنفل بعد ركعتي الفجر: وسبب الخلاف هل النهي مرتبط بطلوع الفجر أم بصلاة الفجر؟
القول الأول: يكره، وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة ووجه عند الشافعية وحكى الترمذي الإجماع، وبه قال ابن عمر وابن عباس وابن المسيب.
القول الثاني: يجوز،وهو مذهب طاووس والحسن والشافعية لعدم الدليل الصحيح.
القول الثالث: التحريم، واختاره الصنعاني.
القول الرابع: يجوز الوتر وقيام الليل روي عن عمر وعائشة وغيرهم، وهو مذهب مالك.
الأقرب: الأحوط عدم الفعل، ولو ورد ذلك لنقل.
المسألة الحادية عشرة: هل إذا صلى سنة الفجر في البيت ثم قدم المسجد هل يصلي تحية المسجد؟
الخلاف فيها مبني على الخلاف السابق.
القول الأول: لا يصلي، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد والليث والأوزاعي.
القول الثاني: يصلي، وهو أحد قولي مالك.
الأقرب: أنه يصلي، لأن تحية المسجد من ذوات الأسباب.
المسألة الثانية عشرة: إذا أراد أن يصلي سنة الفجر في المسجد فله حالات:
الأولى: أن ينوي تحية المسجد وسنة الفجر فيجزئ عن الأمرين.
الثانية: أن ينوي سنة الفجر فتجزئ عن تحية المسجد.
الثالثة: أن ينوي تحية المسجد فلا تجزئ عن سنة الفجر.
المسألة الثالثة عشرة: هل يشرع يصلي تحية المسجد مستقلة وسنة الفجر بعدها مستقلة؟
لم أجد ذلك روي عن الصحابة ولا التابعين ولا أحد من السلف رحمهم الله.
المسألة الرابعة عشرة: متى تقضى سنة الفجر إذا فاتت؟ محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: بعد الفريضة، وهو مذهب عطاء وابن جريج والحنابلة واختاره ابن تيمية، لعموم حديث (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وحديث (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر) رواه مسلم، ولأن قيس بن عمر صلى بعد صلاة الفجر فقال له صلى الله عليه وسلم مهلاً يا قيس أ صلاتان معاً؟ قال قلت لم أكن
ركعت ركعتي الفجر قال فلا إذن) رواه الترمذي وأبوداود وحسنه العراقي(3)، ولفعل بعض الصحابة.
القول الثاني: بعد طلوع الشمس وارتفاعها قدر رمح، وهو مذهب الثوري وابن المبارك وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق، وحكى ذلك الترمذي عنهم، وحكاه الخطابي عن الأوزاعي واستحسنه ابن قدامة، لأن بعد الفجر وقت نهي، ولأن ابن عمر كان يقضيها بعد طلوع الشمس، ولحديث: (من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس)رواه الترمذي وسكت عنه وصححه الألباني ورواه عبد الرزاق في مصنفه.
الراجح: جواز الأمرين، والجواب عن حديث بعدما تطلع الشمس فليس فيه منع من الصلاة بعد الفجر وإنما الأمر بالصلاة بعد طلوع الشمس ولا يلزم منه المنع.
المسألة الخامسة عشرة: هل فعلها بعد الفريضة قضاء؟
قولان عند الحنابلة: قيل: قضاء، وقيل: أداء كما في المبدع.
المسألة السادسة عشرة: وهل تقضى بعد الزوال؟
قيل: لا تقضى، وهو مذهب بعض الحنفية ومالك، والصحيح: القضاء إن كان الترك لعذر حتى وإن خرج وقت الفريضة ودخل وقت فريضة أخرى كما قضى
صلى الله عليه وسلم سنة الفجر بعد خروج الوقت وقضى سنة الظهر بعد صلاة العصر. رواهما مسلم.
فرع: وقضاؤها في البيت أفضل كالأداء، لأن القضاء يحاكي الأداء.
المسألة السابعة عشرة: إذا قام من النوم وبقي وقت يسير عن طلوع الشمس فماذا يقدم السنة أم الفريضة؟
القول الأول: يقدم السنة ثم الفريضة لفعله صلى الله عليه وسلم لما قام لصلاة الفجر بعد طلوع الشمس فصلى السنة ثم الفريضة واختاره ابن عثيمين.
القول الثاني: يقدم الفريضة ثم السنة، لأن الفرض مقدم على السنة حين المزاحمة، وأما الحديث المتقدم فلم تحصل المزاحمة، لأن الوقت قد خرج وهو الصحيح.
المسألة الثامنة عشرة: إذا قام بعد طلوع الشمس فماذا يقدم؟
السنة ثم الفريضة لفعله.
المسألة التاسعة عشرة: إذا جلس إلى الإشراق فهل تتداخل وتجزئ سنة الفجر عن الإشراق؟
لا تجزئ ولا تتداخل سواء قلنا أن صلاة الإشراق هي سنة مستقلة أم هي صلاة الضحى.
المسألة الموفية للعشرين: ماذا يقدم الإشراق أم سنة الفجر؟.
الأمر في هذا فيه سعة، ولا يقال بالترتيب لأنها ليست من جنس واحد.
المسألة الواحدة والعشرون: إذا شرع في الطواف بعد صلاة الفجر وفاتته سنة الفجر فله أن يبدأ بأيهما.
المسألة الثانية والعشرون: حكم الكلام بعد ركعتي الفجر محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: الكراهة إلا لحاجة، وهو مذهب ابن جبير والنخعي وعطاء وبعض الحنفية ورواية في مذهب أحمد، وقال مجاهد: رأى ابن مسعود رجلا يكلم آخر بعد ركعتي الفجر فقال: إما أن تذكرا الله وإما أن تسكتا) رواه ابن أبي شيبة، ولأنه وقت الاستغفار والفضيلة إلا لحاجة.
القول الثاني: يجوز، وهو مذهب جمهور الفقهاء.
الراجح: الثاني، والأولى تركه، واستغلال الأوقات الفاضلة، والدليل ورد عن عائشة قالت كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع) رواه مسلم.قال ابن حجر في الفتح وأثر ابن مسعود لا يثبت عنه.
قال الميموني: كنا نتناظر في المسائل أنا وأبو عبد الله -أي الإمام أحمد - قبل صلاة الفجر.
المسألة الثالثة والعشرون: حكم الاضطجاع بعدها: محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: مستحب، وهو مذهب الشافعية والحنابلة واختاره النووي.
القول الثاني: لايستحب بل بدعة، وهو مذهب ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم ومذهب الحنفية والمالكية ورواية عند الحنابلة وممن كرهها من التابعين سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح، وحكي عن سعيد بن المسيب.
القول الثالث: يجب، وهو مذهب بعض الفقهاء، وقواه الشوكاني.
القول الرابع: شرط لا تسقط عمداً ولا سهواً، واختاره ابن حزم.
القول الخامس: تستحب لمن يقوم الليل واختاره ابن العربي وابن تيمية.
والصحيح: أنها سنة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن) رواه البخاري، ولأنه لم يرد أنه صلى الله عليه وسلم كان يداوم عليها، لحديث عائشة قالت: (كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع) رواه مسلم.ولكن بشرط أن يأمن الاستيقاظ لصلاة الفجر، وأما إذا خشي فوات صلاة الفجر فلا يفعل سنة الاضطجاع، وقد ورد فعلها عن أبي موسى الأشعري
ورافع بن خديج وأنس بن مالك وأبو هريرة،وممن قال به من التابعين ابن سيرين وعروة وبقية الفقهاء السبعة كما حكاه عبد الرحمن بن زيد في كتاب السبعة، وهم سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار.
واختلف فيه عن ابن عمر فمرة استحبها، ومرة أنكرها، وأنكرها ابن مسعود، وضعف النفي عن ابن عمر النووي في المجموع.
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه) رواه الترمذي وقال حسن صحيح غريب فالجواب:
1- أشار إلى خطأ هذه الرواية الإمام أحمد والبيهقي وشيخ الإسلام ابن تيمية والذهبي وصححها النووي في الخلاصة والشوكاني في النيل.
2- إن صح فيكون الصارف له عن الوجوب حديث عائشة المتقدم فهو يدل على عدم الاستمرار وعدم الوجوب.
*قال الأثرم سئل أحمد بن حنبل وأنا أسمع عن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر فقال: ما أفعله أنا فإن فعله رجل ثم سكت كأنه لم يعبه إن فعله قيل له لم لم تأخذ به ليس فيه حديث يثبت.
فائدة: أقسام أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم:
القسم الأول: الأفعال الجبلية والعادات: كالقيام، والقعود، والأكل، والشرب، وأنواع اللباس، وطول شعر الرأس، فهذا القسم مباح؛ لأن ذلك لم يقصد به التشريع ولم نتعبد به، ولذلك نسب إلى الجبلّة وهي الخلقة. لكن لو تأسى به متأسٍ فلا بأس، وإن تركه لا رغبة عنه ولا استكبارًا فلا بأس، ما لم يدل دليل على التشريع، كأن يأمر أو يرغّب في بأمر يتعلق بهذه الأشياء، كالتسمية عند الأكل، وعدم التنفس في الإناء، والأكل باليمين، وعدم الأكل من وسط القصعة، ومنع الإسبال أسفل من الكعبين فهذه تأخذ الجانب التعبدي.
القسم الثاني: الأفعال الخاصة به صلى الله عليه وسلم التي ثبت بالدليل اختصاصه بها كالجمع بين تسع نسوة، فهذا القسم يحرم فيه التأسي به.
القسم الثالث: الأفعال البيانية التي يقصد بها البيان والتشريع، كأفعال الصلاة والحج، فحكم هذا القسم تابع لما بيّنه؛ فإن كان المبين واجبًا كان الفعل المبين له واجبًا، وإن كان مندوبًا فمندوب ".
القسم الرابع: وهو المحتمل للجبلي والتشريعي. وضابط هذا القسم: أن تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها، لكنه وقع متعلقًا بعبادة بأن وقع فيها أو في وسيلتها، كالركوب إلى الحج ودخول مكة من كَداء والذهاب يوم العيد من طريق والعودة من طريق آخر.
وقد اختلف العلماء في حكم التأسي به فيها على ثلاثة أقوال:
القول الأول: استحباب متابعته فيها.
القول الثاني: إباحة متابعته فيها.
القول الثالث: الوقف بمعنى عدم الحكم بمتابعته فيها ولا عدمه.
قال الدكتور محمد العروسي عبد القادرفي كتابه (أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام): وتحرير القول في هذه المسألة أن ما لم يظهر فيه معنى القربة، فيستبان فيه ارتفاع الحرج عن الأمة لا غير، وهذا قول جمهور الأصوليين، واختاره الجويني، وأصل الخلاف في دلالة هذا الفعل الذي لم نعلم صفته، ولم يظهر فيه معنى القربة أنه يتعارض بين أن يكون قربة، وهو الظاهر لأن الظاهر من أفعاله صلى الله عليه وسلم التشريع، لأنه مبعوث لبيان الشرعيات، وبين أن يكون عادة وجبلة، وهو الأصل لأن الأصل في مثل هذه الأفعال عدم التشريع، وأصَّلَ الفقهاء من هذا التعارض قاعدة وهي: إذا أمكن حمل فعله عليه الصلاة والسلام على العبادة أو العادة، فإنا نحمله على العبادة إلا لدليل،وعللوا ذلك بأن الغالب على أفعاله قصد التعبد بها.
المسألة الرابعة والعشرون: متى وقت الاضطجاع؟.
بعد ركعتي سنة الفجر، لما تقدم، وورد أنه اضطجع بعد قيام الليل، وقبل الفجر فعن عائشة رضي الله عنها، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين خفيفتين» رواه مسلم.
قال ابن رجب رحمه الله: "وأسقط البخاري منه: ذكر: "الاضطجاع"؛ لأن مالكاً خالف أصحاب ابن شهاب فيهِ، فإنه جعل الاضطجاع بعد الوتر، وأصحاب ابن شهاب كلهم جعلوه بعد ركعتي الفجر،وهذا مما عده الحفاظ من أوهام مالك، منهم: مسلم في كتاب التمييز، وحكى أبو بكر الخطيب مثل ذلك عن العلماء".
فرع: إذا اضطجع قبل سنة الفجر فهل يضطجع بعد سنة الفجر؟.
قال ابن عبدالبر: "يمكن أن يكون ذلك صحيحاً، وأن يكون النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مرة يضطجع قبل ركعتي الفجر، ومرة بعدها " واختاره النووي.
فرع: الحكمة من الاضطجاع بعد الوتر:
قيل: الفصل بين صلاة الليل وصلاة النهار وبه قال أبو الدرداء وسعيد بن جبير.
وقيل: لأجل الراحة من قيام الليل.
المسألة الخامسة والعشرون: أين يفعل الاضطجاع؟
في البيت دون المسجد، وكان ابن عمر يحصب (أي: يرمي) بالحصاة من يضطجع بالمسجد، رواه ابن أبي شيبة قال ابن حجر: "وقواه بعض شيوخنا "،ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد.
والصحيح: أن فعلها بالمسجد جائز، لعدم المنع، ولأن القصد الاضطجاع ففي أي مكان وقع فجائز، ما لم يؤذي المصلين، ويترتب عليه مفسدة.
المسألة السادسة والعشرون: صفة الاضطجاع:
على شقه الأيمن: قالت عائشة رضي الله عنها وكان يركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للصلاة»رواه البخاري.
المسألة السابعة والعشرون: هل يتعين على الشق الأيمن أم تتحقق السنة بالاضطجاع على الأيسر؟.
وجهان للعلماء: فمن رأى أن المراد بالاضطجاع الفصل لم يتقيد بالأيمن، ومن أطلق يخص القادر بالاضطجاع على الشق الأيمن.
المسألة الثامنة والعشرون: من عجز فهل يسقط عنه الطلب، أم يومئ جهة الأيمن، أم يضطجع على الأيسر؟
قال ابن حجر: لم أقف فيه على نقل إلا أن ابن حزم قال: يومئ ولا يضطجع على الأيسر. قال الشوكاني: وهو الظاهر.
فرع: وهل تقضى سنة الاضطجاع؟
لا تقضى، ولم أجد قائلاً به، لفوات مقصودها في القضاء، ولأنه سنة فات محلها.
المسألة التاسعة والعشرون: الحكمة من الاضطجاع:
قيل: الفصل بين ركعتي سنة الفجر والفريضة.
وقيل: الاستراحة للتعب من قيام الليل.
المسألة الموفية للثلاثين: ما مدة الاضطجاع: وهل لها حد معين من الوقت؟
لا، وانما ما يحصل به المقصود(4).
ختاماً: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، ونسألك ثباتاً وهدى وطهارة لقلوبنا وألسنتنا وأزواجنا وذرياتنا، وعياذاً من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ومن فتنة القول وغروره وزخرفه وفجوره، وأن يجعلنا من المتبعين المحافظين الثابتين على السنة والمجتنبين للبدعة.
_______________________________
(1) قال النووي في الخلاصة: رواه أبو داود، ولم يضعفه، وفي إسناده رجل مختلف في توثيقه. وقال العراقي: هذا حديث صالح.
(2) وهذه الرواية تكلم بعض المعاصرين في صحتها. لأنها من رواية أبي خالد وهي شاذة مخالفة لما رواه الثقات عن عثمان بن حكيم، وكأنه ـ والله أعلم ـ اشتبه عليه ختام الآية 52 من آل عمران وهي قوله تعالى: (آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)، وهي التي ذكرها كل أصحاب عثمان بن حكيم بختام الآية 64 من آل عمران وهي قوله تعالى: (فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).
(3) والحديث متكلم فيه من حيث الإرسال والتفرد.
(4) أهم المراجع: المحلى، التمهيد، المجموع شرح المهذب، فتح الباري لابن حجر ولابن رجب، شرح النووي على مسلم، طرح التثريب، زاد المعاد، سبل السلام، نيل الأوطار، شرح بلوغ المرام لابن عثيمين. الحافل في فقه النوافل للسالمي، بغية المشتاق في أحكام جلسة الإشراق للمؤلف، التسهيل في الفقه للمؤلف غير مطبوع.