الحديث الوارد في النهي عن إطالة الإمام في الفريضة
عن جابر قال كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف فقالوا له أنافقت يا فلان قال لا والله ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار وإن معاذا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال: «يا معاذ أفتان أنت اقرأ بكذا واقرأ بكذا» قال سفيان فقلت لعمرو إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال اقرأ والشمس وضحاها والضحى والليل إذا يغشى وسبح اسم ربك الأعلى فقال عمرو نحو هذا. متفق عليه(1).
حكم إطالة الإمام في الفريضة
اتفق الفقهاء على عدم مشروعية تطويل(2) الإمام على المأمومين وأن المشروع في حقه تخفيف الصلاة إلا إذا علم منهم الرغبة في الإطالة وكانوا محصورين(3) والدليل على عدم مشروعية التطويل ما ثبت عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء »(4)، ولغيره من الأحاديث.
واختلفوا في حكم التطويل من حيث التحريم أو الكراهة على قولين:
القول الأول:
أن تطويل الإمام على المأمومين محرم وهو قول الحنفية(5)، والشافعي(6) واختاره ابن بطال(7)، وابن عبدالبر(8) ومقتضى قول ابن حزم(9)، والشوكاني(10).
القول الثاني:
أن تطويل الإمام على المأمومين مكروه؛ فالمستحب له التخفيف مع الإتمام وبه قال المالكية(11)، والشافعية(12)، والحنابلة(13).
أدلة الأقوال ومناقشتها.
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1- حديث جابر -رضي الله عنه- وفيه زجْر النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ -رضي الله عنه-.
2- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وفيه الأمر بالتخفيف.
ووجه الدلالة من الحديثين
أن حديث معاذ -رضي الله عنه- فيه النهي له بل الإنكار عليه، والأصل في النهي التحريم.
وفي حديث أبي هريرة أمر بالتخفيف والأصل فيه أنه للوجوب لذا فمخالفته حرام.
3- حديث أبي مسعود -رضي الله عنه- أن رجلا قال والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا فما رأيت رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا منه يومئذ ثم قال: « إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة »(14).
ويمكن أن يقال في وجه الدلالة منه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب من هذا الفعل، وغضبُ النبي صلى الله عليه وسلم وإنكاره لا يكون من شيء مكروه.
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول بالأدلة السابقة إلا أنهم حملوا دلالتها على الكراهة فقط ولم أجد لهم صارفاً يصار إليه.
ولعلهم جعلوا الأحاديث التي أطال فيها النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، صارفة للنهي من التحريم إلى الكراهة ومنها:
1- عن عائشة -رضي الله عنها- "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف، فرقها في الركعتين"(15).
2- عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور(16).
ويمكن أن يقال في وجه الدلالة من هذين الحديثين:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أطال فيهما القراءة، فهو لبيان الجواز؛ فيكون التخفيف والحالة هذه سنة وليس واجباً.
ويمكن أن يجاب عنه بما يلي:
1- أن هذا خارج محل النزاع؛ لأن الغالب العام من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم هو التخفيف ولعل هذا التطويل الذي كان مرة أو مرتين ووافق رغبة من الصحابة في التطويل وهذا متصور إلى حد كبير إذا كان الإمام هو النبي صلى الله عليه وسلم.
2- أن إطالة النبي صلى الله عليه وسلم دليل فعلي، وأدلة التخفيف قولية، والقول مقدم على الفعل عند الترجيح بينهما.
الترجيح:
مما تقدم يظهر أن الراجح هو القول الأول وهو تحريم الإطالة في حق المأمومين.
قال العثيمين مرجحا هذا القول: وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام غضب في هذه الموعظة من أجل الإطالة فكيف نقتصر على السنية في التخفيف.
ولهذا؛ فإنَّ القولَ الذي تؤيُّده الأدلة: أنَّ التطويلَ الزائدَ على السنَّةِ حرامٌ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام غضب لذلك (17). ا.هـ.
دلالة النهي عن إطالة الإمام في الفريضة
تقدم إيراد النصوص في المسألة وفيها الأمر بتخفيف الصلاة والنهي والزجر عن الإطالة فيها، ومقتضى ذلك تحريم الإطالة في الصلاة وأما الصوارف المذكورة فيمكن الإجابة عنها بما تقدم، والله أعلم.