الطريق السوري للوصول إلى الحكم في العراق
4 رمضان 1424

تشهد العاصمة السورية دمشق هذه الأيام موجة من التحركات الدبلوماسية بين سورية والعراق، وعلى أعلى المستويات، حيث تتوالى الزيارات الشبه رسمية من قبل وفود وزعامات وأحزاب إلى دمشق، يحرص الجانب السوري على أن يكون في استقبالهم شخصيات رئاسية كالرئيس السوري بشار الأسد، أو نائبه عبد الحليم خدام.<BR>وعلى الرغم من أن الوفود ما تزال تتدفق إلى سورية بشكل يومي، إلا أن الأمور ما تزال غير معلنة، وما تزال الأوراق السورية غير ظاهرة بشكل كامل. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> الوفود العراقية في دمشق: </font><BR><BR>زار دمشق قبل أيام وفد عراقي ضم ممثلين عن 14 حزب وحركة، إضافة إلى شخصيات سياسية ودينية وإعلامية ومستقلة برئاسة وميض نظمي (رئيس حزب القوميين العرب العراقي)، حيث ضم الوفد زعامات الحركات والأحزاب، مثل: حركة الوحدة الوطنية للاصلاح، التي يتزعمها محمد عز الدين حسن المجيد، ابن عم الرئيس المخلوع صدام حسين، والحزب الاشتراكي الناصري، واتحاد العاطلين عن العمل، والحركة الإسلامية العراقية، والحزب العراقي الموحد.<BR>وكان الرئيس السوري شخصياً من مستقبليهم، على الرغم من أن هذه الأحزاب والتكتلات لم تظهر بشكل واضح، أو تحدث تأثيراً عميقاً في المجتمع العراقي. <BR>كما زار وفد عراقي آخر العاصمة دمشق، ضم 70 شخصية تمثل الأحزاب العراقية من مختلف الاتجاهات الدينية والقومية والاشتراكية والناصرية.<BR><BR>ورغم طابع "المعارضة" التي تتسم بها زيارات العراقيين، إلا أن هذا لم ينف وجود زيارات من قبل شخصيات سياسية في العراق من مجلس الحكم المؤقت، أو من الحكومة الانتقالية،حيث زار دمشق مؤخراً وزير النقل العراقي بهنام زيا بولص، والذي استقبله رئيس مجلس الوزراء محمد ناجي عطري، ووزير النقل مكرم عبيد.<BR>كما زار دمشق قبل ذلك الرئيس الدوري لمجلس الحكم الانتقالي إياد علاوي، والزعيمان الكرديان جلال طالباني ومسعود البارزاني، حيث كان في استقبالهم نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، بالإضافة إلى شخصيات سياسية هامة وكبيرة. <BR><BR>كما شهدت دمشق زيارة "معارضة" هامة، قام بها وفد جديد يمثل تكتل مؤتمر العراق الذي يترأسه رئيس الحركة الملكية الدستورية الشريف بن الحسين، الذي قابل نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، ووزير الخارجية فاروق الشرع.<BR>وكان فاروق الشرع استقبل وفداً آخر ضم المجلس المركزي لشيوخ العشائر العراقية والعربية برئاسة أمينه العام علي إبراهيم الفارس الدليمي.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">التخوف الأمريكي من سورية: </font><BR><BR>حرصت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل دائم على توجيه رسالات مباشرة وغير مباشرة لسورية، بعدم التدخل في الوضع العراقي، عبر التهديدات المتتالية لها بالابتعاد عن الوضع العراقي قدر المستطاع، ومطالبتها بشكل دائم مراقبة الحدود لضمان عدم تسرب قوات عربية مجاهدة للانضمام إلى المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي. <BR>ولعل أمريكا حاولت -بشكل أكبر- أن تشغل دمشق عن هذا الأمر، ففتحت واشنطن صفحة "قانون محاسبة سورية" وساندت ما قامت به إسرائيل من تصعيد عسكري ودولي ضد سورية، عن طريق اتهامها بمساندة المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية، وعن طريق قصف صاورخي على مناطق بالقرب من دمشق. <BR>إلا أن هذه السياسة –فيما يبدو- لم تجلب الكثير لأمريكا، حيث أصبحت سورية تستقبل الوفود العراقية على أراضيها، في الوقت الذي لم تتدخل في الشأن العراقي بشكل مباشر، وهو ما تستطيع سورية تأكيده بأي وقت. <BR>بل وحرصت الوفود القادمة من العراق على تأكيد أن سورية تمثل "سنداً" و"دعماً" لجهود استرجاع الحكم الشرعي في العراق، وخروج القوات المحتلة منه. <BR>دمشق لم تعلن ذلك بشكل مباشر، إلا أن الزوار قاموا بهذا الأمر الذي لم ولن تحبذه واشنطن.<BR>فالولايات المتحدة تحاول منذ دخولها العراق أن تموّه وجه الاحتلال بقناع الديمقراطية والحرص على سعادة ورفاه الشعب العراقي، فأتت بممثلي المعارضة العراقية ووضعتهم على كرسي الحكم الذي يديره بشكل فعلي، المدير الأمريكي للاحتلال بول بريمر،<BR>وبعد ضغوطات دولية من قبل الدول التي عارضت الاحتلال (روسيا وفرنسا وألمانيا)، وبعد فشلها في تمرير مشروعين لقرارات تخص العراق عبر الأمم المتحدة، أعلنت أمريكا أنها بصدد إرساء دستور ديموقراطي في العراق، وتنظيم انتخابات شعبية للحكومة العراقية الجديدة، ما فتح آفاقاً جديدة، ومخاوف كبيرة في أن تسفر الانتخابات عن ظهور سلطة عراقية غير موالية للاحتلال، ولا تدعم المصالح الأمريكية التي سبقت الاحتلال بسنوات طويلة. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">التهرب السوري من مواجهة أمريكا عراقياً: </font><BR><BR>حاولت سورية كثيراً عبر محاور دبلوماسية وإعلامية متعددة التهرب من التهم الأمريكية لها، عبر عدة وسائل، تمثلت إحداها في استغلال الزيارات العراقية المتكررة للإعلان –على لسان الزوار- أن سورية تظهر مساعدة كبيرة في إرساء الأمن والاستقرار في العراق، " وهو ما تدعو إليه أمريكا إعلامياً". <BR><BR>حيث أعلن الرئيس السوري أثناء استقباله تجمعاً ضم 14 حزباً وتكتلاً عراقياً أن سوريا بلد مفتوح لأحرار ومناضلي العراق، وهي صادقة وصريحة في إعلان رفضها لاحتلال العراق، وتؤكد على ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية في العراق، وعدم بعثرة الجهود في صراعات غير مجدية، وهو ما أيدناه فيه تماماً". <BR>كما أعلن رئيس الوفد، وميض نظمي قائلاً: "لم نطلب أشياء محددة من السوريين؛ لأننا ندرك أن سوريا تتعرض للتآمر، وأن العراق تتوافر فيه إمكانيات العمل طالما الشعب يرفض الاحتلال، ولكننا طالبنا بزيادة الوزن الإعلامي لسوريا داخل العراق".<BR><BR>كما جاء نفس الكلام تقريباً على لسان الشريف علي بن الحسين الذي زار دمشق قبل أيام، حيث قال من دمشق وعبر مؤتمر صحافي: " نطالب المقاومين بعدم استهداف المدنيين والمؤسسات العراقية، هذا الأسلوب غير مفيد في الوقت الحاضر؛ لأنه يُسقط أبرياء عراقيين، ولأن الشعب العراقي عانى الكثير"مضيفاً: " يجب أن نستعين بالسلاح السلمي وليس بسلاح العنف".<BR>ثم تكلم بشكل مباشر عن دور سورية في العراق قائلاً: "سوريا ستستمر في دعمنا لتحقيق طموحاتنا في عودة الاستقلال"، معبراً عن أمله في أن "تحمل الحكومة السورية صوت الشعب العراقي في المحافل الدولية لنصل إلى العالم". <BR>وكي لا يعرض سورية "المضيفة" أو يعرض نفسه لتهمة التآمر ضد الوجود الأمريكي، أعلن علي بن الحسين قائلاً: " ليس لدينا أي اعتراضات على أعضاء مجلس الحكم، بل على آلية مجلس الحكم"<BR><BR>وبشكل واضح، عبرت سورية على لسان مديرة الإعلام الخارجي في وزارة الخارجية السورية بشرى كنفاني، التي قالت: "كان هناك تطابق وتفاهم في وجهات النظر المشتركة بين الجهتين، وخصوصاً لجهة الاحتلال وإنهائه واستعادة الشعب العراقي حريته واستقلاله ووحدة العراق شعباً وأرضاً".<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">لماذا سورية...؟ </font><BR><BR>تمثل سورية -عملياً- أهمية كبيرة من قبل فئات كبيرة من الشعب العراقي، فهي لم تغلق باباً واحداً أمام العراقيين، فمعظم الأطياف السياسية والدينية والعرقية تمتلك علاقات جيدة مع الحكومة السورية، بدءاً من الأكراد الذين تدعمهم دمشق منذ سنوات طويلاً، وصولاً إلى الشيعة الذين يشاركون الحكومة السورية نفسها المذهب الديني، مروراً بأعضاء المعارضة الحزبية للبعث الاشتراكي، وأعضاء في الحكومة الانتقالية، والكثير من الأحزاب الدينية والسياسية، وأعضاء في مجلس الحكم العراقي الذين قال عنهم( وزير الخارجية السوري) فاروق الشرع: إن سورية لديها العديد من الأصدقاء في المجلس. <BR><BR>حيث تشهد سورية زيارات، على الرغم من ظهورها بمظهر التناقض، إلا أن هدفها وتوجهها واحد، حيث زار دمشق أعضاء من مجلس الحكم العراقي من بينهم الرئيس الدوري للمجلس إياد علاوي، كما يمتلك أحمد الجلبي علاقات جيدة مع دمشق، التي أشارت مصادر إعلامية إلى أن سورية قامت "بتهريب" الجلبي إلى أوربا، بعد أن وصلت الفضائح المالية التي لاحقته في الأردن إلى حد الاعتقال. <BR>كما يمتلك زعماء التنظيمات الكردية، جلال طالباني ومسعود البارزاني علاقات متينة وقديمة، حيث زارا دمشق مؤخراً، وكان في استقبالهم نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام.<BR>كما تمتلك دمشق علاقات متينة جداً مع إيران، الدولة الشيعية الجارة للعراق، والتي ضمت العديد من المعارضة العراقية فيها. <BR><BR>على أن معظم العراقيين، على اختلاف توجهاتهم الدينية السياسية والحزبية، يطمحون في أن يسهم تكتلهم المعلن من دمشق، عن إيجاد قاعدة " شبه رسمية" لوجودهم، وعن استقطاب أكبر قدر ممكن من الموالين لهم عراقياً، من أجل الانتخابات المزمع عقدها قريباً في العراق. <BR>أرضية العراق الداخلية حالياً لا تسمح بشكل واسع في ظهور أحزاب وتكتلات معارضة، حتى وإن ظهرت، فإنها تفتقر إلى إثبات وجود، خاصة في ظل الاحتلال الأمريكي، وفي ظل وجود مجلس حكم عراقي مزروع من قبل الاحتلال، لا يريد أن يظهر في وجهه زعامات أو تكتلات قد تسحب البساط من تحت قدميه، لذلك فإن التوجه إلى دمشق بات أقرب الطرق-مبدئاً- لإعلان الوجود، ولكسب تأييد دولة جارة للعراق، وكسب ود العراقيين. <BR>لذلك فإن هذه الأحزاب تؤكد باستمرارعلى حق تدخل سورية في العراق، منها ما أعلنه علي بن الحسين في دمشق عندما قال: إن زيارته لسورية جاءت من أجل " تأكيد حق سوريا في أن يكون لها رأي في مسائل فلسطين والعراق ولبنان".<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">الأهداف المعلنة: </font> <BR><BR>حرصت أكثر من جهة زارت دمشق، إلى تأكيد محاولتها خلق تكتل عراقي شعبي أمام الاحتلال الأمريكي، بمن في ذلك زعامات ترتبط بشكل أو بآخر بالاحتلال. <BR>علي بن الحسين قال في المؤتمر الصحفي الذي جاء في نهاية زيارته لدمشق: إن التكتل الذي يمثله يعتزم بعد العودة إلى العراق "التنسيق مع مختلف القوى لتشكيل جبهة وطنية معارضة للاحتلال، والتهيئة لمؤتمر عام وطني واسع، تنبثق عنه لجنة تمثل الشعب العراقي وتكون لها صفة تمثيلية، وتستطيع أن تدخل في حوار متساوي القوى مع قوات الاحتلال يؤدي إلى إقناعهم بالشروط الوطنية المطلوبة من جماهير الشعب العراقي، أو تقبل مواجهة سياسية شاملة". <BR><BR>كما قال المتحدث باسم إحدى الوفود التي زارت دمشق " صالح المطلق" : إن "الوفد يمثل معارضة عراقية للاحتلال وأدوات الاحتلال في العراق"، وأن الهدف من زيارة الوفد لسورية جاء من أجل "التشاور مع الإخوة على وضع العراق ومحنته، وعلى كيفية انتشال العراق من المحنة الكبيرة التي يعيشها"، مضيفاً "حققنا الكثير وحققنا الوصول إلى آراء متفقة على معظم النقاط التي طرحت، وتوصلنا إلى قضية أساسية، وهي: ضرورة توحيد كل القوى الوطنية في العراق على ثوابت معينة وفي اتجاه مجلس وطني عراقي مؤقت لحين إجراء الانتخابات".<BR>على أن هذا "التكتل المعارض" لم يمنع الحكومة العراقية الحالية من تمتين علاقاتها مع دمشق، عبر زيارات دبلوماسية، وإعلان شراكة مستقبلية، ومشاركة دمشق والعواصم العربية الأخرى في صياغة منظور مستقبلي للعراق.<BR>إذ تستعد دمشق لاستضافة وزراء خارجية بعض الدول العربية والإسلامية المجاورة للعراق مع بداية الشهر القادم، سيشارك فيها وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري.<BR><BR>ترى إلىأي مدى ستشارك دمشق –فعلياً- في صنع القرار العراقي القادم؟ وإلى أين يتجه الطريق السوري المأمول إلى الحكم في العراق. ؟<BR><br>