خمسة عشر أدبا للفتح على الإمام
21 رمضان 1438
د. عبد المجيد المنصور

الفتح على الإمام هو (تصحيح خطئه وتذكيره ما نسي أثناء القراءة أو تلقينه إذا سكت في الصلاة)، ويسمى: (إطعام الإمام)، وهو سنة في الصحيح من أقوال العلماء في الفرض والنفل، روي عن عثمان وعلي وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال عطاء والحسن وابن سيرين وجماعة من السلف، وكرهه ابن مسعود وشريح والشعبي والثوري، وقال أبو حنيفة وابن حزم تبطل الصلاة به؛ لأنه كلام بلا حاجة.

 

وبوب أبو داود في سننه: (باب الْفَتْحِ عَلَى الإِمَامِ فِى الصَّلاَةِ)، وروى عن الْمُسَوَّرِ بْنِ يَزِيدَ الْمَالِكِىِّ قال شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الصَّلاَةِ فَتَرَكَ شَيْئًا لَمْ يَقْرَأْهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَرَكْتَ آيَةَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «هَلاَّ أَذْكَرْتَنِيهَا»، صححه ابن خزيمة، وحسنه الألباني، وعن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فالتبس عليه، فلما فرغ قال لأُبي بن كعب: (أشهدت معنا؟) قال: نعم قال: (فما منعك أن تفتحها علي)، صححه ابن حبان، وروى البيهقي عن نافع قال: كنت ألقن ابن عمر في الصلاة فلا يقول شيئا، وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر صلى المغرب فلما قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين } جعل يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مرارا يرددها فقلت: (إذا زلزلت) فقرأها، فلما فرغ لم يعب علي ذلك، وقال ثابت البناني: كان أنس إذا قام يصلي قام خلفه غلام معه مصحف، فإذا تعايا في شيء فتح عليه، وقال علي رضي الله عنه: من السنة أن تفتح على الإمام إذا استطعمك، قال الراوي: قلت لأبي عبد الرحمن السلمي: ما استطعام الإمام؟ قال إذا سكت، وفي الباب أحاديث وآثار أخر لا تخلو من ضعف.

 

ولم أجد من قال من الأئمة بوجوبه مطلقاً إلا في الفاتحة، أما في غير الفاتحة فلا يجب، قال المردواي في الإنصاف: (أمَّا في غيرِ الفاتحةِ، فلا يجِبُ بلا خِلافٍ أعْلَمُه)، وبهذا نعرف أن التسارع الجماعي والتسابق والتساهل من بعض المأمومين على الفتح على الإمام بدون حاجة وبشكل فوضوي يعد من الظواهر السلبية الملحوظة في بعض المساجد، وقد تُعَرِّض صلواتهم للبطلان على قول أبي حنيفة وابن حزم، ناهيك عما فيها من تضايق كثير من الأئمة من هذا الصنف من الناس، وقد يُلتمس للعامة العذر في الجهل بهذا الباب من العلم لقلة طرقِه على الأسماع وفي الدروس، لذا رأيت من المناسب أن أذكر إخواني المأمومين بما يدور في خواطر الأئمة وما يحبذونه ويريدون أن يروه من الآداب التي ينبغي للمأموم أن يلتزم بها إذا أرتج على الإمام وعند استطعامه، لعل الله أن ينفع بها الجميع:

 

الأول: الإخلاص لله في الفتح على الإمام، وتصحيح المقصد، وعلى الفاتح أن يحرص على إبعاد حظوظ النفس من رياء وتظاهر بالحفظ أمام الناس وجلب أنظاهرهم إليه، ومن كان مقصده مطلق الفتح على الإمام فإنه لن يبالي أن يكون هو الفاتح أو غيره.

 

الثاني: الفتح برحمة وشفقة؛ لأن الفتح إعانة للإمام، وليس للتأديب، ولا مجال فيه للتشفي والانتقام وتصفية الحساب كما يحصل من بعض المأمومين لإحراج الإمام أمام الناس.

 

الثالث: الغالب أن الأئمة يتركون خلفهم من يفتح عليهم كالمؤذن، وعليه فلا ينبغي للمأموم أن يفتح على الإمام إذا كان يعلم أن خلفه من تكفل بالفتح عليه، مما قد يعرض صلاته للنقص والخلل أو البطلان على رأي بعض العلماء.

 

الرابع: إذا لم يُعيّن خلف الإمام فاتح، فالأولوية في الفتح للأقربين من الإمام، وعليه فلا ينبغي لمأموم في أطراف المسجد أو في الصفوف المتأخرة والخلفية مزاحمة الأقربين.

 

الخامس: إذا غلب على ظنك أن الإمام لن يسمع فتحك لبعدك أو لاختلاط الأصوات أو بسبب مكبرات الصوت، فلا تفتح عليه؛ لأنه لن يستفيد من فتحك شيئًا، وتحرج نفسك أمام الناس.

 

السادس: يقبح الفتح من مأموم في أقصى أطراف المسجد أو في الدور العلوي، والإمام في الدور السفلي مثلا كما الحال في الحرمين أو الجوامع الكبيرة، وقد يجرّ هذا على صاحبه العجب أو الرياء أو غيبة الناس له.

 

السابع: أن كثرة الفاتحين على الإمام فيه تشويش عليه وإرباك وخلط بين الأصوات لن يتمكن به الإمام من سماع أحدهم بوضوح غالباً، فعلى المأمومين الاتكال على من عيّنه الإمام أو الأحفظ منهم، ولهذا يشرع الإيثار في الفتح على الإمام، ويكره التسابق عليه، وإن كان الفتح في أصله سنة وقربة إلا أن التسابق هنا يسبب التزاحم والتعارض والتشويش فتعين فيه الإيثار، بخلاف مسألة التسابق على القُرْبِ من الإمام والصف الأول ونحوها، فلا يسبب التسابق فيها مفسدة التعارض والتشويش، وهذا الإيراد وراد عند من يكره الإيثار في القُرَب والطاعات.

 

الثامن: ينبغي إعطاء الإمام الفرصة في تصحيح الخطأ، وعدم الاستعجال عليه في الفتح، والغالب أن الإمام المتقن قد يعرف خطأه مباشرة قبل الفتح، فلا حاجة للدخول السريع عليه، ولهذا قال الحنفية: (ولا ينبغي للمقتدي أن يفتح على الإمام من ساعته؛ لأنه ربما يتذكر الإنسان من ساعته فتكون قراءته خلفه قراءة من غير حاجة).

 

التاسع: يجب أن يكون الفتح بهدوء ورفق وصوت مسموع لا مزعج ولا عالٍ ولا مفاجئ يربك الإمام.

 

العاشر: الفتح على الإمام لحظة قراءته غير مجدٍ ولا مسموع غالباً، لذا يفضل كثير من الأئمة أن يتَحيّنَ الفاتح لحظة الرد (وقت سكوته لأخذ نفس جديد)؛ لأنه قد لا يسمع فتحه وهو يقرأ، وذهنه وعقله مرتكز في القراءة التالية.

 

الحادي عشر: طريقة الفتح المفضلة عند كثير من الأئمة إذا أخطأ في كلمة هي أن يعيد عليه ما قبل الكلمة ليصحح الخطأ بنفسه، فلو قال الإمام مثلاً في سورة الأعراف: (يأتوك بكل سحّار عليم)، يقول الفاتح: (يأتوك بكل) ويقف، فإن صحح الخطأ فذاك، وإن لم يعرف الصواب فتح عليه في المرة الثانية، وعلى هذا فقس، في مثل نهاية الآيات(غفوراً رحمياً)، و(عليماً حكيماً)...يقول الفاتح (وكان الله) ويقف.

 

الثاني عشر: إذا كثرت الأخطاء بشكل فاحش في الركعة الواحدة، وظهر في الإمام إرباك وتوتر بسببها، فالأولى في هذه الحال عدم التدقيق عليه في كل صغيرة مثل الحركات أو الحروف كالواو والفاء ونحوها، فمثل هذه الأخطاء حقها التمرير في مثل هذه الحال، لا سيما أن الفتح على الإمام بأصله غير واجب إلا في الفاتحة بلا خلاف كما سبق، والله تعالى أعلم.

 

الثالث عشر: الخطأ الفاحش الذي يحيل المعنى حقه الفتح في كل الأحوال كقول أحد الأئمة سهوا في سورة إبراهيم: (وارزقني وبني أن نعبد الأصنام) أو نحو: (وكلم الله موسى تكليما) لو نصب لفظ الجلالة.

 

الرابع عشر: لا يجوز للفاتح أن يفتح على الإمام إلا مع (يقين) خطأ الإمام، وصواب فتحه، أما إذا شك المأموم بخطأ الإمام فلا يجوز له الجرأة في الرد خاصة من غير الحفظة، فكم من مأموم التبست عليه المتشابهات المتفرقة في القرآن، وأصبح يرد على الأئمة خطأ؛ ويظن أن الإمام يقرأ في السورة التي يحفظها، وفي الحقيقة أنه يقرأ في سورة أخرى، كقوله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا...)، وردت هذه الجملة في فصلت وفي الأحقاف، وبعد (استقاموا) يتغير السياق فيهما، فالمتعجل وغير الحافظ يفتح على جهل ويلزمه أن يقرأ ما يحفظه.

 

الخامس عشر: إذا كان الخطأ في آخر القراءة، وشرع الإمام في الركوع فلا يناسب الفتح في هذه الحال؛ لأنه يصعب على الإمام الرجوع عن الركوع للتصحيح، والركوع ركن وتصحيح الخطأ سنة، أما إذا لم يشرع في الركوع فله الفتح إذا وجد فرصة لذلك، وغلب على ظنه أخذ الإمام بفتحه، والمسألة اجتهادية وتقديرية لكل حالة بحسبها، وليس فيها نصوص قطعية غير أن الفتح على الإمام مزلق خطير، وجرأة على الله لا يقتحمه بدون يقين إلا ضعيف الإيمان أو لهوى في نفسه، نسأل الله السلامة والعافية.

 

هذا ما أمكن جمعه مما يدور في خواطر أئمة المساجد من آداب يرغبون رؤيتها من المأمومين، ولعلنا في مقالة تالية نتحدث - بإذن الله - عن آداب (الإمام) حال الخطأ في التلاوة والفتح عليه. والله تعالى أعلم.