السؤال
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.. إخواني وشيوخي الكرام أنا مشكلتي مع زوجي كبيرة جداً، وأعاني منه من كل النواحي؛ فالصلاة لا يصليها إلا متى أراد، والطهارة لا يتطهر إلا مرة في الأسبوع، وتصل إلى مرة في الأسبوعين، ويصلي وهو جنب، مع العلم أني نصحته كثيراً ولكن لا فائدة، وقد تكلمت مع والدي ووالده ولكن لا جدوى، وأعاني منه عند اللقاء - بسبب عدم نظافته - بآلام في بطني والتهابات تحصل لي، وحينما يتوضأ لا يمسح رأسه بالماء ولا يأتيه أيضاً، وعندما أقول له إن هذا خطأ، يقول لي: (تعالي اضربيني أحسن ومو أنت اللي تعلميني كيف أتوضأ)!! مع العلم أنه يسبني ويقذفني بكلام لا يمكن تحمله، ووالدي للأسف يخاف أن أُطَلَّق، لا أعلم لماذا، هل خوفاً من الفضيحة؟! وهناك خلافات أخرى بيني وبينه من حيث التقصير في الإنفاق على المنزل وعلى أبنائه؛ فيقول لي: (أنت دبري أمورك، أنا ما أقدر أصرف عليك).. أتمنى منكم إفادتي في هذه المشكلة، وأنا أريد الطلاق منه بأسرع ما يمكن، مع العلم أنه يوجد أشياء أخرى لا أستطيع التحدث عنها؛ لأنها خادشه للحياء وللكرامة! وكلمه الصبر سمعتها كثيراً، وتحملته إلى ما لا يطاق، وأحياناً أفكر في الانتحار بسبب أنه لا أحد يقف معي ولا يساندني، وذلك يدعوني إلى اللجوء إلى المحرمات!! وأنا أخاف الله ولا أتمنى ذلك، ولكن بسبب القهر الذي فيّ منه ومن رد فعل والدي، وعدم المبالاة بما في أعناقهم.. وآسفة على الإطالة.. وشكراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أرحب بكِ على صفحة الاستشارات في هذا الموقع المتميز ونكون سعداء بدوام التواصل معنا.
ابنتي الكريمة.. قرأت رسالتكِ عدة مرات، وبحثت عن أي شيء إيجابي في زوجكِ، فلم أجدكِ ذكرتِ شيئا واحداً إيجابياً!
ولهذا أسألكِ ما الذي دفعكِ لقبول هذا الزوج؟
ألم يسأل أهلكِ عن دينه وخلقه قبل الموافقة عليه؟
ألم تجلسي وتتحدثي معه في فترتي الخطبة والعقد؟
ألم تلحظِي عليه إهماله في هندامه ونظافته قبل الزواج؟
ألم تلحظِي أيضا أنه عصبي، سريع الانفعال يسب ويشتم ولا يحسن التعامل مع الآخرين؟ أسئلة عديدة أطرحها عليكِ؛ فكثير من معاناتنا ناتج من سوء اختياراتنا.. هذا إن كان ما ذكرتِيه حقيقياً دون مبالغة.
واعذريني على ذكر هذا، فإنني لم أسمع إلا منكِ، والكثير من مستشارينا يروون مأساتهم من وجهة نظرهم، فيصفون أنفسهم بالضحايا جراء سوء تعامل الطرف الآخر معهم دون ذكر الأسباب التي أدت لردة الفعل هذه وتدهور العلاقة بينهما.
ابنتي الكريمة.. من السهل بعدما ذكرتِ هذه الحزمة من الصفات والأخلاق في زوجكِ أن نقول لكِ:
ماذا بقي من خير في هذا الزوج حتى تكملي باقي مسيرة حياتكِ معه؟
ومن السهل أن نقول لكِ لا أمل في صلاحه أو إصلاحه، فإن أصلحتِ عيبا، فمساوئه الأخرى كثيرة، فبادري فوراً لإنهاء هذه العلاقة،... ما أسهل هذا... أليس كذلك؟
ولكن اسمحي لي أن أطلب منكِ أن تتجردي من كل المشاعر السلبية تجاهه، وتقفي مع نفسكِ لحظة صدق؛ فهدم أسرة بها أبناء ليس بالأمر السهل.
لهذا سأتحدث معكِ بصراحة ومن واقع رسالتكِ؛ فحين تحدثتِ عن إهمال زوجكِ في نظافته، ذكرتِ أنكِ قمت بنصحه (نصحته كثيرا) ولم تذكري الوسائل ولا الأسلوب الذي استخدمتيه في نصحه؛ لأنه من الواضح من حديثكِ ومن ردة فعل زوجكِ (يقول لي تعالي اضربيني أحسن ومو أنت اللي تعلميني كيف أتوضأ) فردة الفعل هذه توضح أنكِ استخدمتِ الأسلوب المباشر في النصح؛ وعادة الرجال لا يصلح معهم استخدام هذا الأسلوب، بل تجاوزتِ في نصحكِ له لمستوى التقريع المؤلم ولم تكتفي بكل هذا بل (تكلمت مع والدي ووالده)!! فكشفتِ ستره وفضحتيه على مستوى أسرتكِ وأسرته؛ وبذلك قطعتي حبل المودة الذي يربط بينكما وعلى كل ذرة حب لكِ في قلبه، بل صار زوجكِ يتحين الفرص ليوجعكِ بكلماته كما أوجعته وجرحته على مستوى الأسرتين، فأخذ (يسبني ويقذفني بكلام لا يمكن تحمله) فكلماته هذه لا يقصد منها اتهامكِ في شرفكِ، ولكن كما ذكرتُ لكِ يريد أن يؤلمكِ كما تألم هو من كلامكِ وتشهيركِ به.
ابنتي العاقلة.. ما بزوجكِ من مشكلات يمكن حلها؛ أو على الأقل التقليل من حدتها حتى تسير عجلة الحياة بينكما دون توتر، وما عليكِ إلا الصبر والتوكل على الله والاستعانة به فهو القادر وحده على تغيير الأحوال؛ أما فكرة الانفصال فهي آخر الحلول، وكما يقال: آخر الدواء الكي.
ابنتي.. ذكرتِ أن زوجكِ مقصر في صلاته (الصلاة لا يصليها إلا متى أراد)؛ كما أنه لا يحسن الوضوء، وهنا أنصحكِ بعدم نصحه بطريقة مباشرة؛ لأن الرجال غالبا لا تجدي معهم أساليب الوعظ الصريحة، بل أنصحكِ بالتوقف تماماً عن أسلوبكِ الآمر؛ فهو ليس طفلاً وأنتِ تقومين بتربيته من جديد بل يمكنك السعي لتوصيل المفاهيم الصحيحة له عن طريق مقبول لديه.
أشعريه بالحب والاحترام، فهذه المشاعر من الواضح أنها مفتقدة بينكما، بل هو يشعر منكِ شيئا من الاحتقار والتأفف منه، هذا واضح من سطوركِ ودون أن تفصحي له، فالمشاعر تظهر رغما عنكِ دون الإفصاح عنها، وإليكِ بعض النصائح يمكن أن تستخدميها:
* بمجرد عودة زوجكِ من عمله، جهزي له الحمام وزجاجات الشامبو والصابون والطيب، وبدلي ملابسه بأخرى نظيفة مطيبة؛ وخذي بيديه إلى الحمام واطلبي منه أخذ حمام دافئ ليريح جسمه من تعب النهار، وبيِّني له فوائد الحمام الدافئ في استرخاء العضلات وتهدئة الأعصاب، ومن الممكن إضافة بعض العطور لمياه الاستحمام، فإن وجدتي منه تكاسلا فخذي بيديه وقومي أنتِ بخلع ملابسه ومساعدته في الاغتسال، ولا بأس أن تقومي بمساعدته وتنظيفه بنفسكِ، فهذا عمل يحبه منكِ ويرضيه فلا تترددي في فعله.
* جهزي لزوجكِ سواكاً أو فرشاة أسنان ومعجون أسنان، وضعيها أمامه في مكان بارز في الحمام، ولا بأس بوجود ملطفات النفس أو بعض الحلوى ذات النكهة الطيبة والرائحة الذكية لاستخدامها عند تغيُّر رائحة الفم.
* احرصي على التزين لزوجكِ، على أن تفوح منكِ الروائح الطيبة، فعندما يجد منكِ ذلك يحفز على ذات الفعل.
* عندما يحين وقت الصلاة؛ أعدي لزوجكِ ثوبا نظيفا وسواكاً وشيئاً من الطيب، وأغلقي الهاتف والتلفاز واطلبي من أبنائكِ إن كانوا في عمر يدرك الصلاة الاصطفاف لتأدية الصلاة خلف والدهم.
* اطلبي من زوجكِ بكل حب أن يدعو لكِ ولأبنائكما وللمسلمين أجمعين.
* أحضري بعض الأشرطة التي تتحدث في الرقائق؛ كالجنة والنار وعذاب القبر والطهارة والوضوء والصلاة، واستمعي لهذه الأشرطة على مسمع منه دون أن تظهري أنه المقصود من جلب هذه الأشرطة، بل أخبريه أنكِ تريدين التفقه في الدين وإسماع الأبناء شيئاً منها.
* اربطي أي رزق أو صلاح الأبناء أو حدوث ما يسركما ببركة المحافظة على الصلاة.
* أغدقي عليه من الحب والحنان والمعاملة الطيبة إن ظهر عليه شيء من التغير؛ مع ملاحظة أن المعاملة الطيبة والاحترام مطلوبة في كل الأوقات.
* عند حدوث مكروه -لا قدر الله- كمرضه أو مرض أحد الأبناء أو ضيق في الرزق، جهزي سجادة الصلاة واطلبي منه أن تصليا سويّاً لله؛ تطلبا منه الفرج وفك الكرب، فإن تكاسل فقومي أنتِ للصلاة على مرأى منه.
* أغدقي علي زوجكِ من حنانكِ وحبّكِ وعاطِفَتك واحتوائكِ، والمزيد من إشعاره برجولته وأهميَّته في حياتكِ كزوج.
* امتدحي زوجكِ إذا أظْهَر بعض الأناقة، وأخذ بعض الزينة؛ فالزوجُ بحاجةٍ إلى سماع كلمات التقدير، والاهتمام والإعجاب.
* تجنبي قدر الإمكان ما يؤدي لانفعاله، وإذا غضب فلا تناقشيه أو تثيريه بأي تصرف، وتذكري أن من أسباب حسن الصحبة بين الزوجين مراعاة حال الطرف الآخر ساعة غضبه.
* أكثري من دعاء الله له بالهداية وسلامة الصدر والاستقامة.
* أعطي لذلك مهلة طويلة بعض الشيء لتظهر النتائج ولا تستعجلي الأمور.
ابنتي الكريمة.. لا أجد أي مبرر لأن تقولي (لا أحد يقف معي ولا يساندني وذلك يدعوني إلى اللجوء إلي المحرمات) فكيف تأملين السعادة والاستقرار وأنتِ تبارزين الله بالمعاصي، وتبرري لنفسكِ هذه الأفعال؟! أما تعلمين أن المعاصي تمحق الرزق وتورث الكآبة وتمحو البركة؟ فقد كان إبراهيمُ بن أدهم - رحمه الله - يقول: "إنِّي لأَعْصي اللهَ، فأجِدُ ذلك في خُلُق دابَّتي وامرأتي". فأعِيدي حساباتِك، وتأمَّلي حالَك مع الله، وتوبي إليه، وأكْثِري من الإقبالِ عليه بقَلْب صادِق مخلِص، واستزيدي منَ الطاعات.
وفي الختام.. نسأل الله لكما التوفيق والسداد والصلاح والمعافاة، ونحن في انتظار جديد أخباركِ فطمئنينا عليكِ.