السيناريوهات المتوقعة للأحداث في ضوء التقرير السابق
14 ربيع الثاني 1432
مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث

إن استمرار الوضع القائم على ما هو عليه من ثورة شعبية في الميادين أمر مرهق لطرفي المعادلة السلطة والمعارضة، فالسلطة مهددة بتحول هذه الحشود الكبيرة إلى سيل جارف يتحرك إلى مواقع رسمية بغية الاعتصام حولها وتعطيلها من أداء مهامها ما قد يعطل الحكومة، وبالتالي سقوطها خلال أيام، كما بدأ يحدث في مصر عندما تحرك المتظاهرون إلى مجلس الشعب ومقر التلفزيون ومواقع أخرى؛ والمعارضة لا تضمن بقاء هذه الحماسة واستمرارها مع البطش الذي يجابه به المحتجون دون أفق للحل ممكنة لذلك فإن عليها الانتقال بالاعتصام في الميادين من مرحلة الكمون إلى مرحلة التمدد والحركة والأخذ بزمام المبادرة.

 

ومن المعلوم أن المعارضة أدارت معركتها في هذا الشأن بذكاء فائق، فهي قد ناورت تجاه ما سمي من قبل السلطة بالتنازلات والمبادرات لكسب مزيد من الوقت لصالح تكثيف الاعتصامات والمظاهرات، وهي اليوم وبعد أن امتلكت سلاحا فاعلا في معركتها مع السلطة لن تتخلى عنه بسهولة، فهي قد عملت على ما يلي:
-    انتظام الشعارات في مطلب واحد ميدانيا والتمسك به، ألا وهو (إسقاط النظام) و(رحيل الرئيس صالح)، واستمرار الاعتصامات بشكل قوي وانتشارها في غالب المدن اليمنية: صنعاء، تعز، عدن، إب، الحديدة، المكلا، البيضاء، مأرب، ... إلخ.
-    كسب فتوى شرعية بحرمة التعرض لدماء المعتصمين، والقول بأن اعتصامهم وتظاهرهم يأتي في إطار الدستور، ومطالبة القوات الأمنية والعسكرية بعدم التعرض لهم.
-    تحريك القوى القبلية في محافظات: مأرب الجوف عمران ذمار في سبيل الانضمام إلى الثورة وإعلان دفاعها عنها والوقوف إلى جانب مطالبها.
-    إبراز السلطة في موضع المنتهك للحريات والحقوق، والكاذب في وعوده، والعاجز عن تقديم الحلول، والمتصلب في سبيل تمسكه بالحكم.
ومما يساعد المعارضة ويشجع على مزيد من التصعيد التحول في مواقف أعضاء من نواب الحزب الحاكم ورموزه في اللجنة الدائمة وبعض المسئولين الحكوميين وضباط في قوى الأمن والجيش وزعماء مشائخ. فهناك استقالات وتنديد وإعلان انضمام إلى الثوار ومطالبة بالتنحي بشكل سلمي حقنا للدماء. وسوف تزداد هذه التحولات كلما أبدى الرئيس تصلبا في المواقف وتوجها نحو المزيد من القمع والمواجهات الدامية.

 

وفي الفترة الأخيرة يمكن رصد بعض الظواهر المهمة:
-    اختفاء الشيخ الزنداني ورموز في المعارضة عن التحرك الظاهر والخطاب عن تصعيد قادم، كما بدأت المعارضة تلوح به في تعز بإعلان العصيان المدني.
-    مطالبة علماء ومشائخ الإخوان الرئيس صراحة على المستوى الإعلامي بالتنحي، فتوى علماء الزيدية بوجوب إسقاط النظام والتعبئة بهذا الاتجاه على مستوى الحوثية أو أتباع المذهب التقليديين.
-    تهديد قبائل مختلفة بالدخول إلى صنعاء لحماية المتظاهرين من مأرب والجوف وعمران وغيرها.
-    انحياز أبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر إلى موقف المطالبة بالتنحي وتسليم السلطة سلميا، كما هو واضح إعلاميا؛ وإن كان الشيخ صادق الأحمر حتى الآن يحافظ على موقع متوسط من الأطراف، لكن الدلائل تشير إلى أن مجرد اتخاذه هذا الموقف يمثل رسالة للنظام.

 

وهذه الظواهر تعطي مؤشرات على تصعيد لغة الخطاب والمواقف وتوجهها نحو حسم الأمور بإعلان عصيان مدني والدخول في حالة تهديد لمقومات الدولة مما قد يضطر إلى تحريك الجيش. ومؤخرا هناك تسريبات تتعلق بموقف علي محسن الأحمر المعارض لتوجهات الرئيس الأمنية في قمع المظاهرات بصورة مسلحة ودموية، وظهور قيادات عسكرية من الفرقة الأولى التابعة له في ميدان التغيير تعلن عن انضمامها إلى ثورة الشعب، وتندد بالجرائم المرتكبة ضد المعتصمين، وتبشر بلحوق المئات منهم بالساحة، وإعلان بعضهم استقالتهم من المؤتمر واحتفاظهم بالرتبة العسكرية باعتبارها طريقا للدفاع عن الشعب، ومطالبتهم الجيش –تحديدا- لإعلان موقف وطني مشرف ينحاز إلى خيار الشعب ومطالبه، وحماية المعتصمين؛ بالإضافة إلى عصيان شخصية مقربة من الرئيس ومحسوبة على علي محسن الأحمر عن تنفيذ التوجيهات الرئاسية بقمع المتظاهرين في عدن ولحج (موقف عبدالإله القاضي الذي أقيل مؤخرا من منصبه).. مع الحديث عن نزول الفرقة الأولى عقب اعتداء السبت الماضي -12/3- لحراسة المعتصمين في ميدان التغيير بصنعاء.

 

فإذا ما قرئت هذه المعطيات مع بعض التسريبات التي ترى بإمكانية إعلان مجلس شعبي أو وطني يتبنى (إنقاذ) البلاد بإعلان عزل الرئيس وتنصيب قيادة وطنية (مجلس) لمرحلة انتقالية تدير دفة الأمور للخروج بالأزمة، فإن السيناريو المتوقع هو تسليم سلمي للسلطة مع وجود فوضى أمنية لأيام محدودة، هي أشبه ما ستكون برقصة المذبوح!
أما إذا كان الجيش يقف بقياداته إلى جانب الرئيس، وكان علي محسن الأحمر كشخصية رمزية وطنية على موقف الحياد، فإن الأمور قد تتفاقم إلى حدٍ تماثل النموذج والوضع الليبي القائم. وهنا سوف تسقط الدولة في بعض المناطق، كمأرب، والجوف، وشبوة، وأبين، وصعدة، والبيضاء، وذمار وعمران (إلى حدٍ ما)، وربما الضالع ولحج، وعدن في فترة لاحقة . في حين ستتمركز السلطة في صنعاء وتعز وعدن مع سيطرة جزئية على محافظات أخرى لن تستطيع الاستقلال ولن تهدأ عن الثورة والاستعصاء.
وهذا السيناريو رغم إمكانية حدوثه وله معطيات على أرض الواقع، إلا أنه غربيا وإقليميا غير محبذ به، كما هو الحال في مصر، للأسباب التالية:
-    أن اليمن تقع على ممر مائي دولي يضخ إلى العالم الغربي ثلث احتياجاته من النفط تقريبا، وهو الشيء ذاته الذي توفر في الشأن المصر وتمثل في قناة السويس، لذلك كان التدخل العسكري حسب القيادة الأمريكية العسكرية مطروحا في حال هددت القناة.
-    أن الغرب يتخوف من انفلات أمني يتيح المجال للقاعدة بالتحرك تحت ستار محاربة السلطة وإسقاط النظام لتحقيق مكاسب لها على الأرض، وهذا ما يفسر تباطؤ الغرب في الوقوف إلى جانب الثوار الليبـيين الذين انضمت إليهم قوى وجماعات إسلامية مختلفة؛ والغرب حاليا لا يريد اتخاذ موقف مؤيد للثورة حتى يجد تطمينات عملية على مستقبل ليبيا ومسار توجهها السياسي.
-    أن دخول اليمن في دوامة من العنف سيجر على الدول المجاورة فوضى أمنية مماثلة قد تستغل من أطراف عدة، ما يعني انطلاق النار في الهشيم، وبالتالي فإنه لا مصلحة للغرب في مواجهة المد الثوري في اليمن طالما وأن صالح غير قادر على البقاء بأقل التكاليف.

 

وعليه فإن السيناريو الأكثر احتمالا هو:
إعطاء الرئيس مهلة محددة لإعادة سيطرته على زمام الأمور والوقوف إلى جانبه في أثنائها، فإذا ما اتجهت الأمور إلى تصعيد غير منضبط ومضمون العواقب فإنه سوف تتم الإشارة إليه بالرحيل والإيعاز لقوى سياسية داخلية لاستلام مقاليد السلطة كما جرى في مصر تماما.

 

إذا فالسيناريوهات المحتملة هي:
-    استمرار المظاهرات والاعتصامات رغم محاولات القمع، والتحول إلى عصيان مدني وإضرابات شاملة، وهذا الاتجاه قد يؤدي إلى مسارين هما:
أ‌-    تسليم الرئيس والسلطة بتفوق الشارع ومن ثم القبول بمبادرة أو إعلان مبادرة لتسليم السلطة سلميا. (كما النموذج التونسي والمصري).
ب‌-    الدخول في صراع دامي بهدف سحق المظاهرات والاعتصامات وإعلان الشعب عن ثورة مسلحة ضد النظام. (كما النموذج الليبـي).
-    حدوث فلتان أمني مفاجئ والدخول في حرب أهلية بين الشعب، وتكون السلطة طرفا من الأطراف، كقتال الجنوب مع الشمال، والحوثيون مع السنة، والقاعدة مع النظام،... وهكذا. (كما النموذج الصومالي).
-    قيام انقلاب عسكري بحل الأزمة وإنهاء النظام، مع قبوله بمطالب الشارع وسعيه إلى تحقيقها.
غير أن ما جرى ظهيرة يوم الجمعة -18 مارس- من اعتداء دموي مسلح باستهداف المعتصمين بالرصاص الحي والمباشر من قبل رجال أمن و(بلاطجة)، راح ضحيته أكثر من 40 قتيلا وعشرات من الجرحى، والحديث عن استعدادات لمهاجمة المعتصمين في ساحة التغيير بصنعاء وغيرها من المدن اليمنية، وإعلان حالة الطوارئ بقرار رئاسي، يعطي توجها للسلطة باتخاذ النموذج الليبـي في التعامل مع الثورة الشعبية اليمنية؛ وهذا بدوره سوف يفتح اليمن على كافة أشكال العنف والاحتراب الداخلي.