أنت هنا

استغاثة من الأقصى
26 رمضان 1430

مكالمة هاتفية جسدت حجم المأساة، ومثلت دليلاً على صعوبة المرحلة التي تمر بها قضية المسلمين في فلسطين، ورسمت هاجساً لا يمحوه إلا تبدل الأحوال وتضافر الجهود لاستنقاذ ما يمكن استنقاذه من بين مخالب الصهاينة من المسجد الأقصى المعلق في الهواء.

كان الاتصال استغاثياً وتقديرياً في ذات الوقت من رئيس الوزراء الشيخ إسماعيل هنية إلى فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، يطلعه على ما يكتنف المسجد الأقصى المبارك من مخاطر حقيقية حيث الرجل قد استنفذ كل الطرق من أجل تحريره لكنه بعدُ أسيراً داخل غزة، ولا تستطيع قواته المحاصرة فيها أن تفعل شيئاً للمسجد الأسير.

مشهد مغرق في سورياليته لزعيم سياسي يستنجد بعالم لا يملك إلا كلمات يوقظ بها النيام، وكلاهما غير قادر على فعل أكثر من ذلك، فأما هما فقد أوجبا، وأما سواهم من الزعماء وأهل الحل والعقد في الأمة فدونهم شوط طويل.

قبل أيام، كشفت الصحف العبرية أن مسؤولي السلطة الفلسطينية، الرئيس محمود عباس ورئيس وزرائه سلام فياض يحظيان بحماية شخصية من جهاز الأمن العام "الشاباك" – المخابرات الإسرائيلية- في بعض من رحلاتهما في الضفة الغربية، وقبل أيام أيضاً، تم تعيين بائع الأسمنت لبناء جدار الفصل الصهيوني وبناء المستوطنات أحمد قريع مسؤولاً عن ملف القدس في منظمة التحرير الفلسطينية، ما يعني بشدة أن هؤلاء خصماً من رصيد القدس لا إضافة له في معركة تحريره.

نعود إلى مكالمة الدكتور القرضاوي ورئيس وزراء فلسطين إسماعيل هنية، والتي وضع فيها الأخير رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في صورة التحديات والمخاطر التي تواجه القدس والمسجد الأقصى، في ظلِّ سياسة التَّهويد، وهدم المنازل، وحفر الأنفاق، والتنكيل بالمواطنين، وتقييد وصولهم إلى المسجد الأقصى، والتي تمارسها قوات الاحتلال الصهيوني وعصابات المغتصبين الصهاينة، وأوضاع الأهل في قطاع غزة في ظلِّ الحصار الصهيوني المشدَّد المستمر منذ عدة سنوات، والذي طالت آثاره مختلف جوانب الحياة في القطاع. (وفقاً لبيان مكتب الشيخ هنية)، لنقول إن العبء قد صار ثقيلاً على أهل فلسطين وهم يتوافدون للصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وتنقل لنا فضائياتنا المسلمة وقائع صلاة التراويح منه يومياً، ونحن نخشى أن نسمع صرخاته الأخيرة وهو يسقط أمامنا على الهواء مباشرة بعد أن ذهبت كثير من أساساته.

إن الجريمة الممتدة والمستمرة من بدء الحفر وحتى الهدم ـ لا قدر الله ـ سيكون جميع زعماء المسلمين مسؤولين عنها، متورطين في حصولها بالصمت المريب الذي يلتزمون به في غياب من الضمير والمسؤولية، وسوف لن يرحم التاريخ أولئك الذين مرروا تلك الجريمة ولم يكترثوا لقيمة هذا الرمز الإسلامي الكبير ومدى تأثير انهدامه على قلوب جميع المسلمين، وحالة الانكسار والمذلة اللاحقة التي ستطال الجميع صغاراً وكباراً.

واجبناً نحن كشعوب، أن نفعل شيئاً بما لا يكلفنا الله فيه فوق طاقاتنا، لكي نحول دون حدوث المأساة، وواجبنا كمثقفين ودعاة أن نحيي هذه القضية ونحذر من مخاطرها كل بوسعه وإمكاناته وطريقته المشروعة.

لقد كان التقاء العلم والحكم في سالف زماننا مدعاة لتحقيق الانتصار، لكن حالة الأمة المزرية لا تجعل لتلك المكالمة المشفقة تأثيراً كبيراً وسط غفلة من الجموع، تلك الجموع التي تكاد تنسى الأقصى في زحام الحياة...