هي قوائم تظهر فجأة عند كل مشكلة يعانيها مشبوه، تتداعى له دفاعاً وهجوماً على خصومه، سيماهم واحدة، خطواتهم منتظمة، ومواقفهم متقاربة، يتساندون أمام عدو مشترك، تهرع إليهم وسائل الإعلام التي تشابهت قلوبها معهم، كل يؤدي دوره، وكلهم يأخذ ثمن وقفته "الشجاعة"، وجميعهم يتلون بحسب ما يستدعيه الموقف؛ فتارة يعطونك موعظة دينية، وأخرى يحدثونك عن النضال والمقاومة، وثالثة يبكون معاً على حرية الرأي.
يبحثون حسيساً عن ثغرة في الجبهة الشريفة المناوئة لهم لينفذوا منها، ويضخمونها، ومن ثم يجعلونها مناط المشكلة وأصل الأزمة، وهي ليست كذلك.
إنها القوائم السوداء الخفية في مجتمعاتنا الإسلامية، وحالاتنا السياسية والثقافية، تكشف في أزمات بعضها عن تنظيمات تجمعها، وأيدٍ تحركها؛ فعندما يقع مشبوه في ورط تجد فريقاً مجهزاً قد انبث في كل وسيلة إعلامية للدفاع عنه.
وفي الأيام الماضية، فرض حدثان نفسيهما على الساحة الإعلامية السياسية في فلسطين، والساحة الثقافية في مصر، أحدهما هي الوثائق التي ظلت تتوالى تدين مجموعة في السلطة الفلسطينية في قضية اغتيال الرئيس السابق للسلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات في العام 1994، والثانية منح متطاول على الإسلام والذات الإلهية والرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته جائزة الدولة التقديرية في مصر على كتب مملوءة بإساءات بالغة للإسلام.
في الحالة الأولى: تبنت قنوات فضائية معروفة بارتباطها بجهاز الاستخبارات الأمريكي والتيارات الدائرة في فلكه في العالم العربي وجهة نظر المتنفذين في السلطة الوطنية، وتنادت أصوات في كل وسائل الإعلام القريبة من تيار دايتون بالدفاع عمن وردت أسماؤهم في وثائق فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية بمنظمة التحرير الفلسطينية.
حاول الجميع أن يدير المعركة في اتجاه آخر، وهو الدافع وراء تأجيل القدومي إلقاء اتهاماته على أبي مازن ومحمد دحلان خمس سنوات كاملة، ولم يكن هذا بالطبع مسلك المنصفين؛ فالوثيقة وما تحمله تستدعي تحقيقاً واسعاً يقوم به مستقلون، وتدين بكل وضوح صمت الجهة الرسمية المنوط بها التحقيق في مثل هذه القضايا الحساسة والمصيرية.
إن اغتيال عرفات إن كان قد تم عبر أبي مازن ودحلان هو أكبر دليل على عدم جدارتهما بإدارة شؤون فتح فضلاً عن سياسة شعب أبي كالشعب الفلسطيني المجاهد، وحيث انتهت "شرعية" الأول الدستورية، وظل مستمسكاً بالحكم، والثاني "شرعية" وقوة أمنية؛ فإن حركة فتح مدعوة الآن لتصحيح مسارها ولفظ المتآمرين على مؤسسيها، لا الاستمساك بأهداب تصفية الحساب مع القدومي، إذ الحقيقة لابد أن تفرض نفسها، ولو جانب القيادي الفتحاوي المناوئ لعباس الصواب؛ فتضييق القضية في شخص القدومي هي من فعل طابور كامل من المنتفعين الذين سمتهم قرينة الرئيس عرفات سابقاً "المستورثين" ثم عادت للدفاع عنهم!!
وفي الحقيقة ما رشح في الأزمة التي تعيشها فتح قبل أيام قليلة من عقد مؤتمرها السادس، يمنحنا دليلاً دامغاً على أن المصالح تجمع بين فريق كبير من المدافعين عن قتلة عرفات أو أدواتهم، بل أكثر من ذلك، تكشف عن أن محرك هذا الفريق هو جهة ما لا تتفق مع آمال وطموحات الفلسطينيين.
أما في الحالة الثانية: فالعديد من الدلائل أثبتت تواطؤاً كبيراً في منح سيد القمني تلك الجائزة من أموال المسلمين المصريين، وفي التغطية على تلك الجريمة بعد ذلك؛ فالصحف القومية والحزبية و"المستقلة" كلها أجمعت على تجاهل القضية برغم أن صحيفة "المصريون" المستقلة نجحت في إبقاء جذوتها مشتعلة عبر سلسلة طويلة من الفضائح الكاشفة لحجم المؤامرة وحجم التساند العلماني اللافت فيها.
لم تكترث الساحة الثقافية المصرية بفتوى بالغة الأهمية صادرة عن دار الإفتاء المصرية تكفر القائل بمثل ما ورد في كتابات القمني، سبقتها فتوى صدرت عن الشيخ الجليل نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية السابق.. تواطؤ واضح كشف عن حجم الاختراق اليساري للحالة الثقافية المصرية، وترصيص الصفوف العلمانية بشكل يبرهن على وجود تنظيم محكم يحرك كل بيادقه في كل مكان للدفاع عن الكاتب المسيء للإسلام.
إنها جريمة منظمة في كلتا الحالتين تشي بأن الدفاع عن مصالح الغرب و"إسرائيل" في بلداننا الإسلامية ليس عفوياً أو أن المعركة الدائرة في كل صعيد ليست عشوائية بل تجري بتنسيق بالغ الخطورة، "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"