مقام الصابرات
20 جمادى الثانية 1440
نهلة عبد الله

لئن كان أمر الله تعالى فى قوله عز وجل " يأيها الذين أمنوا اصبروا و صابروا و رابطو ..... " قد خوطب به الرجال فإن النساء قد خوطبن بذات الأمر فإنهن شقائق الرجال فى الأحكام و لئن كان الصبر للرجال واجب و لازم فهو للنساء أوجب و ألزم فالرجال كثيراً ما يجدون ما يدفعون به عن أنفسهم بينما النساء غالباً لا يجدن ما يدفعن به عن أنفسهن إلا بالصبر و نفويض الأمر لله و الصبر كما قال ابن القيم " هو خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل مالا يحسن , و هو قوة من قوى النفس التى بها صلاح شأنها و قوام أمرها " و مع التمعن و التدبر فى الآية الكريمة فهناك فرق بين الصبر و التصبر و المرابطة .

 

فالصبر هو ما صدر عن الإنسان من امتناع عما لايليق من الأمور و الأفعال . و أما المصابرة فهى المقاومة للخصم فى ميدان الصبر . و أما المرابطة فهى المداومة على ذلك كله .

 

و المرأة المسلمة جمعت بين هذا كله و كان الصبر و المصابرة و المرابطة أقوى سلاح فى يدها فى ميدان الجهاد و الدعوة و هذا السلاح لا يقل عن الأسلحة التى يحملها الرجال فللمرأة دورٌ عظيم فى عملية الإصلاح و البناء و ذلك أنها نصف المجتمع أو يزيد , ثم أنها تلد النصف الآخر و لئن كان للمصلحين من الرجال دور كبير فى إرشاد المرأة و توجيهها و حضها على فعل الخبرات و ترك المنكرات بالدروس و المحاضرات أو الأشرطة , فإن جانب الإتصال المباشر بمجتمع النساء كما هو يكاد يكون معدوماً بالنسبة لهم و هنا تظهر الحاجة إلى وجود المرأة العالمة و الداعية و المصلحة و التى تبنى الرجال و تصنع الأبطال و تساهم فى نصرة الإسلام فى عدة أدوار إما كأم أو زوجة أو ابنه و خير مثال و أفضلهم و التى أتصفت بالصبر و الحكمة أم المؤمنين خديجة رضى الله عنها ففضلها كبير و عظيم على كل المسلمين فعندما بعث الله تعالى النبى صلى الله عليه وسلم كانت السيدة خديجة رضى الله عنها أول من آمن به من النساء و الرجال و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم و السيدة خديجة يصليان معاً سراً إلى أن ظهرت الدعوة .

 

و تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً من التعذيب و التكذيب من قومه فكانت السيدة خديجة رضى الله عنها دائماً إلى جانبه تخفف عنه و تهون عليه ما يلقى من أكاذيب المشركين من قريش و كانت له الملجأ و الملاذ فكانت بجانبه أول أيام الوحى عندما رجع إليها صلى الله عليه وسلم مسرعاً و كان يرجف و قال لها زملونى فزملوه حتى ذهب عنه الروع , فقال صلى الله عليه وسلم مالى يا خديجة و أخبرها الخبر و قال : " قد خشيت على نفسى " فقالت رضى الله عنها كلا أبشر فو الله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم و تصدق الحديث و تحمل الكل و تعين على نوائب الحق .

 

و كانت بجانبه دائماً فى أصعب و أشد الأوقات و يوم أن حوصر صلى الله عليه وسلم و المسلمين فى شعب أبى طالب و الذى استمر ثلاث سنوات من العذاب و التجويع فكانت رضى الله عنها بجانبه دائماً فاستحقت منزلتها عنده صلى الله عليه وسلم حيث كان يفضلها على سائر زوجاته حتى بعد موتها و كان يكثر ذكرها بحيث أن عائشة رضى الله عنها كانت تقول ما غرت على أحد من نساء النبى صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة و ما رايتها و لكن كان النبى صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها و ربما ذبح الشاه ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها فى صدائق خديجة فقلت له كأنه لم يكن فى الدنيا إلا خديجة فيقول لها أنها كانت و كان لى منها ولد .

 

و قال عنها صلى الله عليه وسلم لا و الله ما أبدلنى الله خيراً منها آمنت بى إذ كفر الناس و صدقتنى إذ كذبنى الناس و رزقنى الله منها أولاداً إذ حرمتنى النساء .

 

و من كرامتها أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج عليها غيرها طول حياتها و قد بشرها الله عز وجل فى الجنة ببيت من فضة لا صخب فيه و لا نصب و كانت وفاتها مصيبه كبيرة بالنسبة للنبى صلى الله عليه وسلم. و هناك نماذج لصبر الأمهات اللآتى تحملن من أجل أن تخرج للأمة علماء كأم الإمام أحمد ابن حنبل يقول كنا نعيش فى بغداد و كان والدى قد توفى و كنت أعيش مع أمى فإذا كان قبل الفجر أيقظتنى و سخنت لى الماء ثم توضأت و كان عمره آنذاك عشر سنين يقول و جلسنا نصلى حتى يؤذن الفجر هو و أمه رحمهما الله و عن الآذان تصحبه أمه إلى المسجد و نتتظره حتى تنتهى الصلاة لأن ألسواق حينئذ كانت مظلمة و قد يكون فيها السباع ثم يعودان إلى البيت بعد أداء الصلاة و عندما كبر ارسلته أمه لطلب العلم قال أحد العلماء لأم احمد ابن حنبل من الأجر مثل ما لإبنها هى التى دلته على الخير .

 

و إن فى زماننا المعاصر لخير مثال للصبر و المصابرة و المرابطة و الجهاد كالمرأة الفلسطينية و هذا لما لاقته سواء قبل الإحتلال الصهيونى أو بعده فهناك من ولدت فى ظل هذا الإحتلال الغاشم و كبرت و أصبحت أماً فهى صبورة منذ ولادتها على الظلم و التجويع و التهجير و الحرمان من أبسط مقومات الحياة لكن النساء الفلسطينيات لم ييأسن بل تمسكن بالحياة و الكفاح و الجهاد و لم يتركن بلادهن بل عملن على إنشاء جيل آخر مقاوم و مجاهد فربوا أولادهن على التمسك بالحق و الأرض المقدسة و الأقصى فربما تجد أن كل الأمهات الفلسطينيات أما لها ابن شهيد أو أسير و هناك من تفقد جميع أبنائها فى إحدى غارات الإحتلال الوحشية و من لها ابن فدائى رفض ترك أرضه و رفض العيش بزل تحت الإحتلال و اختار الشهادة فة سبيل الله عز وجل و اختار أن يفجر نفسه فى أعداء الأمة و يلقى ربه و جسده ممزق كل ذلك فى سبيل الله فللابن الشهيد الأجر و الثواب و الشهادة و اللأم مثله إن شاء الله لأنها من أحسنت و صبرت على مصيبة فراقه .