27 ربيع الأول 1440

السؤال

أنا مخطوبة من قريبي يعيش في ألمانيا وأنا من الإسكندريّة، وافقت على "خطوبته" بسبب أختي لأنّها تزوّجت بشخص لا أصل له ولا أخلاق، واكتشفت ذلك بعد الزواج، فأنا متأكّدة من قريبي أنّه يحبّني حبّا شديدا، ولكنّ مشكلتي أنّي أحيانا أحسّ أنّي أحبّه وأحيانا أريد أن أبتعد عنه. وعندما أفكّر أنّني سوف أعيش في بلد غير بلدي أحسّ أنّني لا أستطيع أن أكمل معه، وحدّثت أمّي ولكنّها ذكّرتني بأختي فجعلتني أتراجع عن قراري فأنا لا أعرف كيف أرضي نفسي.

أجاب عنها:
سميحة محمود

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا..
أمّا بعد.
ابنتي الفاضلة... في البداية أرحّب بك بين أهلك وأحبّائكِ، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يصلح حالك، ويوفّقك لما يحبّ ويرضى، كما نشكرك على حسن ظنّك بموقعنا الكريم، أسأل الله سبحانه وتعالى أن أشير عليكِ بما فيه الخير لكِ في دينكِ ودنياكِ وعاقبة أمركِ.

 

ابنتي.. جميل منك أن تستشيري في هذا الأمر المهمّ وهو أمر الزواج الذي يترتّب عليه أسرة وحياة وأبناء، فالزواج مشروع جادّ، والاستشارة منهج نبويّ حثّ عليه الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم...
 

أمّا بخصوص قريبك والذي بالفعل تمّت خطبتك عليه، فلم تذكري يا عزيزتي أيّ معلومات عن هذا الشابّ سوى أنّه (يحبّك بشدّة)! فجميل أن يحبّك الخاطب ولكنّ الأجمل أن يتحلّى بالأخلاق الكريمة والالتزام الديني والاستقامة، وأن يكون متحمّلا للمسؤوليّة التي تؤهّله لقيادة أسرة. كما يجب أن يكون هناك توافق وانسجام بينك وبينه. وما ذكرته في رسالتك (أحيانا أحسّ أنّي أحبّه وأحيانا أريد أن أبتعد عنه)، فقولك هذا يبيّن أنّك قد شعرت بارتياح نفسي له ولو بنسبة معيّنة، أي أنّه قد حدث قبول منك له كزوج يشاركك الحياة ويكون رفيقا وصديقا وقائدا لك في مسيرة حياتك، وأيضا يكون أبا لأبنائك. أمّا بخصوص أنّك أحيانا تشعرين أنّك تريدين الابتعاد عنه، فهذا إحساس مؤقّت سيزول بمجرّد العقد الرسمي والزواج، فالرجل الآن مازال أجنبيّا عنك، والحبّ الذي تنشدينه سيكون بعد الرابطة الشرعيّة. 
 

ابنتي الكريمة.. ذكرت أنّ خطيبك من "ألمانيا" وأنّك من الإسكندريّة، وأنّك سوف تنتقلين بعد الزواج للعيش في بلد زوجك وهذا يجعلك كما تقولين (أحسّ أنّني لا أستطيع أن أكمل معه) رغم أنّ – "المحافظتين" - في بلد واحد، بينهما عدّة ساعات بالقطار، فلماذا هذا القلق؟ وسائل الاتّصال أصبحت سهلة ومتيسّرة ومجّانا تستطيعين في أيّ وقت الاتّصال بأهلك والاطمئنان عليهم، بل والمكوث للحديث معهم ساعات طويلة. فهذا ليس مبرّرا قويّا لرفض شابّ يتمتّع بصفات طيّبة ومرضيّة. أما تعلمين أنّ الكثير من الفتيات قد تزوّجن وسافرن مع أزواجهنّ إلى بلاد بعيدة جدّا لها ثقافات ولغات مغايرة عن ثقافة بلدهنّ ولغة قومهنّ، ومع ذلك نجحت زيجتهنّ وشعرن بالاستقرار وتأقلمن مع حياتهنّ الجديدة. فلماذا هذا القلق لمجرّد الانتقال إلى محافظة أخرى؟
 

ابنتي العزيزة.. ذكرت أنّ أختك قد تزوّجت، وبعد زواجها اكتشفت أنّ زوجها (ليس عنده أصل ولا أخلاق).. فأصبح هذا الحدث هاجسا يلقي بظلاله على حياتك وقراراتك، كما أصبح أيضا عقدة تسيطر على أمّك تجعلها تضعه أمامها حين تستشيرينها في أمر التراجع عن إكمال زواجك من هذا الخاطب، فتنصحك بالاستمرار خوفا من تكرار مأساة أختك (حدّثت أمّي ولكنّها ذكّرتني بأختي) وكأنّها تقول لك (الذي نعرفه أحسن من الذي لا نعرفه)!! أليس هذا منطقها في أمر الموافقة على هذا الخاطب والمضيّ في هذا الزواج؟
 

هنا أقول لك أبعدي هاجس أختك وخوفك من تكرار مأساتها عن مخيّلتك تماما، وفكّري بصورة أكثر شموليّة ونظرة أكثر واقعيّة.
 هل هذا الخاطب يتمتّع بالصفات الطيّبة التي تريحك وتجعلك تطمئنّين معه أنّ حياتك ستكون مستقرّة؟ 
هل هذا الخاطب صاحب شخصيّة سويّة مهذّبة يحترمك ويحترم أهلك ويقدّرهم؟
هل هذا الخاطب هو الأب الكريم الذي تأملين أن يكون أبا لأبنائك؟ 
هل هذا الخاطب مؤهّل لتحمّل المسؤوليّة وتتوقّعين أن تجديه بجوارك عند الشدائد؟ هل هذا الخاطب يتحرّى الحلال ويبتعد عن الحرام وسيكون عونا لك على مرضاة الله؟ 
هل هذا الخاطب هو من سيأخذ بيديك لجنّة عرضها السماوات والأرض؟

 

إن كانت إجابتك على هذه الأسئلة بالإيجاب، فاستخيري الله تعالى في أمر زواجك من هذا الخاطب، وتضرّعي إلى الله فإنّ الدعاء هو سلاح المؤمن، وإنّ ربّك قريب لطيف كريم يجيب دعوة الداعي قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وقال صلّى الله عليه وسلّم: (ليس شيءٌ أكرم على الله من الدعاء)، وتأكّدي أنّ الأقدار تسير بمقاديرها، وأنّ نصيبك قد كُتب لكِ، فأحسني النيّة، واسألي الله الزوج الصالح صاحب الدين والخلق، وتحرّي أوقات إجابة الدعوات وكوني على يقين أنّ رزقكِ آتيكِ، فهذا وعد الله (وفي السماء رزقكم وما توعدون).
 

وفي الختام: أسأل الله أن يختار لك الصالح في أمورك كلّها ويوفّقك لما فيه الخير.. كلّ الخير، ونحن في انتظار جديد أخباركِ، فطمئنينا..