نداء الساعات النورانية
8 ذو الحجه 1439
د. خالد رُوشه

إنها ولاشك ساعات ربانية نورانية ، تلكم التي يبشرنا فيها ديننا بخير يوم ، وبخير فضل ، وبخير عمل .

 

ويدعونا فيها إلى ترك الدنيا بما فيها والاستجابة لندائه ، والإعلان عن عبوديته ووحدانيته للعالم أجمع .

 

ساعات مباركات ، من وفق فيها فقد وفق لكثير فضل ، وعظيم نعمة ، أن يراك الله سبحانه عابدا متبتلا خاضعا موقنا سائلا النجاة من النار ، طالبا الفوز بالجنة ، راجيا الخير والحفظ والعافية .

 

فمن وفقه الله لحج بيته فقد وفقه إلى خير ما يحب، وقد اختاره ليغسله من ذنوبه ويرجعه إن أخلص نيته وأحسن حجه كيوم ولدته أمه، ويسر له أن يفتح سجلاً جديداً أبيض يبتدئ فيه عهداً إيمانيًّا جديداً.

 

فثياب الإحرام تخرجه من حيز رؤية المتاع وتضعه في حيز رؤية الكفن، فلا زينة خداعة، ولا شهوة مغفلة، ولا صراعاً أحمق على الدنيا الزائلة، فالكل في ثوب الإحرام سواء تماماً كما هم في الثوب الأخير، والكل خائفون من الذنب راجون الرحمة التي وسعت كل شيء.

 

وليعلن المؤمنون يوم الحج إعلاناً عالميًّا في وقت تنزف فيه الأمة أن شعوب المسلمين في كل أنحاء الأرض هم على قلب واحد، ومنهج واحد، وهدف واحد.. يعبدون ربًّا واحداً، يرجون رحمته ويخافون عذابه، فليخسأ عندئذ الشيطان وأولياؤه، وليعتز كل مسلم بدينه، ذاك الدين الذي يعلو؛ إذ إن الله مولاه وأعداؤه لا مولى لهم..!!

 

وفي ذات الوقت الذي يثج فيه الحجيج دماء هديهم.. وينهر المضحون دماء أضاحيهم يوم النحر وتعلو في الآفاق أصوات التكبير.. يقدم الصالحون في كل ربوع الأرض صالحاتهم بنفوس طيبة لوجه الله ربهم، فتبتسم شفاههم حتى آخر أثر للروح.

 

إنها أوقات صالحات مباركات، ينتظرها المؤمنون الصالحون؛ ليخلعوا ربقة الارتباط بالدنيا عنهم ويتحرروا من قيد الشهوة وقيد الأماني البالية، ويسطروا سجلاً من نور، فلا مادية تكسر حاجز الشفافية ولا معصية تدنس الطاعة بل ذكر وخشوع وتوبة وبكاء، فيرون الكون كله حبور وشفافية، ويمتزج النور بالسعادة، والأمل بمعنى الصدق، وتصبح الجنة هي المطلب والإخلاص هو المرتجى، وحسن الظن بالله هو كهف الأمنيات.