الأخلاء النبلاء
18 ذو القعدة 1439
د. خالد رُوشه

من من الله عليه بخليل صالح نبيل فقد أنعم عليه أحسن النعم ، كيف لا وهو الصاحب في الخير ، والشريك في العناء ، والداعم في مسيرة النجاح !

 

والخليل الصالح نادر كندرة الزئبق الأحمر ، فلا تكاد تجد خليلا نبيلا بين المئات من الناس ، فلئن وجدت أحدهم فاستمسك به فإنه نفيس ثمين.

 

و الخليل الصالح حامل مسك ، ودليل خير ، ومنارة نصح ، ووسيلة رشد ، ومؤنس إلى الجنة .

 

وفي الشدائد هو داعم وباذل ومعطاء ومضح ،  وفي المسرات مشارك بإخلاص ، ومحب لإسعادك ومسارع الى أفراحك .

 

وفي غيابك يحفظ العهد ، ويديم الود ، فيستر عرضك ، ويسد خله غيابك .

 

  أتحدث ههنا عن صداقة يعدها الإنسان قريبة منه , فيمضي معها وقته , ويصحبها في شئونه , ويطلعها على خصوصياته , ويستأمنها على شأنه , ويدخرها عبر الايام .

 

والنبل ههنا في الصداقة له علامات :

 

فأولها أن يكون تقيا , فالصداقة قائمة على الثقة , والثقة لا يمكن أن تكتمل إلا لمن خشي الله سبحانه , فهو الذي يحفظك في غيبتك , فيستر عرضك , ويحفظ أمانتك , ويصاحبك في الطاعات , ويبعدك عن المنكرات .

 

والنبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي " أخرجه أحمد وابو داود , من هنا كان لابد علينا أن نحذر من أهل الشهوات , فصاحب الشهوة يكثر الحديث عنها , ويبحث عن صحبة فيها , ويزينها , وتكون شغله الشاغل , كما نحذر من أهل الانحرافات العقائدية , فهم يبثون الشك في قلوب أصدقائهم .

 

وثانيها ان يكون إلفا يؤلف , أعني أن يكون ذلولا في معاملته , سهلا في شخصيته , يحب الناس ويحبه الناس , رقيق القلب , كريم السلوك , وفي الحديث " المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف " أخرجه احمد وصححه في المشكاة .

 

لذا فاحذر أهل القسوة والشدة , المتصفين بها , الصارخين في وجوه الناس , محبي الصراعات والاشتباكات والعقوبات , واحذر أهل الأنانية وحب الذات , واحذر الساعين على مصالحهم خاصة غير المبالين بالآخرين من حولهم , واحذر كثيري الحديث عن أنفسهم , المتفاخرين بذواتهم , فإنهم لايصلحون كأصدقاء .

 

وثالثها , أن يستر عيبك وينشر فضائلك ,  وفي الحديث : "من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة" أخرجه أحمد وصححه في صحيح الجامع , فاحذر من يتحدث بعيبك , ويكثر نقدك , ولايرى خيرك .

 

ورابعها , ان يكون صاحب مروءة وعطاء في المواقف , وفي الحديث : " أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس " أخرجه الطبراني وحسنه الألباني .

 

فاحذر من يظهر في السراء ويختفي في الضراء , واحذر الجبناء , واحذر البخلاء , واحذر من يتركك في مواقف الشدة , ومن يخاصمك إذا اختلف معك .

 

وخامسها , أن يكون واضحا غير ماكر , ففي الحديث : " المكر والخديعة في النار " أخرجه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع , وفي الحديث أيضا  : " لا يكيد أهل المدينة أحدٌ إلَّا انماع كما ينماع الملح في الماء" يعني ذاب وانتهى أمره , والحديث اخرجه البخاري .

 

 فاحذر أهل المكر , وأهل الكذب , واحذر المرائين , والمتلونين , واحذر ذوي الشخصيات الغامضة , وذوي المواقف الغامضة , وذوي التاريخ الغامض , واهل السير المريبة , و الذين يكثر في كلامهم الخفاء والتورية , وابحث عن السهل الهين اللين , البسيط الواضح , من تعرف ما يسعده وما يغضبه , وتعرف هدفه ووسائله ومبادئه وقيمه .

 

هؤلاء إذا صادقتهم أمنت , وإذا صحبتهم سلمت , وإذا خلفتهم على ما تثمن حفظوك فيه , وإذا استشرتهم نصحوك بما يحبون , لا يحسدوك ولا يستكثرون عليك نعمة , ولا يغتابوك ولا ينتقصوك , ولا يخادعوك ولا يمكرون عليك , ولا يغشوك , بل يكونون لك الردء والظهر , والمعين , فتصحبهم صحبة خير عميم , وتسير معهم في طريق مستقيم .