العيد

جاء يوم العيد ، يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم . زمن قصير ظريف ضاحك، تفرضه الأديان على الناس، ليكون لهم بين الحين و الحين يوم طبيعي في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها .

يوم السلام، و البشر، و الضحك، و الوفاء، و الإخاء، و قول الإنسان للإنسان: و أنتم بخير .
يوم الثياب الجديدة على الكلّ إشعاراً لهم بأن الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم .
يوم الزينة التي لا يراد منها إلا إظهار أثرها على النفس ليكون الناس جميعاً في يوم حب .
 
و خرجت أجتلي العيد في مظهره الحقيقي على الأطفال السعداء،
على هذه الوجوه النضرة التي كبرت فيها ابتسامات الرضا ع فصارت ضحكات،
و هذه العيون الحالمة التي إذا بكت بكت بدموع لا ثقل لها،
و هذه الأفواه الصغيرة التي تنطق بأصوات لا تزال فيها نبرات الحنان من تقليد لغة الأم،
و هذه الأجسام الغضّة القريبة العهد بالضمات و اللثمات فلا يزال حولها جوّ القلب .
 
هؤلاء السحرة الصغار الذين يخرجون لأنفسهم معنى الكنز الثمين من قرشين ...
و يسحرون العيد فإذا هو يوم صغير مثلهم جاء يدعوهم إلى اللعب ...
و يتنبهون في هذا اليوم مع الفجر، فيبقى الفجر على قلوبهم إلى غروب الشمس،
و يلقون أنفسهم على العالم المنظور، فيبنون كلّ شيء على أحد المعنيين الثابتين في نفس الطفل :
الحب الخالص، و اللهو الخالص .
و يبتعدون بطبيعتهم عن أكاذيب الحياة، فيكون هذا بعينه هو قربهم من حقيقتها السعيدة.
 
هؤلاء الأطفال الذين هم السهولة قبل أن تتعقد.
و الذين يرون العالم في أول ما ينمو الخيال و يتجاوز و يمتد .
يفتّشون الأقدار من ظاهرها، و لا يستبطنون كيلا يتألموا بلا طائل .
و يأخذون من الأشياء لأنفسهم فيفرحون بها، و لا يأخذون من أنفسهم للأشياء كيلا يوجدوا لها الهم .
 
قانعون يكتفون بالتمرة، و لا يحاولون اقتلاع الشجرة التي تحملها .
و يعرفون كنه الحقيقة، و هي أن العبرة بروح النعمة لا بمقدارها ...
فيجدون من الفرح في تغيير ثوب للجسم، أكثر مما يجده القائد الفاتح في تغيير ثوب للملكة .
هؤلاء الفلاسفة الذين تقوم فلسفتهم على قاعدة عملية، و هي أن الأشياء الكثيرة لا تكثر في النفس المطمئنة .
و بذلك تعيش النفس هادئة مستريحة كأن ليس في الدنيا إلا أشياؤها الميسّرة .
أما النفوس المضطربة بأطماعها و شهواتها فهي التي تبتلى بهموم الكثرة الخيالية ،
و مثلها في الهم مثل طفيليّ مغفّل يحزن لأنه لا يأكل في بطنين ...
 
و إذا لم تكثر الأشياء الكثيرة في النفس، كثرت السعادة و لو من قلّة ...
فالطفل يقلّب عينيه في نساء كثيرات، و لكنّ أمه هي أجملهن و إن كانت شوهاء .
فأمه وحدها هي أم قلبه، ثم لا معنى للكثرة في هذا القلب .
هذا هو السرّ، خذوه أيها الحكماء عن الطفل الصغير !
 
و تأملت الأطفال، و أثر العيد على نفوسهم، التي وسعت من البشاشة فوق ملئها،
فإذا لسان حالهم يقول للكبار : أيتها البهائم، اخلعي أرسانك و لو يوماً ...
أيها الناس، انطلقوا في الدنيا انطلاق الأطفال يوجدون حقيقتهم البريئة الضاحكة، لا كما تصنعون إذ تنطلقون انطلاق الوحش يوجد حقيقته المفترسة.
أحرار حرية نشاط الكون ينبعث كالفوضى، و لكن في أدق النواميس .
يثيرون السخط بالضجيج و الحركة، فيكونون مع الناس على خلاف، لأنهم على وفاق مع الطبيعة .
و تحتدم بينهم المعارك ، و لكن لا تتحطم فيها إلا اللعب ..
أما الكبار فيصنعون المدفع الضخم من الحديد، للجسم اللين من العظم .
أيتها البهائم، اخلعي أرسانك و لو يوماً