ليلة البداية
28 رمضان 1429
د. خالد رُوشه

من رحمة الله سبحانه أن جعل توبة العبد الصادقة صفحة جديدة في حياته , وجعل يوم التوبة يوم مولد جديد له يستطيع بعده أن يبدأ حياة نظيفة من الذنب , طاهرة من العصيان ..

 ومع انتهاء شهر رمضان تسيطر أحاسيس متباينة على المرء , تكون في غالبها مشاعر حسرة على فقدان تلك الأيام الكريمات , وانتهاء تلك الأوقات الروحانية , مع شعور بتقصير المرء مع ربه فيها , إذ لم يعبد الله فيها حق عبادته , فاعترته الشواغل في هذا الشهر ونال عمله التقصير , فهو منكسر في عموم حاله على فقدان رمضان , راغب في أن تكون السنة كلها رمضان ليستدرك مافات ..
 وههنا يعلم المؤمن رحمة ربه الواسعة ويستشعرها عندما يتدبر كيف أنه سبحانه فتح له أبواب التوبة والقبول في كل يوم تصح فيه نيته وتخلص فيه عزيمته فيكون له بمثابة مولد جديد ..
 إن فتح باب التوبة لأهل الإيمان فيه من المعاني مالايمكن إحصاؤه أو الإحاطة به , ففيه بيان مدى عظمة ذاك الرب الغفور ومدى استغنائه عن عباده إذ يفتح لهم في كل يوم سبيلا للعودة إليه والأوبة له وهو فعل الكريم الذي قد استغنى عن الخلق , وفيه بيان مدى رحمة الله الواسعة التي لم يقيد فيها التوبة بوقت ولا زمان بل ( من تاب قبل أن يغرغر تاب الله عليه ) كما في الحديث الثابت .
  وفيه دعوة دائمة للبعيدين عن سبيل الهدى وطريق الإيمان أن هذا هو طريق الرحمة الواسعة والفضل العميم مهما غاب العبد في دياجير الظلمة الخانقة ..
 وفيه دعوة ربانية لتصحيح التوبة وتجديدها للتائبين وتحسينها لكل من استشعر من توبته نقص , فلتكن توبة متجددة دوما حتى تكون نصوحا نقية تليق أن يتقدم بها المرء على ربه الملك العليم ..
فليؤكد الدعاة والعلماء على ذلك المعنى الكريم في نهاية الشهر داعين الناس دوما للتوبة والاستغفار فاتحين لهم أبواب الاستعداد للبداية معهم من جديد بعد تبيين شرائط التوبة النصوح التي يغسل بها العبد ذنوبه بالماء والئلج والبرد وينقي ظاهره وباطنه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ..
 وإن كنا جميعا في حزن على فراق رمضان , ففرحة الصائم ليوم الفطر فرحة أخرى جعلها الله مستقرة في قلوب الصالحين الذين تعبوا في شهرهم وأطالوا تبتلهم ودعاءهم ورجاءهم وقيامهم , وأخلصوا صومهم , فكان يوم الفطر لهم وكأنه ..ميلاد جديد