د.خالد المدني: لا زلنا نتهيب من العلاج النفسي.. عدم التفاهم والفضائيات بريد الطلاق.. علاج الأثر النفسي لزيادة الأسعار بالإسلام

كيفية تجاوز المحن والأزمات وتحقيق النجاح والتعامل بإشاعة المحبة بين الأسرة وانتقالها للمجتمعات العربية , ونهج الإسلام منذ ما يقارب من ألف وأربعمائة سنة في إذكاء تلك الروح , وما سبب شعور المواطن العربي بالإحباط وعدم الثقة في النفس , كل هذه الأسئلة وغيرها حملها موقع المسلم للحوار بها  مع الدكتور السعودي خالد المدني *( دكتوراه في الجامعة الأمريكية ببريطانيا ) للإجابة على تلك التساؤلات وكيفية النهوض بواقع الأمة وفي مجالات شتى
 
المجتمعات العربية تعاني الكثير من المشاكل من بينها مشكلة عدم الشعور بالرضا ترى برأيكم ما السبب وراء ذلك؟
 
إنه سؤال كبير وهو عدم الشعور بالرضا قد يعود ذلك أحيانا لسبب مادي أو قد يعود لسبب ثقافي لأنه ينظر لنا على إننا مجتمع العالم الثالث، ولذا فنحن مبرمجين على إننا أقل من غيرنا من شعوب العالم الأخرى وهذه إحدى أهم الإشكالات التي تواجهنا في التعليم والتدريب على الذكاء العاطفي وتحديدا في بناء تقدير الذات عندما تحدثت عن ( إن الذي ينبغي إن ينظر له الفرد ابتداء على انجازه وليس بناءً على ما يعتقده عنه الآخرون ) وعادة عندما نتكلم فهناك ثلاث نظرات تجاه الذات:
 
النظرة الأولى:هي نظرتي تجاه نفسي, وهذه النظرة أحيانا تكون مجردة لأن الشخص لا يملك معلومات كبيرة عن نفسه ومع الحياة وتفسير الخبرات يبدأ يكون خبرات عن نفسه.
 
النظرة الثانية : هي نظرتي تجاه نظرة الآخرين لي وهنا لابد من التوقف عند هذه النظرة لأن مشكلتنا إننا نقيم أنفسنا وفقا لنظرة الآخرين لنا , بمعنى إذا كانت نظرة الآخرين لنا على إننا أقل فهذا شأنهم, ويجب أن نكون واثقين أننا نملك من الخبرات والقدرات والطاقات ما يمكننا من أن نجاري غيرنا وبالتالي يجب على أن أنظر إلى نظرة الآخرين لنا على أنها ليست نهائية بمعنى ليس كل ما يقوله فينا الآخرون صحيح فالبعض صحيح والبعض الآخر غير صحيح .
 
أما النظرة الثالثة :هي نظرة الآخرين لنا , فأنا أركز على نظرتي أنا تجاه نظرة الآخرين .
وهذا حسب ظني هو نظرة الشعوب العربية متأثرين تجاه نظرة الآخرين لهم , ولدينا أشياء فاق بها العرب الغرب وليس قديما فقط إنما حديثا أيضا ويمكن أن نضرب في ذلك مثال وهو العلماء العراقيون إذ فاقوا العلماء الغربيين وكان ذلك سببا في تجنسهم بالجنسيات الأمريكية والبريطانية مما يدل على أن لدينا الكثير , فعدم الشعور بالرضا سببه هو هذه النظرة .
 
أما الأمر الثاني الذي يولد عدم الشعور بالرضا هو محاضن التربية كالمدارس والبيوت التي تتعامل مع الأبناء والأطفال بأنهم لا يملكوا ولا يقدموا الشئ الكثير لكي يمدحوا ويثنى عليهم والخلل يبدأ من البيت ثم المدرسة ثم بعد ذلك الإعلام وله مساهمة كبيرة في هذا الشأن.
 
لماذا يرفض الكثير من المصابين بأزمات نفسية في عالمنا العربي الاعتراف أو الإقرار بوجود أزمات نفسية عندهم ويرفضون أيضا الذهاب للمعالج النفسي لتجاوز تلك الأزمات النفسية ؟
 
السبب في ذلك أمرين, الأمر الأول هو الرغبة في الكمال ( وهو لله عز وجل ) فلا يريد أن يعترف الشخص بوجود نقص فيه وعندنا مشكلة في العالم العربي لا وعي فيه يريد أن يشعر انه كامل وليس ناقص .
 
أما الأمر الآخر فهو صورة الإعلام التي كونت عن المعالج النفسي , فالمسلسلات المصرية القديمة وغيرها أظهرت المعالج النفسي بشكل مضحك أنه يستخدم آلات غريبة وطرق غريبة فصار عند الناس نوع من عدم النضج ( التنويم المغناطيسي ) وأنه ( أراجوز ) وعندما يطلب من شخص مصاب بأزمة نفسية الذهاب لمعالج نفسي, فيجيب قائلا : لماذا هل أنا مجنون؟
 
فارتباط العلاج النفسي في مجتمعاتنا العربية بالجنون, بينما في الغرب تجد إن الشخص في نهاية الشهر عندما يقسم ميزانيته المادية يضع ضمن المصاريف بند العلاج النفسي وهذا شئ طبيعي لأن الإنسان مثلا عندما يريد أن يشتري سيارة يذهب إلى خبير بالسيارات وعندما يريد أن يبني دارا يلجأ إلى مهندس  ليضع له خارطة المنزل وعندما يمرض يذهب إلى الطبيب ولما تصاب نفسيتي بشئ فمن الطبيعي أن أذهب إلى مستشار نفسي, لذا يبدو لي أن الإعلام لحد الآن قد ترك بصمته في نفسية الإنسان العربي عن صورة المعالج النفسي وإن كان اليوم الناس يلجئون إلى المعالج النفسي بعد تحسن صورته في المجتمعات العربية خصوصا بعد انتشار برامج التطوير الذاتي .
 
 
من المشاكل الكبيرة التي تعاني منها المجتمعات العربية هي تزايد حالات الطلاق فيه وبمؤشر خطير ما السبب وكيف يمكن التقليص والتقليل من حالات الطلاق بمجتمعاتنا العربية ؟
 
السبب في ذلك أعيده بالدرجة الأولى إلى انعدام الحوار بين الزوجين وابتداء ننطلق من قول الحبيب محمد ( صلى الله عليه وسلم) :"الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" فنفترض إن الزوج والزوجة لم يأتلف قلباهما منذ البداية فهنا يبدأ الحوار ويبدأ النقاش ومعرفة ما هي النقاط التي عند الزوج تزعج الزوجة وما هي النقاط التي عند الزوجة تزعج الزوج فلابد من الحوار للوصول إلى ذلك , وأنا دائما استشهد بقصة لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما جاءه رجل يريد أن يطلق زوجته , فقال له سيدنا عمر لماذا؟ قال: لا أحبها فقال له عمر: أو كل البيوت تقام على الحب؟. فأين الوفاء ! بمعنى أنه أحد الأسباب التي تجعل الزوج يفكر في طلاق زوجته هو يشعر أنها لا تحترمه وهي في المقابل أيضا تشعر أنه لا يحترمها وانعدام الحوار فبعض الأسر اليوم لا تلجا للحوار فيما بينها, إضافة إلى ذلك الإعلام والمسلسلات وإخراج نجمات وأيضا طريقة عرض الحب في القنوات الفضائية وبطريقة غير صحيحة وغير ناضجة وبطرق رومانسية حالمة ويصورون إن حياة الزوج والزوجة يجب أن تكون كلها حب في حب ولا وجود للمشاكل وهذا إخراج للحب عن طريقه القويم وعن مساره الصحيح, فحتى في زمن النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) اختلف مع أزواجه وذكر القران الكريم ذلك.
فالقضية تحتاج إلى أن ننتبه إلى طريقة عرض الحب في القنوات الفضائية وإنضاج هذه العاطفة .
 
ما مدى تأثير الوضع السياسي والاجتماعي وغلاء الأسعار في مجتمعاتنا العربية على سلوكيات المواطن العربي وكيف يمكن تجاوزها بأقل الخسائر والأزمات النفسية؟
 
هذه قضية شائكة وإذا انطلقنا نحن من البداية على مسألة القناعة وقوله صلى الله عليه وسلم :(واعلم إن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ) هذه عقبات وهذه محطات يتأمل فيها المسلم فكثير من الناس لا يقف عند غلاء الأسعار وينظر لها على أنها بسبب ذنوبنا ومعاصينا وبسبب ابتعادنا عن الله عز وجل والبعض لا يتأمل على إن الحياة جبلت على كدر وابتلاء وامتحان, وأن الإنسان يتقلب بين الخير وبين الشر,وكما قال الشاعر :
 
 جبلت على كدر وأنت تريدها           صفوا من الأقذار والأكدار
 
فلابد في الحياة من ابتلاءات ومن عقبات, وإحدى هذه العقبات غلاء الأسعار، وهناك عقبات سياسية، والحروب، هذه كلها بسبب المعاصي وبسبب الذنوب وبسبب ابتعادنا عن منهج الإسلام  وكما جاء بقوله تعالى : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير"
فكل شئ يحصل في الحياة هو بسبب ذنوب الإنسان, فلما يبدأ يعود الإنسان والمجتمعات تعود إلى الله عز وجل وتلتزم بالمنهج الإسلامي نجد إن الكثير من الأمور والعقبات تبدأ تتحلل عقبة تلو عقبة ثم تعود الأمور إن شاء الله إلى نصابها الصحيح , نحتاج فيها إلى الصبر
 
سأصبر حتى يمل الصبر من صبري              
سأصبر حتى يحكم الله في أمري
 
والمسلم ـ سبحان الله ـ دائما يتفاءل أن بعد الظلمة نور وبعد المخاض ولادة بإذن الله تعالى.
 

 

هل تعتقد إن الشارع العربي متفائل، وإذا كان لا فكيف يمكن أن نزرع فيه روح التفاؤل ؟
 
الشارع العربي للأسف في قمة التشاؤم والسبب الأحداث التي تدور حول العالم ونزع التفاؤل بالعودة إلى أصل ديننا أولا لان الأصل في الإسلام هو التفاؤل فالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول :( التفاؤل من الرحمن والتشاؤم من الشيطان ) ـ أو كما قال صلى الله عليه وسلم ـ فالنبي صلى الله عليه وسلم في أحلك الظروف كان يتفاءل.
الله عز وجل يقول في محكم كتابه الكريم :"حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء", لكن على الأمة يجب أن تعمل حتى يكون لدينا تفاؤل يسمى التفاؤل الواقعي , إحدى الإشكالات التي نحن نعيشها الآن هو التفاؤل الساذج أو أنا أسميه التفاؤل غير الواقعي, سننتصر على الأعداء, طيب كيف؟ يجب أن نقوي إيماننا ونعمل، ونخطط، ويجب أن تكون الأمة قوية حتى تنتصر، وهنا لما تتقوى الأمة يصبح لدينا واقع.
 
واقع التعليم في الوطن العربي هل هو دون المستوى؟ وهل من الضرورة أن نوجد فيه التعلم من أجل الإبداع وليس الحصول على الشهادة وما هو الفارق بينهما؟
 
الإجابة على هذا السؤال أجابت عنه منظمات التعليم العالي التي بينت ترتيب الدول العربية في التعليم وحقيقة أرقام مخجلة ففي دراسة أجريت في عام 2003 ميلادي عن حركة الترجمة في الدول العربية , فالدول العربية مجتمعة ترجمت ثلاثة آلاف كتاب أما إسبانيا وحدها ترجمت ثلاثمائة ألف كتاب, فهذا الرقم حقيقة يجعلنا نعرف أين نقف وأين ينبغي أن نكون, فالتعليم في العالم العربي يحتاج إلى إعادة هيكلة من جديد بمعنى أن نظم التعليم يجب أن تتغير ومناهج التدريس يجب أن تتغير وطريقة التدريس يجب أن تتغير أيضا, فالعالم اليوم يتحدث عن التعليم عن بعد ونحن لازلنا إلى اليوم نهاجم من يدرس عن بعد فهذا ليس رأي سديد حقيقة فالمسالة تحتاج إلى تضافر الحكومات العربية كلها من اجل أن تعيد تأسيس نظام تعليمي جديد .
 
كيف يمكن للشارع والبيت العربي أن يعمر بالحب ؟
 
أن يتحاوروا مع بعضهم البعض وأن تكون هناك صراحة داخل الأسرة وهناك حسن ظن حيث الزوج يحسن الظن بزوجته وكذلك الزوجة تحسن الظن بزوجها وأن ينقلوا ذلك إلى الأبناء , فعندما يرى الأبناء إن الزوج يحترم ويقدر الزوجة يشيع الاحترام والتقدير داخل هذه الأسرة، والكلمة الحلوة تسود في البيت , فنلاحظ أم المؤمنين السيدة عائشة ( رضوان الله عليها ) عندما تسأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) "كيف حبك لي يا رسول الله ؟ قال : كعقدة الحبل".
 
فلابد من التعبير عن الحب وإظهار قاموس وكلمات الحب وهنا يبدأ الجيل الثاني بنقل هذه المفاهيم إلى الجيل الذي بعده وهكذا تصبح مجتمعاتنا يسود فيها الحب والاحترام , أما إذا كان هناك نوع من الاحتقار وسوء الظن وعدم التقدير أو أحتكر أن الصواب وغيري الخطأ فلن يسود الحب
 
كلمة أخيرة أو نصيحة لمن تقدمها وما هي ؟
 
أولا الكلمة أقدمها شكرا لكم على إتاحة هذه الفرصة لي وهذا اللقاء, والنصيحة حقيقة التي أقدمها عادة إلى الإخوة والأخوات هي الإنصات للآخرين لأني وجدت إن الكثير من الناس لا يترك فرصة للآخرين أن يبدي وجهة نظره ودائما استشهد بحديث النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم )عندما ناقش مخالفا بل مشركا ويعتقد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن هذا الشخص يتكلم بباطل ومع ذلك سمع له حتى النهاية ثم قال له أفرغت يا أبا الوليد ؟ أي لم يقاطعه .
فالزوج يجب أن ينصت للزوجة وكذلك هي حتى نهاية الفكرة دون مقاطعة, ثم بعد ذلك يبدأ الحديث والكلام, والدراسات العالمية تشير إلى أن 85% من البشر لا ينصتون, فلابد من الإنصات.
 
  
* الدكتور خالد المدني : هو خالد محمد المدني سعودي الجنسية من المدينة المنورة حصل على البكالوريوس في علوم القرآن الكريم في كلية المعلمين في مدينة الدمام والماجستير في تعليم الكبار المستمر من جامعة الملك سعود في الرياض وشهادة ماجستير أخرى من بريطانيا في الجامعة الأمريكية وأكمل دراسة الدكتوراه في تخصص الموارد البشرية في تخصص القيادة من الجامعة الأمريكية ببريطانيا أيضا