مجالس الأسرة المسلمة في رمضان
22 رمضان 1429
صفية الودغيري

مع حلول موسم رمضان من كل سنة ، نجد الأسر المسلمة تستعد له بأشكال مختلفة ، منها الايجابي ومنها السلبي ..

وهذا يدعونا لوقفات مع ما هو سلبي منها ، مثل العادات الرمضانية التي توارثناها ، فنشرع في تغييرها والقيام بحق ما أوجبه الله علينا ، من عبادات ومعاملات لها علينا أحكام ملزمة ، نجازى على فعلها ونحاسب على تركها .
ونعوّد أبناءنا على أن يتحرروا من نير استعبادها  وتحكم سلطانها ، فيشبوا على الالتزام بكل ما يوافق شريعتهم قولا وفعلا ومنهاجا ..
ونغرس في نفوسهم  جذور القيم والمبادئ  التي تعلمناها من وحي ديننا، ونربيهم عليها ليترجموها في أقوالهم ومعاملاتهم ..
إن توجيهاتنا التربوية والدينية ، لكفيلة أن تخلف آثارها الإيجابية على أولادنا  ، فتظل نقشا محفورا في ذاكرتهم ..
وحين نزرع في نفوسهم جذور الثقة المتبادلة بيننا وبينهم ، ونضعهم أمام صورة صادقة في رسمها وألوانها ، نقدم لهم نموذجا واقعا لللقدوة الحسنة التي هم بحاجة إليها ، ليتمسكوا بمنابع الهداية الربانية كتابا وسنة .. وبمنابع المعرفة الصحيحة ..
إننا بهذا نعلمهم كيف يحيون الحياة الطيبة الكريمة في ظلال طاعة الله ، ونشعرهم بلذة تذوق حلاوة الإيمان تسري إلى قلوبهم ، فيصير لحياتهم معنى وغاية  تربطهم  بهذا الفيض الغامر المتدفق باستمرار ..
إنه الامتثال الحقيقي  للتوجيه الرباني والنبوي في إقامة أسرة مسلمة على المنهج الرباني
* فقد وصى الله الآباء برعاية الأبناء والأهل في قوله سبحانه : {يا أَيها الذين آمنوا قوا أَنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والْحجارة }التحريم 6
* فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته , الإمام والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته , والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها , والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته , وكلكم راع ومسؤول عن رعيته " ) رواه البخاري (893 ) ومسلم ( 1829 ) .
كل فرد منا في امتثاله هذا يرعى أسرته الرعاية الدينية الصحيحة ، ويؤدي واجبه في تحمل مسؤولية بذل الجهد في إنجاز رسالة التغيير ..
لكن حين نقصر في أداء هذا الواجب  ، فلا نبدل من أحوالنا ، ولا نغير من سلوكنا وطريقة تعاملنا داخل البيت وخارجه ،  سواء في رمضان أو غيره من فصول السنة ولا نعمل بالتوجيه الرباني :{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }الرعد:11
يتحقق فينا وعيد الله وعقابه ، فتجري علينا سنة الله التي لا  تبديل لها ، فنُسلب أنعم الله علينا وهباته ، فيتحول أمننا خوفا ، وغنانا فقرا ، وعزتنا ذلا وتمكيننا هوانا ..
إنه شهر كريم وموسم عظيم ، غامر بنفحاته ، سخي في هباته ، أبواب خيراته وبركاته مشرعة أمام كل والج عامل ، فلنسارع للتزود من فضل أيامه المحفوفة بالمغفرة والرحمة والعتق من النار..
ولنضاعف من صالح الأفعال وطيب الكلام تحصيلا لأجرها الوافر .. فنكون ممن صدق فيهم  * ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه } أخرجه البخاري (35 ، 38 وغير موضع ) ومسلم ( 759 ، 76 )
 ولا ننس أن  أعمارنا تفوت بسرعة  وتنفلت منا السنوات انفلات الركب السائر ، فلنتعجل سعينا للتغيير قبل الرحيل ، ولا نجعل رمضانا مضى هو نفسه رمضان اليوم ، ورمضان المستقبل الذي لا ندري أسندركه ام لا .
ولنجاهد على تصحيح أخطائنا وزلاتنا التي نكررها سنة تلو الأخرى ، ونتصدى لأهوائنا  فنجعلها متبوعة لنا  لا تابعين لها  ، ولقد حذرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من عدم مخالفة الهوى حيث قال فيما رواه عنه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما:( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به )
(ذكر النووي رحمه الله هذا الحديث، وإن كان لم يُخرَّج في الست، ولكن خُرِّج في كتاب: الحجة على من لم يسلك الطريق والمحجة للمقدسي ، وله شواهد من الكتاب ومن السنة) .
 ولا نفسح مكانا لفتن تتوالى علينا ، فتحملنا على مراكبها ، وتبحر إلى حيث لا مرسى ,.
ولنعلم إن الله يبتلينا ويمتحننا في كل زمن ، والصيام ساعات من هذا الزمن ، إلا أن لها خصوصية الفضل في التشريف ، فلا ندعها تمر مرور سواها ، من غير أن نغنم مضاعفة أجورها ، والحكيم من يصطاد فيها صيد الجواهر  ويكون رابحا فيها لا خاسر * يقول الحق سبحانه :{والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} العصر 3
إننا لو تدبرنا مآلنا وما صار عليه حالنا ، سنكتشف أننا لدينا من التقصير ما يلزمنا طول العمل والإلحاح في طلب المغفرة والعفو ..فالمواعظ ما عادت تعظنا  .. والدروس نظل نسمعها كل سنة من كل رمضان فلا تغيرنا  ، ونهب إلى حلق العلم ، نزاحم أقواما عليها ، لكن قلوبنا عنها غافلة وعقولنا عن تدبرها شاردة ، وآذاننا عن سماعها غير واعية ، ترى أجسادنا تحملنا إليها بخطى مسرعة ، لكن أرواحنا عنها نائية مهاجرة ، نفوسنا تحلق في كل ناد هائمة ، تجر أذيالها  تارة إلى مجلس طرب ولهو يطربها ، وتارة إلى مجلس تجارة مربحة  أو تسعى إلى سوق البورصة تتابع أحوال الأسهم في ارتفاع أسعارها وانخفاضها  ، وقد تقتصر على مجالس يكثر فيها  اللغو في أحاديث لاهية  وسجالات كلامية غير نافعة...
مجالس لا تحصد منها النفس إلا ضياع أوقات نفاس وتبذير ساعات ثمان ،  ومنغصات مكدرات خواطر ، وطمع متزايد على زخرف دنيا زائل ،  أو تعلق صارخ بفتنة زينتها الخادع .. يصرف عن عبادة  رب العباد و طاعته ، والانشغال بذكره ..،
* ولقد نبهنا الحق سبحانه لهذه الفتن في قوله تعالى :{زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطيرِ المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المَآب} آل عمران 14
لقد آن لهاته القلوب أن تفر إلى الله بدءا من هذا الشهر الكريم ، وتتعجل تخليتها من الشوائب  ومن كل ما يشغلها ويصرفها  عن وصل  حبالها بالله وتوثيق عراها به ، ولتلزمها الارتواء من حياض المعرفة حتى يصفو القول ويصح العمل..
وتتعود حياة الزهد في ترك مشتهيات الطعام والشراب ، حتى يدعوها إلى زهد في مشتهيات الدنيا وفيما عند الناس ، زهد لا مغالاة فيه ، تصرف صاحبها عما أحل الله له من الطيبات * يقول الحق سبحانه :{ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هِي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلَمون قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغيرِ الحق وأن تشرِكوا بِاللهِ ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لاَ تعلمون } الأعراف 32 – 33 
لأن كثرة الإقبال على المشتهيات تورث الغفلة ، وهي تقسي القلب ، وتعميه عن رؤية الحق واتباعه ، * ولقد ارشدنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى تعريف حكيم ومعنى بليغ للزهد من خلال التخفيف من الطعام والشراب فقال :( ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه )أخرجه أحمد4/ 132 وابن ماجة 3349 والترمذي 2380 من حديث معد يكرب رضي الله عنه
 إن أسرنا في رمضان تحتاج إلى تربية وتوجيه ، وتمرين شديد على قيادة النفس إلى أعلى المراتب وأسنى المطالب ،  في المبادرة إلى اغتنام  الساعات بالقول والعمل الصالح ، ونصوص الكتاب والسنة تدعو إلى ذلك ، كما تحذر من العقاب الشديد لمن يغتر بقصور عمله ، ويغريه طول أمله :{أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذاباً أليماً ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً } سورة النساء 173
فكيف نربي أسرنا المسلمة على اغتنام ساعات رمضان بالأعمال الصالحات ؟  وكيف نسعى للتغير من طباعنا وسلوكنا وأقوالنا وأحوالنا في رمضان فنحول مجالسنا من مجالس لهو وتضييع أوقات إلى مجالس طاعات واغتنام ساعات ؟