انتصار سوري مهين!!
21 رمضان 1429
د. ياسر سعد
النظام السوري يعيش في هذه الفترة أجمل وأزهي أيامه, فدبلوماسيته حققت انتصارا كبيرا –كما تقول وسائل الإعلام الرسمية- والتي تتحدث عن فشل سياسة العزلة والتي كانت مفروض على النظام, وبحسب صحيفة رسمية كانت تتحدث بنشوة عن القمة الرباعية التي عقدت مؤخرا فإن سورية لم تتغير ولكن الذي تغير هو فرنسا. فهل حققت الدبلوماسية السورية نجاحا باهرا, أم أن انتصار النظام هو شبيه بإعلانه النصر بعد حرب يونيو والتي فرط فيها بالجولان باعتبار أن هدف "إسرائيل" كان إسقاط النظام وهو ما أخفقت في تحقيقه!!
قوة النظام السوري تكمن في ضعفه, وقبوله دوليا وغربيا بسبب إنجازاته الخارقة في تحويل دولة لديها من الموارد والكفاءات والقدرات البشرية ما يؤهلها أن تكون دولة متقدمة إلى دولة فاشلة ينتشر فيها الفساد والرشوة وتعاني أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية حادة. بل إن تقارير صحفية تؤكد أن ما ألغى مخططات المحافظين الأمريكيين الجدد بالدفع نحو تغيير النظام السوري بعد احتلال بغداد هو ضغوطات "إسرائيلية" تخشى من وصول الإسلاميين للحكم أو تولي مقاليد السلطة حكومة شرعية تمتلك التفويض والقبول الشعبي.
الإعلام السوري يتجاهل أن فك العزلة الغربية لم يكن انجازا للنظام, بقدر ما هو هزيمة لشعاراته وتبديلا لجلده ولمساراته المعلنة والتي كانت أبواقه تعتبرها من الثوابت والمقدسات. فمن كان يقدم نفسه زعيما للممانعة العربية وقائدا للصمود والتصدي وموزعا لتهم التخوين على الآخرين, أصبح من المهرولين وبشكل مخجل للتفاوض مع الكيان الصهيوني. ومن الأمور المؤسفة أن ذلك التوجه والاندفاع نحو المفاوضات جاء بعد العديد من الانتهاكات "الإسرائيلية" للسيادة السورية والتي كان أخطرها ضرب موقع نووي سوري مزعوم تحت الإنشاء.
المواقف السورية المبتهجة إلى حد الإسفاف من الدخول الجديد للعالم الغربي عبر البوابة الفرنسية تثير مشاعر الإشفاق و الخيبة؛ فهذا وزير الخارجية السورية وليد العلم وبعد الحديث الممل والمتكرر عن ضرورة الدور الفرنسي والأوربي في المنطقة يتحدث عن حاجة سورية للتشجيع الفرنسي, وكأن النظام السوري طفل يتعثر محتاج إلى مساعدة ومعاونة الدولة التي كانت تحتل البلاد قبل نحو سبعة عقود.
على هامش زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لسورية وللحديث عن أوجه التعاون الاقتصادي بين الجانبين قال معاون وزير التخطيط السوري السابق حميد مرعي "لا شك أن للزيارة بعداً اقتصادياً هاماً". وقال مرعي "لقد عرض الفرنسيون قبل سنوات عقب استلام الرئيس بشار الأسد السلطة أن يقدّموا لسورية دعماً ومساعدة في مجال التطوير الإداري والمالي، الأمر الذي لم يتحقق في حينها لعدة عوامل"، وأضاف "يأمل الجانبان أن يتم تحقيق ذلك هذه المرة، وأن تكون التجربة السابقة قد ذهبت إلى غير عودة". سورية بعد حكم فردي دكتاتوري امتد لأربعة عقود عجاف قاد البلاد والعباد للهاوية ونشر فيها ثقافة التلفيق والتزوير, بحاجة لمن كان يحتلها لمساعدة البلاد في مجال التطوير الإداري والمالي!!!
الحكم السوري لم يتوقف عن إرسال الإشارات والرسائل العلنية وعبر وسائل الإعلام للإدارة الأمريكية عن استعداده التام للتعاون معها وعن الحاجة لها لرعاية المفاوضات المباشرة مع الكيان الصهيوني. 
مؤخرا نشر موقع CNN بالعربي تحقيقا عن الجهود السورية لمنع تسلل المقاتلين للعراق, ونقل الموقع عن العميد خليل الخالد، وهو مسؤول أمني سوري قوله "نعمل ضمن قدراتنا، وتشكل الحدود هاجساً يومياً لنا", مشددا أن وحداته "تتصدى للعبور غير الشرعي عبر الحدود ولعمليات التهريب،وكذلك للمجموعات الجهادية."وقال العميد الخالد أن جنوده يحكمون قبضتهم وانتشارهم، وأن الوحدات السورية أقامت ساتراً ترابياً على الحدود، وهيتقوم يومياً بدوريات لمراقبة المنطقة. وأشار الخالد إلى أن قواته تجري عملياتها باستخدام أسلحة ومعدات قديمة وبدائيةبسبب الحصار المفروض على دمشق، والذي يمنعها من شراء العتاد العسكري الحديث، مثلأجهزة مراقبة الحركة والمناظير الليلية.ويرغب الضابط السوري في تعزيز التعاون مع الجانب الأمريكي عبر الحدود مع العراق،عوض الاكتفاء بتوجيه الانتقادات من واشنطن لقواته.كما يرى أن التعاون قد يحول دون تكرار الخروقات التي يقوم بها الطيران الأمريكي للمجال الجوي السوري، بمعدلات قد تصل إلى خمس أو ست مرات شهرياً.
تصريحات المسؤول الأمني السوري مخيبة تماما, فالنظام السوري والذي يتباهى بدوره في معاونة الاحتلال الأمريكي يعتبر أن ضعف إمكانياته ومعداته البدائية تحول بينه وبين إتقان تلك المهمة. هذا النظام والذي كانت إستراتيجيته المعلنة ومنذ عقود, الوصول للتوازن العسكري مع الكيان الصهيوني وهو ما كان وما يزال يستهلك موارد اقتصادية ضخمة من ميزانية البلد وقوت مواطنيه, يعجز بإمكانياته عن منع كافة المتسللين للعراق؛ فكيف سيقوى إذا على رد هجوم صهيوني والدفاع عن البلاد ناهيك عن تحرير أراضيه المحتلة حال فشل خياره الاستراتيجي الجديد في السلام!!!
 النظام السوري أعلن عن تسمية سفيره الجديد في بغداد, كنوع من الانفتاح نحو الغرب ورضوخا لطلبات وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس عبر وسائل الإعلام, للدول العربية بإرسال سفرائها للعراق. الإعلان السوري تزامن مع تصريح مدير وكالة المخابرات الأميركية الجنرال مايكل هايدن بأن الضربة التي وُجهت إلى ما كان يشتبه في أنه مفاعل نووي سوري العام الماضي كانت نتيجة تعاون استخباراتي تضمن شريكا أجنبيا تمكن من تحديد الغرض الذي من اجله أقيمت المنشأة,  وأضاف هايدن في كلمة أمام مجلس شؤون العالم في لوس انجلوس أن التعاون الاستخباراتي مع جهات أجنبية كان له أثرا كبيرا في نجاح الضربة, قائلا "استطعنا إماطة اللثام عن سر كبير هو عبارة عن مشروع كان سيزود سوريا بما يكفيها من البلوتونيوم لإنتاج أسلحة نووية".
المسؤول الأمريكي يعلن وبصراحة تورط بلاده في ضرب الموقع وانتهاك السيادة السورية, ومع ذلك لم نسمع احتجاجا سوريا ولا حتى باهتا عن الدور الأمريكي. كل ما نسمعه من السوريين الحاجة لأمريكا في رعاية المفاوضات السورية-"الإسرائيلية" المباشرة وعن خبرة نظام دمشق في محاربة الإرهاب الإسلامي.
فهل يعتبر النظام السوري الصَّغار السياسي والعجز العسكري والسكوت عن انتهاكات سيادة البلد, انتصارات لدبلوماسيته؟؟ دبلوماسية العجز والتهاون مع الخارج والقبضة الحديدية مع المعارضين في الداخل وسجنهم تحت ذريعة النيل من هيبة الدولة. فهل أبقى النظام للدولة من مكانة أو هيبة؟؟!!