بعد اعتذار إيطاليا لليبيا، هل ستعتذر الجزائر لفرنسا؟!!
15 رمضان 1429
ياسمينة صالح
لا تستغربوا، فكل شيء ممكن في هذا الزمان، و إن كانت إيطاليا لأغراض مصلحاتية واضحة قد تجاوزت عقدة الطاغية الفاشي " موسيليني" و اعتذرت لليبيا على ما اقترفه ضد المسلمين الليبيين، إلا أن الاعتذار أخذ صورة بدت للجميع أشبه بالتمثيلية السياسية، ليس لشيء سوى لأن الصحف الإيطالية ناقضت الاعتذار عندما تكلمت أن حدود الاعتذار للعرب لا يجب أن يتعدى كلمة" معذرة" تقال و يمضي كلّ في طريقه، بيد أن أنا آسف جاءت متأخرة بأجيال من الشهداء الذين دفعوا ثمن الغرور الروماني القديم، منذ القيصر إلى موسيليني!فلماذا اعتذرت ايطاليا الآن بالذات يا ترى؟
هذا هو السؤال يفرض نفسه بانتظار الحقيقة، لأن ليبيا الماردة بالأمس القريب تحولت بقدرة قادر إلى "الصديقة" بالنسبة للأمريكيين أنفسهم مثلما نسي الفرنسيون طائرة اللوكربي و نسوا تفاصيل سقوطها التي طالما أصرت وسائل الإعلام على إعادة تركيبها على صدر صحفها ونشراتها الإخبارية، و نسي أهالي الضحايا ما كانوا يعدونه " قناعة لا يمكن زحزحتها: أي معرفة الحقيقة" و اكتفوا بالتعويضات التي قدمتها ليبيا.
كل شيء كان يمشي ضمن سياق التعويضات و ما يمكن الحصول عليه من هذه الدولة التي كان ينعتها العالم كله بالمارقة، لتتحول المارقة إلى صديقة من طراز خاص! حتى و قضية نجل القذافي تخرج إلى صدر الصحف السويسرية، بدل أن تكون قضية جنحة ( بسبب ضرب نجل القذافي لسائقه المغربي و خادمته التونسية) تحولت إلى قضية سياسية بالنسبة لكريمة القذافي التي استعملت عبارة " استعباد الشعوب" للدفاع عن شقيقها الذي حاول استعباد سائقه وخادمته! استطاع النظام أن يلعبها وفق منهجية " الظالم و المظلوم" ليقطع على سويسرا الطاقة التي وعد بمنحها للمستضعفين في الأرض مجانا!في الوقت الذي يعامل فيه العرب كخدم للنظام الليبي ( خدم آل القذافي أغلبهم من المغاربة و الأفارقة).
و مهما يكن، فقد اعتذرت إيطاليا رسمياً إلى الشعب الليبي على ما اقترفته ضده من بشاعة طوال الحقب الماضية، و على ما فعلته ضد عمر المختار خصوصا الذي ظلت ذاكرته تطارد روما القديمة و الحديثة إلى أن اعتذرت، و هو الاعتذار الذي بدا نقمة لدول كثيرة احتلت دول أخرى و عاثت فيها فسادا، أولها فرنسا!
لا مجال للاعتذار إلى الجزائر!

من يطلع على الصحف الفرنسية، يعتقد أن الجزائر هي التي احتلت فرنسا طوال 130 سنة، لأن ما يبدو جليا أن فرنسا ترفض رفضا قاطعا الاعتذار للجزائر على كل ما اقترفته ضد شعبها طوال أجيال كثيرة، فمائة و ثلاثين سنة ليست مجرد سنوات، بل هي مجموعة من الأعمار و من الأجيال، و هي جملة من الحقب التي تولدت داخل الاستعمار و بسببه، و هي الجهالة التي حاول ونجح الاحتلال غرسها في نفوس الجزائريين، و هي التغريب المقصود، و هي التنصير المستمر إلى يومنا هذا، و هي التبجح بأن الاستعمار كان إيجابياً على الجزائريين بحيث أخرجهم من الأمية إلى الثقافة الواسعة!كما قال أحد البرلمانيين الفرنسيين بكل وقاحة دون أن يعد أحد كلامه " إهانة للجزائريين".. هو كل الانتقاص المقصود إثارته ضد أمة بعينها، حوّلها المستعمر إلى أمة مغتربة، و غريبة عن هويتها الأصلية.. مع هذا، تبدو الجزائر هي المدعوة إلى الاعتذار لفرنسا على ما فعله الثوار ضد المحتلين، و لأن الثوار نجحوا بفضل من الله على طرد المستعمر من البلاد على مدى ملايين من الشهداء ( من 1830 إلى 1962)، و هي خيانة غير مغتفرة ليس بالنسبة للفرنسيين أنفسهم، بل حتى بالنسبة لأذنابهم الذين تـُركوا داخل الجزائر، و أخذوا ما أخذوه من الأماكن و الخيرات التي بموجبها صاروا ما صاروا عليه، و بموجبها تحول الشعب إلى " زبالة" في نظرهم!لهذا قد تطالب فرنسا من الجزائر بالاعتذار الرسمي لأن ثوارها الشرفاء طردوها من البلاد، مع أن المعمرين السابقين رفعوا قضية رسمية للمطالبة بأموالهم التي تركوها في الجزائر ( أي الأراضي و البيوت ) و يبدو أنهم ربحوها بسرعة دون أن يضطروا إلى تجديد الدعوى أو إعادتها، فهم يطالبون بحقهم في هذه الأرض، مثلما يطالب الأقدام السوداء ( وهي التسمية التي يطلقها الجميع على اليهود) بحقهم في الجزائر التي غادروها مع المحتل يوم استقلت البلاد، بمعنى أن كل تلك القضايا التي يرفعها المحتل السابق على الجزائريين تصل "تعويضاتها" إلى الملايير من الدولارات، فماذا تبقى للجزائر أن تطالب به إذن، و قد باشر الفرنسيون برفع قضايا تعويضات من الجزائريين؟ ما يبدو جليا أن فرنسا لن تعتذر، لأنها صارت تتكلم عن الإرهاب بعبارة " ما فعله الإرهابيون في الجزائر أكبر مما فعلته فرنسا طوال مئة و ثلاثين سنة" و هي السخرية التي كتبتها إحدى الصحف الشهيرة لتضحك على الجزائريين بعبارة " اطلبوا من الإرهابيين الاعتذار أولا" وكأن الإرهاب جاء من المريخ، و كأنه ليس نتاج مخلفات الاحتلال الذي تسببت فيه فرنسا المساهمة بشكل كبير في تجويع الجزائريين و تفقيرهم و تهميشهم بمعية أبنائها المقيمين بيننا و من أبناء جلدتنا، كأن الإرهاب ليس نتيجة العنف الآخر الذي خلفته الكولونيالية بكل ما تعني الكلمة من تجهيل الجزائريين و فرض عليهم نظام التغريب باسم الدمقرطة التي تعرت عورتها و صارت الجزء الأهم من القتل العمدي، فبين تفجير إرهابي يطال الأبرياء و احتلال يطال الشعوب خيط رفيع اسمه: الجريمة ضد الإنسان.