انعكاسات الأوضاع في القوقاز على البلقان والعكس
3 رمضان 1429
عبد الباقي خليفة

 

يعتقد البلقانيون أن حرباً باردة جديدة قد اندلعت بين الغرب وروسيا، ولا يستبعد الكثيرون أن تعود الحروب بالوكالة، وسياسات عض الأصابع بين الدب الروسي والكلب الغربي، بتعبير الدكتورة بياتا فينكلر (مديرة مركز الاتحاد الأوروبي لمكافحة التمييز). وقد بدأت انعكاسات الأوضاع في القوقاز وتحديدا الصراع الروسي الجورجي في أبخازيا وأوستيا الجنوبية تلقي بظلالها على منطقة البلقان، ولا سيما كوسوفا، والبوسنة اللتان توجد بهما أغلبية مسلمة تصل إلى 95 في المائة في الأولى وما يربو على 50 في المائة في الثانية.
 
ظلال القوقاز في كوسوفا: وجد الصرب في الصراع الروسي الغربي على منطقة القوقاز، فرصة لاستغلالها في إلقاء اللائمة على استقلال كوسوفا.
 
واعتبر (وزير خارجية صربيا) فوك يريميتش، أن ما يجري في القوقاز سببه استقلال كوسوفا، وهو ما أشار إليه (الرئيس الروسي) ميدفيد في موسكو. وقال: إن اعتراف بلاده باستقلال أبخازيا وأوستيا الجنوبية، جاء ردا على استقلال كوسوفا، واتهم الدول الغربية بالإسراع في الاعتراف "بالإعلان غير القانوني للاستقلال في كوسوفا " عن صربيا في فبراير الماضي.
 
وأكد السفير الروسي في بلغراد الالكسندر كونيزين مجددا على أن روسيا لا تزال تدعم الموقف الصربي في كوسوفا. وقال " اعتراف روسيا بأبخازيا وأوستيا الجنوبية، لا يعني تغييرا في الموقف الروسي من استقلال كوسوفا، ودعم الموقف الصربي في هذا الاتجاه " وفي نفس الوقت يدعو المبعوث الروسي لدى النيتو، ديميتري راغوزين، حلف شمال الأطلسي إلى " إبطال استقلال كوسوفا " وقال: " ندعو دول حلفلا شمال الاطلسي إلى إلغاء استقلال كوسوفو وسحب اعترافها بذلك " وهذا ما يضع روسيا في تناقض كبير فهي من جهة تبرر اعترافها باستقلال أبختزيا وأوستيا الجنوبية كرد فعل على استقلال كوسوفا، وفي نفس الوقت تدعم موقف صربيا الرافض لاستقلال كوسوفا.
 
إلا أن رئيس كوسوفا فاطمير سيديو له مقالة أخرى في القضية، فرغم تأثر الأوضاع الجيوسياسية الدولية ببعضها البعض إلا أن ذلك يجب أن يوضع في سياقه الخاص، وإذا كان من حق أبخازيا وأوستيا الجنوبية اعلان الاستقلال فليكن. وقال سيديو: إن " كوسوفا لا يمكن أن تكون مثالا لروسيا للاعتراف باستقلال أبخازيا وأوستيا " وتابع "لقد أكدنا مرار بأن كوسوفا لها تاريخها ووضعها الخاص، وبالتالي لا يمكن أن تكون كمثال لبقية مناطق التوتر في العالم " وعاد سيديو للتاريخ " نحن هنا قبل الصرب، ونحن نبتنا في الارض ولم نكن مهاجرين إليها من وراء الفولغا " في إشارة للنزوح السلافي للبلقان في القرن التاسع.
 
كما أكد سيديو على أن كوسوفا تحظى باعتراف دولي واسع، وأن دولا اسلامية ستعترف باستقلال كوسوفا. وكان وقال سكرتير المشيخة الاسلامية في بريشتينا، رسول رجبي في حديث لصحيفة " صوت " الكوسوفية الصادرة في بريشتينا أنه " من المنتظر أن تكون المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول العربية التي ستعترف تباعا باستقلال كوسوفا، تليها الكويت فالامارات العربية المتحدة ثم قطر ودول أخرى " وتوقع رجبي أن يتم الاعتراف في القريب العاجل. وكان رئيس وزراء كوسوفا هاشم تاتشي، قد أعرب في اليومين الماضيين عن يقينه بأن دولا عربية واسلامية ستعترف باستقلال كوسوفا. وقال تاتشي بمناسبة مرور 6 أشهر على اعلان الاستقلال: إن " بعض الدول الاسلامية تعترف حاليا باستقلال كوسوفا، وبعض الدول في طريقها للاعتراف بالاستقلال، وهناك دول لم تعترف بعد باستقلال كوسوفا ولكنها تعترف بجواز سفر دولتنا المستقلة "ووصف تاتشي موقف بلغراد الرافض لاستقلال كوسوفا والساعي لالغائه من خلال استغلال الاوضاع في القوقاز بأنه "صراع مع القدر الغلاب " وأن " بلغراد في تراجع ".
 
وأشار إلى أن حكومته بالتعاون مع أطراف صديقة تسعى لحملة سياسية واعلامية دولية للحصول على الاعتراف باستقلال كوسوفا، من قبل الدول التي لم تعلن بعد اعترافها بالاستقلال. ووصف عملية الاستقلال ب " المرحلة التاريخية التي تكلل بالنجاح المستمر " وأشار إلى أن هذه المرحلة التي تعقب الاستقلال "مرحلة تثبيت مؤسسات الدولة وحل المشاكل الاجتماعية وتنظيم المساعي الدبلوماسية لكسب المزيد من الاعتراف الدولي بالاستقلال إلى جانب سن القوانين التي تحمي الدولة وتحمي مواطنيها على مختلف أعراقهم وانتماءاتهم وتحقيق الرفاهية لهم " وقال: " بعد شهر من إقامة المؤسسات الجديدة، تم اعلان استقلال كوسوفو، ثم اعلان الدستور ورمز الدولة، وقد تم الاعتراف باستقلال كوسوفا من قبل أكثر الدول ديمقراطية في العالم ".وفي حوار مع صحيفة "اكسبريس" الصادرة في بريشتينا، أعلن تاتشي أن حكومته خصصت مبلغ مليوني يورو لتنمية اقليم كوسوفيسكا ميتروفيتسا. في خطوة عدها المراقبون استراتيجية لشل نفوذ بلغراد على صرب كوسوفا، كما هو الحال بالنسبة لروسيا مع أبختزيا و أوستيا الجنوبية، والذي يمثل الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي روافد أساسية له. وقد اعترفت 46 دولة باستقلال كوسوفا حتى الآن آخرها مالطة في الاسبوع الماضي. وأرسلت كوسوفا سفراء لها في عدد من الدول التي اعترفت باستقلالها، وستكمل ارسال بعثاتها الدبلوماسية حتى آخر هذا العام. بينما لم تعترف باستقلال أبخازيا و أوستيا الجنوبية سوى روسيا.
 
 وقال رئيس وزراء كوسوفا السابق بيرم رجبي: إن " اعتراف روسيا باستقلال أبخازيا وأوستيا الجنوبية سيفتح الباب على مصرعيه لاعتراف دولا أخرى باستقلال كوسوفا " وأكد على أن هناك آمال كبيرة في اعتراف كل من السعودية والكويت وقطر باستقلال بلاده .
 
الانعكاسات في البوسنة: لقد وجد صرب البوسنة، في استقلال كوسوفا ومن ثم أبخازيا وأوستيا الجنوبية، أسباب جديدة لتقوية نزعتهم الانفصالية، لكنهم في وضع لا يسمح لهم باعلان ذلك.وهم يترقبون اللحظة المناسبة، فقد أعلن رئيش وزراء صربيا الجديد، ميركو سفاتكوفيتش، أن صربيا تراقب عن كثب تطورات الأوضاع في أبخازيا وأوستيا الجنوبية، وأنها ستتخذ الخطوات اللازمة التي تخدم مصالح صربيا على حد قوله. وتابع " موقف صربيا من استقلال كوسوفا لم يتغير، ولقد حذرنا من تداعيات ذلك وهو ما حدث " وهو يعني البوسنة القريبة وليس القوقاز البعيد. واستبعد وجود تأثيرات سلبية على بلاده من استقلال كوسوفا. وفي الوقت الذي تحفظت فيه الحكومة الصربية، أعلن الحزب الراديكالي الصربي، والقوميون المتشددون في صربيا عن دعمهم المطلق لروسيا في مواجهة الغرب، وأعينهم على البوسنة أكثر منها على كوسوفا.
 
وفي بنيالوكا البوسنية معقل صرب البوسنة، أعلن رئيس وزراءهم ميلوراد دوديك على أن الظروف لا تسمح باعلان الاستقلال، ولكن هذا الأمر ليس مستبعدا على حد قوله. وذكر في حديث لصحيفة دنيفني أفاز البوسنية الصادرة في سراييفو أن " صرب البوسنة مع اتفاقية دايتون، ولكن اعلان الاستقلال يمكن أن يحدث إذا شعرنا بتهديد لجمهورية صربسكا "ويجد صرب البوسنة في اتفاقية دايتون التي قسمت البوسنة بين كيانين فيدرالي ( 51 في المائة ) وآخر يسيطر عليه الصرب رغم وجود بوشناق وكروات ضمن سكانه ( 49 في المائة ) سببا لرفض أي تغييرات على الاتفاقية التي وصفت بأنها، أوقفت الحرب ولم تبن دولة طبيعية. وهو ما يمنع البوسنة من الانضمام للاتحاد الاوروبي.
 
وقال دوديك بأنه يفضل بقاء الوضع الذي حصل عليه الصرب في اتفاقية دايتون على الانضمام للاتحاد الاوروبي إذا كان ثمن ذلك التضحية بتلك الامتيازات.وقال بأن " استقلال كوسوفا فتح الباب لشهية الاستقلال في العالم " بيد أن صرب البوسنة لم ينتظروا إلغاء امتيازاتهم من أجل أن تنضم البوسنة للاتحاد الأوروبي، وقاموا بوضع ملصقات في بنيالوكا يعربون فيها عن تأييدهم لروسيا في صراعها مع الغرب. وعن ما يصفونه بحقهم في اعلان الاستقلال، تحت شعار " الخيار لنا ". ويصفون مدن بوسنية بأنها صربية " بيالينا و دوبوي، مثل بلغراد ونوفي صاد ".
 
التأثيرات الدولية: لقد أثبتت الأحداث أن القضايا الدولية، ولا سيما المتعلقة بالسيادة، وحروب التحرر الوطني، والديمقراطية، والسلام والاستقرار،مرتبطة ببعضها البعض، رغم محاولات الكثير من الجهات ذات الاغراض الخاصة نفي ذلك الارتباط، سواء بشكل كلي أو جزئي، إلا أنها حقيقة مؤكدة.
 
فلطالما نفت الكثير من الجهات المحلية والاقليمية والدولية تأثير الأوضاع في البلقان على القوقاز أوالعكس.
 
إذ إن التأثير موجود ولكن تختلف القراءات لذلك التأثير وردود الافعال تجاهه، كما هو الحال في فلسطين والعراق والسودان والصومال وغيرها من القضايا، فهي كما يقول (المحلل السياسي) منصور بردار " للمسلم ": " تحمل فيروز العدوى " لا سيما إذا كان وراءها قوة دولية أو شعبية تدفعها لغايتها المنشودة " وتابع " روسيا وضعها أفضل في القوقاز، والغرب لديه مساحة أكبر للمناورة في البلقان، ولكن لا يعني ذلك أن كلا الطرفين لا يستطيع أن يؤثر في الساحة الأخرى، فبامكان روسيا تحريك صرب البوسنة، وصرب كوسوفا، للمطالبة بالاستقلال، وفي نفس الوقت يمكن للغرب توجيه ضربات موجعة لو فكر في دعم المقاتلين الشيشان والذين أثبتوا أنهم أفضل استعدادا من الجورجيين الذين فروا أمام الدبابات الروسية " وعما إذا كان يتوقع بروز حرب باردة جديدة بين روسيا والغرب قال " أشار وزير الدفاع الاميركي قبل بضعة أشهر إلى انتصار بلاده في الحرب الباردة بعبارة تحمل مغزى كبيرا، حرب باردة واحدة تكفي، كما قالت وزير الخارجية الاميركية كونداليزا رايس مؤخرا بأنه لا عودة للحرب الباردة، و الحقيقة أن الحرب الباردة ظلت مستمرة بين روسيا والغرب، ولكن من جهة جهة واحدة، فقد تخلت روسيا عن دورها الدولي وسقط الكثير من حلفائها السابقين في الحيز الغربي بعد أن تخلت عنهم في فترة حكم الرئيس يلتسين " لكن الرئيس الروسي ميديفيد أعرب عن استعداد بلاده لحرب باردة جديدة، الأمر الذي أحدث ضجة في الغرب ولا سيما بريطانيا وفرنسا وأميركا، وقال وزير خارجية بريطانيا إن " الرئيس الروسي صرّح بأنه لا يخشى خوض حرب باردة جديدة،ونحن لا نريدها وإن مسئولية الحيلولة دون وقوع هذه الحرب تقع على عاتقه " لكنه دعا إلى اتخاذ موقف موحّد وحازم ضد ما وصفه بالاعتداء الروسي على جورجيا،واعترافها باستقلال إقليميْ أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا اللذين أعلنا انفصالهما عنجورجيا من جانب واحد. وقال إن على دول الناتو والاتحاد الأوروبي الوقوف إلى جانب حلفائها، وإعادةالنظر في علاقاتها بموسكو في مجال الطاقة، والدفاع عن القانون الدولي، وتكثيفالجهود من أجل الصراعات الدولية القائم " وقال (وزير خارجية فرنسا) برنار كوشنير أن إن روسيا ربما تكون لها مطامع فيبلدان أخرى بعد اعترافها باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، ووصف روسيا بأنهاأصبحت دولة خارجة على القانون.
 
 وأضاف الوزير الفرنسي أن من ضمن الأهداف المحتملة لروسيا في منطقة القرم أوكرانيا ومولدافيا، واصفًا ذلك بأنه "خطير جدًا.
 
 
وقال الرئيس الجورجي ساكاشفيلي: " موسكو تستخدم غزوها الذي كانت تحضر له منذ سنوات في إعادة بناء إمبراطوريتها وإحكام سيطرتها على إمدادات النفط الأوروبية " ولم يستبعد المحلل السياسي فاضل مندل أن تدهور الأوضاع في البلقان والقوقاز بعد أن اعترفت روسيا رسميا باستقلال أبخازيا وأستيا الجنوبية، " الأوضاع في البلقان لا تزال هشة وحلفاء موسكو التقليديين لا يزالون أقوياء في البوسنة وصربيا، ورغم أن اليونان و قبرص وبلغاريا ورومانيا داخل الاتحاد الاوروبي إلا أن مشاعر الكثير من الساسة والشعوب هناك مع موسكو، ومواقف هذه الدول من قضايا البلقان ولا سيما على المستوى الشعبي أقرب إلى الموقف الروسي من الغرب ".