حول الخلاف الشيعي السني
29 شعبان 1429
أسامة شحادة
لقد أثارت وثيقة التفاهم المجمدة بين حزب الله وجمعية وقف التراث الإسلامي السلفية في طرابلس ردود أفعال كثيرة، في غالبها ردود أفعال صادقة تنبع من طبيعة عاطفية غير علمية ولا عقلية، رأت في هذه الوثيقة فتحاً عظيماً وإنجازاً مهماً دون سبب حقيقي أو سند واقعي، وكل هذا لخلل في تصور طبيعة الخلاف بين الشيعة والسنة.
ولسنا هنا في معرض البحث في تفاصيل الخلاف وتشعباته وبيان المخطئ من المصيب، بل المقصد هو وضع هذا الخلاف في حجمه الحقيقي وعدم تضخيمه أو تهوينه، فالخلاف الشيعي السني حقيقة واقعة لا يمكن تجاهلها أو إنكارها، وإلا كنا كمن يضع كفه ليحجب الشمس عن الرؤية!!
ويمكن أن نحصر الحديث في أربع ملاحظات هي:
الملاحظة الأولي: الخلاف مع الشيعة خلاف غير محصور بالسلفية والسلفيين قديماً وحديثاً بل هو خلاف مع كافة أهل السنة، فمنذ أن تشكلت البنية الشيعية عقب خلافة عثمان رضي الله عنه وهي في خلاف وصدام مع أهل السنة، فقد حارب الإمام علي الخليفة الراشد الرابع رؤوس الغلو من الشيعة كابن سبأ – اليهودي المتشيع – ومن بعد ذلك أعلن أئمة المذاهب الفقهية الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رفض مستحدثات التشيع و أنكروها، ولا تزال لليوم الصدامات الدموية – للأسف- في الباكستان بين الشيعة والأحناف مستمرة تسفك فيها الدماء وتنتهك فيها الحرمات، وقد أشار لبدايتها التاريخية الملا علي قاري في كتابه "شم العوارض".
كما أن علماء ومفتي الخلافة العثمانية وهم من الأشاعرة والصوفية والأحناف كانوا من أشد المخالفين للشيعة.
وقبل شهور قليلة شاهد الملايين من المسلمين لقاء الشيخ القرضاوي مع الرئيس الأسبق رفسنجاني والذي أظهر عمق الخلاف السني الشيعي، رغم كل ما عرف عن الشيخ القرضاوي من حرص على الوحدة الإسلامية وتقريب وجهات النظر والتجاوز عن الخلافات، وفي لبنان اليوم من يتصدى للخلاف مع الشيعة من سنة لبنان هم من غير السلفيين كالشيخ محمد رشيد قباني مفتى لبنان المحسوب على التصوف والشيخ محمد الجوزو مفتى الجبل والشيخ خليل الميس مفتى زحلة وغيرهم.
ولو أردنا عرض أقوال العلماء والمفكرين من كافة مذاهب أهل السنة في الخلاف الشيعي السني لما كفانا مئات المقالات، ولكن يمكن العودة لكتاب "مواقف العلماء والمفكرين من الشيعة" وهو منشور على شبكة الإنترنت، حيث يعرض مواقف ورؤى مجموعة متنوعة من علماء المذاهب المختلفة في الخلاف الشيعي والسني.
الملاحظة الثانية: إن أهم مفاصل الخلاف الشيعي السني هو صحة إسلام وخلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة وصحة إسلام الصحابة رضوان الله عليهم، والموقف من أمهات المؤمنين وخاصة عائشة الصديقة رضي الله عنها، وهذه قضايا كبرى في الإسلام لا تخص مذهباً أو جماعة من أهل السنة دون غيرهم. وأهميتها تنبع من كون هؤلاء الصحابة هم الذين نقلوا لنا القرآن والإسلام فإن كانوا غير صحيحي الإسلام، فإسلامنا نحن هباء!!!
ومن يتابع حلقات سيرة الخلفاء على قناة المستقلة الفضائية يتعجب من رفض البعض الحب والثناء على أبي بكر الصديق وعمر الفاروق، بل يصل الحد بالبعض إلى الطعن الصريح على رؤوس الناس!! والأغرب من ذلك هو أن مقدمي الحلقة هم من عقلاء الشيعة ومثقفيهم، ورغم ذلك يتعرضون للإهانة والسب والتحقير من بعض أبناء فرقتهم، وبعد ذلك يصمت علماؤهم ومشايخهم عن نصرة الخلفاء أو ردع السفهاء عن سب الصحابة أو سب المقدمين للبرنامج من مثقفي الشيعة الذين يحاولون بث روح جديدة وثقافة تقوم على احترام الصحابة.
الملاحظة الثالثة هي أنه رغم عمق الخلاف بين السنة والشيعة، إلا أن أهل السنة وهم أغلبية الأمة وكثرتها وأصحاب القوة والمنعة في غالب تاريخ المسلمين، تعاملوا بالعدل والإحسان مع الشيعة ومع غيرهم من الفرق والطوائف والملل كما هو معلوم ومقرر في تاريخ الإسلام، الذي خلا من عمليات الإبادة أو الإجبار على تغيير المعتقدات، بل عاش في كنف الإسلام كافة الملل والأديان والطوائف والفرق، طبعا هناك حالات محدودة من التجاوز والتعدي من بعض المسلمين، لكن هذه التجاوزات والتعديات ليست سياسة معتمدة أو مقررة ومبررة دينياً بل هي غالباً تعدٍّ من الساسة والعسكر وليست مطلباً شرعياً أو دينياً، وأيضاً هذا التعدي طال حتى أهل السنة أنفسهم فلم يختص بفرقة أو ملة.
وبالمقابل فإن غالب هذه الفرق والطوائف والملل كانت تستغل فترات ضعف الدولة الإسلامية لتحاول خيانتها والتعاون مع أعدائها وتقوم بارتكاب مذابح ضد جيرانها وشركائها في المدن والقرى.
ولكن المنصف والمتأمل في تاريخنا الإسلامي يجد أن الدولة الإسلامية كانت تحمى الأقليات والملل أيضاً، وتمنحها حقوقها مما حافظ على وجودها ومعابدها ولغاتها وتراثها، بعكس ما جرى في دول أخرى غير إسلامية قديماً وحديثا، فأين المسلمون في أوروبا ألم تبدهم محاكم التفتيش!! وكم بقي من المسلمين اليوم في جمهوريات روسيا ودولة الصين ألم يتم إبادة عشرات الملايين منهم في "الثورات الثقافية" !! وأين مساجدهم وتراثهم.
الملاحظة الرابعة: لقد قامت السياسة الإسلامية مع أتباع الفرق على تركهم وما يعتقدون ما لم يحاولوا نشر أفكارهم بين المسلمين أو التعاون على زعزعة أمن المجتمع واستقراره أو خيانته بالتعاون مع أعدائه ضده.
والخلاف الشيعي السني يمكن حله على مستويين: الأول، على المستوى السياسي بترك الاعتداء والتراجع عنه كما في موضوع جزر الإمارات المحتلة من إيران، والتهديد باحتلال البحرين وزعزعة دول المنطقة، ومعلوم أن الدول السنية في حالة من الضعف بحيث لا تقوى على حماية نفسها فضلاً عن الاعتداء على حزب الله فضلاً عن إيران، وهذا المستوى عند العقلاء أسهل على النفس ودليل صدق على النية بالتعاون والتقارب والوئام.
والمستوى الثاني، هو المستوى الديني بالتوافق الواضح والصريح على مسلّمات وبدهيات إسلامية مثل: إسلام الصحابة والخلفاء وأمهات المؤمنين، وسلامة القرآن من التحريف، ورفض معارضة القرآن بأفكار تتناقض معه مثل إعطاء صفات الربوبية والألوهية لغير الله، والتبرؤ من أصحاب هذه الأفكار المنحرفة من الطرفين كائناً من كان، لقطع اتهامات التكفير والتخوين، وما عدا ذلك يكون من خصوصيات كل جهة.   

[email protected]