استشراء الفساد الإداري والمالي في العراق بعد الغزو الأمريكي للعراق
21 شعبان 1429
سارة علي
ما أن احتل العراق من قبل القوات الأمريكية المحتلة حتى استشرى الفساد في كل مفاصل الدولة العراقية حتى غدا العراق من الدول المتقدمة ليس على صعيد تطور الدول بل في المراتب المتقدمة في انتشار الفساد المالي والإداري بين مفاصل ومكونات الدولة العراقية وصنفته منظمة الشفافية الدولية في هذه الدرجة المتقدمة من بين 169 دولة وهذا ليس غريبا لان أية دولة تحتل تكون الغاية من قبل المحتل هي السيطرة على موارد البلاد ونشر الفساد في الدولة لكي تسهل عملية سيطرتها وتمكينها من الدولة المحتلة ولا يمكننا هنا حصر حالات الفساد الأخلاقي والمالي والإداري في عراق اليوم، ولكننا سنمر على بعض حالات الفساد في مجالات مختلفة؛ لأننا نعتقد إن الحال الفاسد في العراق أثقل كاهل المواطن العراقي الذي بات يشعر بالإحباط نتيجة لما يلمسه من واقع استشراء الفساد الأخلاقي والمالي والإداري ونهب خيرات العراق إلى جيوب المحتل وأذنابه .
 
لقد باتت فضيحة الفساد الإداري والمالي على مستوى عالٍ لايمكن تجاهله لذا تم تأسيس مفوضية النزاهة العراقية لمتابعة حالات الفساد المنتشرة في الأصعدة المالية والإدارية في الدولة العراقية, و الهيئة وصلت إلى تشخيص بعض حالات الفساد وعزتها إلى التضارب بين الصلاحيات في المؤسسات، فعلى سبيل المثال تضارب الصلاحيات بين مجالس المحافظات والمجالس البلدية وبعض الوزارات، وهذا يتطلب إعادة تسمية الصلاحيات وتقسيمها.
فضلاً عن ذلك تشير مفوضية النزاهة أيضا إلى أن الأسباب الحقيقية تعود إلى إن المؤسسات العراقية هي مؤسسات فتية تشكلت بعد الحرب الأخيرة، وهي بذلك غير ناضجة بما فيه الكفاية، الأمر الذي أدى إلى استشراء الفساد فيها.
أيضاً الكثير من العقود قام بتنظيمها وتوقيعها عناصر خارج صلاحيتهم المحددة في القانون، فنرى مثلاً مسؤولاً صلاحياته 100.000.000 دينار يوقع على عقود تصل قيمتها إلى 170.000.000 دولار,إلا أن ما يحدث الآن هو ليس لامركزية، وإنما منح إفراد صلاحيات مالية وإدارية كبيرة ، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية للفساد الإداري والمالي الذي وصل حداً لايمكن السكوت عليه، فحسب ما أشارت إليه مفوضية النزاهة إن أكثر من (1700) قضية فساد تم إحالتها إلى القضاء.....
كذلك لا توجد خطط مسبقة لدى الوزارات تتعلق بتحديد الاحتياجات والأولويات والتخصصات اللازمة لتلك الخطط. وفي بعض الوزارات كثير من العقود تم إجراؤها بدون اعتماد أسلوب المناقصات
إضافة إلى تولي الكثير من العناصر التي لا تملك انتماءً وطنياً للعراق وشعبه إنما انتماءاتها خارجية، ولتحقيق أهداف وطموحات لجهات خارجية تريد النيل من العراق فضلا عن كونها غير كفؤة أو لا تتمتع بخبرة وتحصيل أكاديمي ,وهذه النماذج اليوم هي من تحكم العراق ومقدراته ومسيرة من قبل الأجندة الأمريكية .
لقد قدم رئيس الهيئة العامة القاضي راضي الراضي ( الذي طلب اللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية بسبب تقديمه لملفات كثير من مسئولي الدولة العراقية عن عمليات الفساد المالي والإداري في العراق )تقريرا يبين أن القيمة التقديرية لأموال الهدر والفساد الإداري والمالي في العراق  تبلغ ثمانية مليارات دولاروأضاف أنه تم رفع دعوى أمام المحكمة الدستورية لإلغاء المادة رقم 136 التي وصفها بأنها معرقلة لأنها تنص على عدم إحالة المتهم إلا بموافقة الوزير المختص.
وأوضح أن قيمة الأموال التي أهدرت بسبب هذه المادة تبلغ سبعين مليار دينار (55 مليون دولار) .
ولا تزال التقارير والقضايا التي قدمتها هيئة النزاهة لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ.
إن من الأمور التي تبين حجم الفساد الإداري والمالي هي العقود الوهمية في العراق حيث يتم تخصيص مبالغ لأجل إعادة القطاع التعليمي مثلا ويصار الأمر إلى بعض المقاولين الذين هم في الحقيقة متعاونين مع بعض المسئولين في تلك الوزارة وعليه فبدلا من أن يتم بناء وتجهيز مدرسة بمواصفات معينة تستبدل المواصفات بما هو اقل جودة ويذهب الباقي إلى جيوب الوزير والمسؤولين في الوزارة وبعض الموظفين والمقاولين، علماً أن مثل تلك المقاولات هي بأعداد كبيرة وبأموال كبيرة أيضاً .
أما وزارة الداخلية فتحتاج وحدها إلى ملف خاص بها ومن جملة الفساد الإداري والمالي الحاصل في تلك الوزارة، حيث يتم احتجاز الكثير من المواطنين على أنهم إرهابيون ويتم تقديم إحصاء عن طلب تجهيزات ل 20 ألف سجين مابين ملابس وأغطية وغذاء ويصار إلى قتل عدد كبير منهم ورميه بالشوارع والمزابل وتبقى المخصصات تصرف وتذهب إلى جيوب المسئولين بتلك الوزارة .
أما الفساد المالي الأكبر فهو الحادث في وزارة المالية فمع ارتفاع سعر برميل النفط وبما أن العراق من ضمن الدول المنتجة للنفط فقد حصلت وفرة مالية كبيرة في الميزانية العراقية لهذا العام وهذا ما صرح به باقر صولاغ ( وزير المالية العراقية وابن خالة السفير الإيراني بالعراق ) وقال إن الميزانية العراقية تبلغ أكثر من 41 بليون دولار ثم يعود ويقول إن العجز المالي في العراق لهذه السنة أكثر من 7 بليون دولار أي إن على الأقل ما مقداره 7 بليون دولار من ميزانية العراق سوف تتحول إلى حساب صولاغ ومن يسانده ويدعمه وليس ذلك فقط ، بل إن الكثير من الوزارات ودوائر الدولة تقدم كشوفات بأعداد موظفين فيها أكثر من نصف العدد هو عدد وهمي وليس حقيقي وهذه الكشوفات تقدم من قبل وزارة المالية , مثلاوزارة حقوق الإنسان، فلقد قال الوزير ( بأن في وزارة حقوق الإنسان 1,227 موظفا) ولكن عندما ذهبت مجموعة صغيرة من البرلمانيين العراقيين إلى وزيرة حقوق الإنسان، وسألوها بصورة غير مباشرة عن عدد موظفيها في الوزارة قالت ( لدي في الوزارة 350 موظفا فقط) فلم يكتف صولاغ ب( 7 بليون و600 مليون دولار ومعهم 2 تريليون دينار عراقي) بل جاء ليضيف عددا إضافيا لموظفي الوزارات، ولهذا ففي وزارة حقوق الإنسان لوحدها هناك 877 موظفا مزورا ( فالصو) يستلم نيابة عنهم الوزير نفسه. 
وفي الوقت الذي يشهد فيه العراق ارتفاعا بنسب البطالة تصل إلى أكثر من 78 % من أبناء الشعب العراقي تجد فيه إن راتب البرلماني في البرلمان العراقي يصل إلى حوالي 20 ألف دولار ناهيك عن المخصصات والحوافز وتخصيص 10 أشخاص لحمايته والكثير من المنح والمميزات .
أما الوزراء فلا يقلون عن أعضاء البرلمان إضافة إلى إن رئيس الوزراء يملك من المستشارين مالا يملكه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حيث يملك المالكي حوالي 24 ألف مستشار اغلبهم من حملة الجنسية الإيرانية ومن أقارب المالكي وأتباعه، ويتقاضون رواتب عالية جدا لا يمكن تخيلها إضافة إلى عمليات النهب والسرقة المستمرة من ثروات شعب العراق ومقدراته.
وما بين تردي حالة الخدمات والبنى التحتية في العراق وظروف المواطن العراقي الصعبة من انعدام الأمن والخدمات العامة وعدم وجود الماء والكهرباء , تظهر لنا الطامة الكبرى عندما أعلن علي الدباغ الناطق باسم نوري المالكي أن الحكومة وافقت من حيث المبدأ على "استثمار مبلغ 100 مليون دولار لبناء فندق فخم في المنطقة الخضراء بعد أن وافقت هيئة الاستثمار الوطنية العراقية على قيام مجموعة سوميت غلوبال باستثمار ما يقرب من 100 مليون دولار أمريكي في العراق لبناء فندق 5 نجوم . وإن العراقيين لا يحق لهم العمل في بناء الفندق واخذ أية مقاولة فيه لكن يحق لهم لاحقا المشاركة في إدارته الخدمية . ويقع الفندق بجانب قصر عدنان خير الله ، عند تقاطع شارع الزيتون وطريق القادسية السريع في المنطقة الخضراء,  والأرض التي سيبنى عليها الفندق مملوكة لوزارة المالية، وقد استكملت إجراءات إيجارها وبالأسعار التي تحددها الوزارة من اجل بناء الفندق وإدارته من قبل مجموعة سوميت غلوبال و    يتم حاليا افتتاح فرع لمجموعة سوميت غلوبال في بغداد و   تضم مجموعة سوميت غلوبال مستثمرين عراقيين من الصف الأول من السياسيين الحاكمين وأميركيين .
 
وسيمول الفندق الذي يتكون من 300 غرفة عالمية المعايير مع قاعة كازينو للعب القمار من قبل مستثمرين أمريكيين وعراقيين ودوليين، على حد زعم الدباغ.. وأوضح الدباغ أن الفندق سيجتذب الزوار العراقيين ومن البلدان المجاورة والعالميين بمتاجره وقاعات المؤتمرات والمعارض , يذكر أن رجل الأعمال الأمريكي مارتن إسنستادت الذي يشغل منصب مستشار المرشح للرئاسة الأمريكية جون ماكين كان في زيارة للعراق مؤخرا، وأكد أن الفندق سيتضمن كازينو للعب القمار على غرار ملاعب القمار الموجودة في مدينة الملاهي الأمريكية لاس فيغاس. وأكد إسنستادت الذي استضافته مؤخرا الحكومة العراقية أن المشروع يستهدف استقطاب العملة الصعبة الهائلة التي توافرت في المنطقة الخضراء من الجنود الأمريكان ورجال الأعمال المتواجدين في المنطقة. وتعهد بأن يوفر الفندق فرص عمل للشابات العراقيات كمنظفات في غرف الفندق مما سيحسن الوضع الاقتصادي للعراقيين, وأن زوار الفندق من الأغنياء سيغدقون "بالبخشيش" على الخدم العراقيين, وسوف يطلق عليه اسم مركز ثقافي لكي لا تثير حفيظة البعض من كونه ناديا للقمار , فما أروع التطور والعمران الذي يشهده عراق اليوم في ظل الاحتلال الأمريكي ومن جاء معه على الدبابة الأمريكية .