ديمقراطية الأقلية على الأغلبية!
16 شعبان 1429
ياسمينة صالح
1: موريتانيا:
الكثير من التحاليل التي تطرقت إلى الانقلاب الموريتاني الأخير جانبت الحقيقة في بعض الأحيان و إن كانت مجملها أكدت أن الانقلاب الذي أدانه المجتمع الدولي و الجامعة العربية و منظمات أفريقية رسمية لم يكن عفويا، حتى و نفس المجتمع الدولي و نفس الجامعة العربية و نفس المنظمات الإفريقية تبدو غير "خائفة" اليوم على الديمقراطية في موريتانيا؛ لأنها ستبقى في الحفظ و الصون تحت قبة المجلس العسكري!
 
فالمسألة التي تبدو اليوم عادية بعد أن كانت خطيرة و غير مستساغة أن موريتانيا نفسها التي عودتنا على الانقلابات السياسية و العسكرية تبدو على المحك على الصعيدين الاجتماعي (استفحال الفقر وعودة غير مسبوقة إلى الرق) وعلى الصعيد السياسي إزاء موجة الاعتقالات التي طالت العديد من الفعاليات الموريتانية أولها الإسلاميين لأنهم "إرهابيين" بالفطرة على حد تعبير الديمقراطيين الذين يتباكون على حقوق الحمير و الكلاب و يغضون البصر على كل الفظائع التي تلحق بالإنسان العربي من المحيط إلى الخليج!
 
لهذا سكوت الجميع اليوم، والتصريح الذي جاء على لسان دبلوماسيين عرب من الجامعة العربية بأن " الديمقراطية" في موريتانيا ليست في خطر، لا يمكن اعتباره تطمينا على مصير الديمقراطية الغالية التي صار الجميع يذرف الدموع لأجلها بسبب و بلا سبب، بل تعني أن الانقلابات العسكرية لا يقوم بها بالضرورة العسكر، بل تحدث وفق أجندة أجنبية بالخصوص و أن موريتانيا التي صنعت الحدث عندما تنازل رئيسها السابق على الحكم للتداول على السلطة، بدت للعالم وكأن هذا البلد هشا، بحيث أن التنازل عن السلطة لخيار الشعب كارثة لم تعرفها الأنظمة العربية من قبل، و بالتالي قد تتكرر تجربة الجزائر من جديد لو أعطي للشعب حق اختيار رئيسه و قد يختار رئيسا من حزب إسلامي قادر على إقامة جمهورية إسلامية بالمعنى الشمولي و هو ما يبدو للغرب (فرنسا و أمريكا) أمرا خطيرا و غير مقبول.
 
لهذا نتساءل بصدق و عفوية لو أن الانقلاب الذي حدث في موريتانيا قاده تيار إسلامي هل كان العالم سيصمت كما صمت؟ الدول العربية المجاورة نفسها كانت ستحاصر موريتانيا للانقلاب على الإسلاميين الذين تعدهم خطيرين، ليس على الشعب، بل على الديمقراطية التي تعني ببساطة حكم الأقلية على الأغلبية ! أليست هذه هي الحقيقة؟ أجدعها دولة تتكلم عن الديمقراطية اليوم يسود فيها حكم الأقلية على الأغلبية و بحدة الضغط الذي لن يولد الانفجار، لأن بعبع الإرهاب صار جاهزا يمكن ربطه بأي شخص أو أية جهة أو بلد، و لهذا اجتمع الجميع على أن ديمقراطية موريتانيا بخير و أن الانقلاب ليس أكثر من "ثقافة" التداول على الحكم في العالم الثالث، كما وصفته جريدة اللوموند الفرنسية بعبارة: طالما لم يأخذ الحكم تيار إسلامي أو موالي إلى الإسلاميين فالأمور غير مقلقة باعتبار أن العقيد الذي أطاح بالرئيس الموريتاني من أشد المعارضين لحكم إسلامي في البلاد. إذا موريتانيا بخير طالما لم تطلق رصاصة واحدة أثناء الانقلاب، تقول الصنداي البريطانية بكل خبث، طالما الأجندة الغربية في تلك البقعة من إفريقيا مستمرة، تنصيب قاعدة أمريكية بحجة " حماية الدول" من خطير القاعدة (نكتة سياسية طبعا) !   
 
2: الأغلبية الشيعية في المغرب !
قد تكون النكتة الجديدة التي أطلقها من يسمي نفسه " حجة الله" هاني إدريس (المفكر المغربي الشيعي) لا تعدو فقاعة صابون كبيرة و كبيرة جدا في هذا الوقت بالذات، في هذه المرحلة، ليس لأنه اعترف أنه على علاقة جيدة بحزب الله، و بالرئيس الإيراني و شخصيات دينية إيرانية كثيرة وانه درس المرجعيات الشيعية و تقرب من الحوزة، فهذا حقه في أن تكون له علاقات مع من يشاء و يدرس حوزات من يشاء ! لكن الصدمة أن يدافع عن أطروحة لا يؤمن بها المغاربة أنفسهم، و يقول بالفم المليان أن المغرب شيعي و أن السنة مجرد استثناء لا أكثر و لا أقل، و هو التصريح الذي أثار جملة من الردود الغاضبة ليس من الشخصيات الدينية في المغرب فقط، بل من المواطنين البسطاء في المغرب و الذين اعتبروا تصريحات المفكر المغربي هاني إدريس خطيرة جدا و لا أساس لها من الصحة، و تزييفا تاريخيا لماهية دولة المرابطين التي أقيمت في المغرب في القرن الخامس عشر، وتلاعبا خطيرا بمستقبل منطقة مغاربية ليست بمنأى من الانقسامات المخططة لتجزئة الجزء و تجيء الأجزاء قبالة تحريض آخر يقع في الجزائر إزاء مطالبة المسيحيين الجدد من المجتمع الدولي أن يحميهم من "الإرهابيين السنة" ! ما يجري أخطر من الوصف، لأنه مخطط ساهمت فيه الأنظمة القائمة التي استهلكت كل الوسائل الساقطة للتواجد والبقاء، مثلما استهلكت الخطب الرنانة غير المجدية وعجزت حتى على إقناع الشعوب أنها شرعية التواجد ليس كأنظمة، بل على كوكب الأرض أيضا، باعتبارها تحولت إلى أنظمة باطلة جملة و تفصيلا.
 
ما كنا نخاف منه في السابق حصل، فقد نبهنا في الكثير من المرات أن استفحال الفقر والظلم الاجتماعي و سيطرة الأقلية الغنية على الأغلبية الفقيرة سوف يفتح الباب إلى شروخات اجتماعية وثقافية كبيرة و دينية أيضا، منذ فتحت السفارة الفرنسية في الجزائر إبان التسعينات باب التجنيس للجزائريين المولودين في 1962 (و هي سنة الاستقلال الجزائري !) ومنذ انتشرت الجمعيات التبشيرية ـ تحت سقف المساعدة الاجتماعية ـ و تحولت إلى جمعيات علنية تحاول شراء ذمة الناس مقابل 5000 أورو ! و الحال أنه في ظروف اجتماعية كتلك التي يعيشها البسطاء في دولة مثل الجزائر (دولة النفط و الغاز) الأغلبية تعيش تحت الخط الأحمر من الفقر و الأقلية تنعم بإيرادات النفط و تتنزه به في عواصم العالم، فلم يكن صعبا على ضعفاء النفوس أن يرتدوا عن الدين مقابل 5000 أورو، و إغراءات كثيرة تصل إلى حد مساعدة المرتد في الحصول على وظيفة و زوجة و مسكن، وهي المطالب التي يطالب بها أغلب الشباب في دولة بلغت إيرادات بترولها وغازها ملايير الدولارات !  
 
اليوم نحذر أن يتحول الفقر المتزايد في دول المغرب العربي إلى بوابة لتشييع المنطقة، مقابل حفنة من المال و من الوعود التي لن تختلف عن تلك التي منحتها الكنيسة إلى المنصرين الجدد في كل من الجزائر و تونس والمغرب بأنهم يحملون المواطنة المسيحية الكاملة ! أي أنهم سيدخلون الجنة (أوربا) بأوراق جديدة و أسماء جديدة و ديانة جديدة، و لن ينظر إليهم كإرهابيين، بل كمسيحيين مسالمين و رائعين !فأمام الأرقام التي نقلتها الصحف فإن عدد المنصرين في الجزائر وحدها فاق ال100 ألف في ظرف زمني قياسي، و عدد المشيعين في المغرب يزداد أيضا و قد وصل حسب أرقام نشرتها صحف محلية إلى 10 آلاف، في ظرف قياسي أيضا، و هذا يعني باختصار أننا أمام بوابة أخرى من الانقسامات باسم " الأغلبية و الأقلية" و من ينتصر فيها على من؟ قبالة أنظمة ماجنة همها الوحيد في النهب و أكل مال الناس بغير حق! و اللهم إني بلغت.