الصبر مع أهل الإيمان والطاعة (1/2)
16 شعبان 1429
انجوغو مبكي صمب
أولا: مقدمة في معنى الصبر وأنواعه.
المعنى اللغوي للصبر يتردد بين ((الحبس، والكف، و المنع، ومنه: قتل فلان صبرا إذا أمسك وحبس، ومنه قوله تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}: أي احبس نفسك معهم)).
 
وأما الصبر في الاصطلاح فهو: ((حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش)). والصبر على ثلاثة أنواع وهي:
1- الصبر عن المعصية: وذلك ((بمطالعة الوعيد إبقاء على الإيمان وحذرا على الحرام، وأحسن منها الصبر عن المعصية حياء...))  ومن مظاهره ترك كبائر الذنوب والمعاصي من: زنى، أو شرب خمر، أو تعاطي ميسر، أو سماع غناء، أو نظر إلى حرام، و الترفع عن الشبهات ك: حلق اللحية مثلا , أو مصافحة الأجنبيات، أو التدخين، و كلها من المحرمات في الشريعة الإسلامية على الراجح من أقوال العلماء لا يقترفها أهل الورع و الاستقامة في الدين. ويدخل فيه أيضا ترك البدع والمحدثات في الدين لقوله صلى الله عليه وسلم (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )
 
2- الصبر على الطاعة: ويكون ب ((بالمحافظة عليها دواما، وبرعايتها إخلاصا، وبتحسينها علما)). وأحب الطاعات إلى الله بعد الإيمان بالله فرائض الإسلام وأركانه من: صلاة، وزكاة، وصيام، وحج، و التقرب إلى الله تعالى بالنوافل من العبادات، لما في الحديث القدسي من قول الله تعالى فيما رواه رسوله صلى الله عليه وسلم (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال
يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، وإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله الذي يمشي بها، فإن سألني عبدي أعطيته، وإن استعاذني أعذته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأكره مسائته)
 
3-  الصبر في البلاء: وذلك ((بملاحظة حسن الجزاء، وانتظار روح الفرج، وتهوين البلية بعد أيادي المنن، وبذكر سوالف النعم)). وهذا النوع من الصبر هو الإكسير الذي يقلب كل ما يصيب المؤمن من شر إلى خير له في الدنيا والآخرة، فيؤجر على مصابه، ويهون عليه بلائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).

ثانيا: أهمية الصبر مع أهل الإيمان والطاعة:
الصبر مع أهل الإيمان والطاعة فرع من الصبر على طاعة الله تعالى، إذ لا يتصور من العبد أن يكون صابرا على الإيمان و على فعل الخير ثم يعتزل المؤمنين الطائعين فلا يخالطهم ولا يصبر على من يصدر منهم من أذى كضرورة من ضرورات الصحبة والرفقة، كما أن من فروع الصبر عن المعصية ترك أهلها وهجرانهم إلا لضرورة شرعية أو حياتية.
 
وهذا النوع من الصبر المطلوب يعم الصبر مع جميع أهل الاستقامة من العلماء والأمراء، ومن الأفراد و الجماعات، وذلك لقوله تعالى { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .
 

فعقيدة الولاء و البراء تفرض على المسلمين موالاة بعضهم لبعض وتعاونهم للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء تجسد ذلك في شكل جماعة أو حركة منظمة تقوم بواجب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، أو كان على أي شكل آخر من أشكال التناصر والتعاون المختلفة.
وفي الحديث النبوي الشريف (الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله قال: لله ورسوله
ولأئمة المسلمين وعامتهم)، والنصيحة وهي مظهر من مظاهر الموالاة حق لجميع المسلمين و ليست حكرا على فرد ولا جماعة ولا حزب أو مذهب أو دولة. ومما يدل على أهمية الصبر مع أهل الإيمان.

يتبع....