المالكي والإعلام "التحريضي"
16 شعبان 1429
د. جاسم الشمري
الإعلام هو السلطة الرابعة في العالم، ومن حق وسائل الإعلام - ووفق القوانين المعتبرة دولياً ـ أن تنقل الأحداث بموضوعية وحيادية، وهذه هي ميزة الاعلام المحايد . وقبل أيام شن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هجوما شديد اللهجة على ما اسماه "الاعلام الطائفي" والذي يهدف بحسب وصفه إلى تقويض أسس الدولة عبر التحريض على الفتنة ؛ وأشار المالكي ـ أثناء زيارته لشبكة الاعلام العراقي الحكومية ـ إلى ضرورة عدم تعارض الحريات المفتوحة لوسائل الاعلام مع النظم المجتمعية والأخلاقية، وضرورة ابتعاد وسائل الإعلام عن التشهير.
 
والإعلام العراقي قبل الاحتلال وكما هو معروف للجميع – كان إعلاما موجها من قبل الدولة ـ وهو على الرغم من ذلك لم يكن إعلاما طائفيا، لأن هذا النفس لم يكن في حسابات النظام العراقي السابق. وبعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 حدثت ثورة إعلامية وانفجار عنيف من حيث عدد الصحف والقنوات الفضائية ؛بالضبط كما هو حال الشارع العراقي بعد الاحتلال.
 
وفي يوم 23/5/2003 قرر (رئيس الإدارة المدنية الأمريكية في العراق) بول بريمر، قرارا ألغى فيه عدة وزارات ومؤسسات عراقية وأعلن بأنها غير شرعية، حسب تعبيره؛ومن بين الوزارات والمؤسسات التي تم حلها الحرس الجمهوري، ووزارتا الدفاع والإعلام، واللجنة الأولمبية، والمحاكم العسكرية والأمنية.
 
والإعلاميون الذين تم طردهم من وظائفهم وبلا احتساب لأي رواتب تقاعدية لهم ـ باستثناء نسبة قليلة منهم قيل انهم استلموا رواتب تقاعدية قبل عام تقريباً ـ هم أناس أكفاء عرفوا بمهنيتهم ـ بغض النظر عن كون الإعلام موجها أو غير موجه ـ ثم تمت التعيينات،في العراق الديمقراطي، على أسس طائفية مقيتة،ومنها تعيين حبيب الصدر مديرا لشبكة الإعلام العراقي .
 
وأظن أن رئيس الوزراء يقصد من وراء هذه التصريحات القنوات الفضائية ووسائل الاعلام التي لا تسير في الركب الأمريكي  في العراق والتي تتحدث عن حقيقة الواقع السيئ في البلاد المتعلقة بالجهات الخدمية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية .
 
وحتى تكون طروحاتنا موضوعية سأذكر لرئيس الوزراء العراقي بعض القنوات الفضائية الطائفية التابعة لحزبه والتيارات المدعومة من قبله :
 
1-              قناة الفرات، وهي قناة طائفية تابعة للمجلس الأعلى الإسلامي التابع لعبد العزيز الحكيم .
2-              كربلاء، وهي قناة طائفية تمول من قبل مجلس محافظة كربلاء .
3-              العهد، وهي قناة تابعة للتيار الصدري .
4-              ألآفاق قناة حكومية طائفية تمولها حكومة المالكي.
5-              المسار قناة تمول من قبل المالكي شخصياً وهي تابعة لحزب الدعوة تنظيم العراق.
6-              بلادي قناة طائفية تابعة لإبراهيم الجعفري .
7-              السلام قناة طائفية مسؤول عنها حسين الصدر .
8-              هذا بالإضافة إلى مجموعة الإعلام العراقي الموجه التابع للحكومة ومنه القناة العراقية التي عرفت بعدم حياديتها وتسويقها للحكومة عموما وللمالكي خصوصاً.
 
ومما لا شك فيه، ان هذه القنوات غير مشمولة بتهديدات رئيس الوزراء العراقي،وانما يقصد بتهديداته قنوات حُددت من قبل الولايات المتحدة،ومنها قناة الرافدين الفضائية و قناة الزوراء التي عرفت بنشرها للعمليات العسكرية ضد الاحتلال الأمريكي في العراق؛وغيرها من القنوات التي لا تداهن ولم تقبل الإغراءات المادية المستمرة من جهات حكومية عديدة،وبقيت ثابتة وصامدة على موقفها الوطني الرافض للاحتلال وللعملية السياسية.
إن الطائفية في العراق لم تظهر بالشكل الواضح الموجود على الساحة ـ إلا بعد أن جاء الطائفيون على ظهور الدبابات الامريكية ـ وحينها عملوا بكل ما لديهم من وسائل خبيثة لتدمير البنية والنسيج الاجتماعي العراقي، ولا أظن انهم سيفلحون في نهاية المطاف.
على العموم أن الإعلام المحترم، هو الذي ينقل الصورة بلا رتوش وبموضوعية، ولا أظن ان هذه الصفة موجودة في القنوات الممولة من قبل الاحتلال والحكومة، حيث إن ديدنها هو تزييف الحقائق، ومحاولة قلب الموازيين حتى صارت تسمي المقاومة ارهابا وتمسي الدفاع عن الوطن والوقوف بصدق مع الحالة الوطنية تطرفا، فإذا كانت المقاومة ارتابا وتطرفا، فماذا نسمي الارتماء في أحضان المحتل، غير الخيانة والسقوط في مزابل التاريخ ؟!
كان الأولى بالمالكي ان يحث قنواته المأجورة على نبذ الطائفية ونقل الحقائق كما هي، بعيدا عن التزييف والتزوير، لا أن يتهجم على رجال الكلمة الصادقة من الذين وقفوا ضد الاحتلال وأعوانه، ولا أظنه سيفعل ذلك في يوم من الأيام؛ لأن الإناء ينضح بما فيه .