الأنثراكس وعلامات استفهام كبيرة!!
10 شعبان 1429
د. ياسر سعد
الأخبار التي أفادت بانتحار العالم ألأمريكي بروس إيفينز, إثر اشتباه أجهزة الأمن في إرساله رسائل الجمرة الخبيثة (الأنثراكس ) عام 2001, وذلك قبيل توجيه اتهامات رسمية له, تعيدنا بالذاكرة إلى أحداث سبتمبر وملابساتها. تلك الأحداث التي كانت وستبقى مدار مناقشات وتفسيرات متضاربة في تفصيلاتها وأهدافها وتبعاتها. ومن بعد في استفادة الإدارة الأمريكية من أجواء الرعب التي خلفتها شعبيا, لشن حروب أسفرت عن ملايين الضحايا واحتلال العراق وعودة الشركات الأمريكية النفطية إليه وبيعه صفقات وأسلحة بمليارات الدولارات.
بعد أحداث سبتمبر ساد أمريكا جو من الرعب والغضب الشديدين. بعدها بأسبوع بدأت موجة إرهابية جديدة ومرعبة تضرب البلاد, عنوانها الأنثراكس والتي وصلت لمكاتب مايكروسوفت وللكونغرس الأمريكي مرات عدة وإلى مكتب زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ توم داشل, بل ووصلت حتى إلى بعثات دبلوماسية أمريكية في الخارج. وبعد وفاة اثنين من عمال البريد من جراء إصابتهم بالأنثراكس, ساد جو من القلق في الولايات المتحدة مما حدا بمجلس النواب إلى إصدار قانون لمكافحة الإرهاب يمنح أجهزة الأمن مزيداً من حقوق مراقبة الاتصالات الهاتفية وعبر شبكة الإنترنت، ويشدد عقوبات المحاكم ضد الإرهابيين ومن يدعمهم.
(وزير الدفاع الأمريكي) رونالد رامسفيلد أعرب في 25/9/2001  عن قلقه من احتمال تعرض بلاده لهجوم كيماوي أو بيولوجي من قبل إرهابيين مرتبطين بدول كالعراق وسورية وكوريا الشمالية. بعدها بنحو أسبوعين صرح نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني إنه ربما كانت هناك صلة بين ظهور الأنثراكس وشبكة بن لادن, وقال: "اعتقد أن الشيء الوحيد الذي ينم عن مسؤولية هو المضي قدما وفي بالنا فكرة أن يكون هناك ربطا ما بين الأمرين". وبدا أن الإدارة الأمريكية أرادت الاستفادة من الغضب والقلق الشعبي بعد أحداث سبتمبر للتمهيد لغزو أفغانستان, ومن الخوف والهلع جراء إرهاب الأنثراكس لغزو العراق والذي كان يُتهم بتطوير أسلحة الدمار الشامل وباستخدامه للأسلحة الكيماوية ضد خصومه المحليين, بل وبعلاقاته المزعومة بالقاعدة وعلى الأخص بمحمد عطا أحد المنفذين المفترضين في الهجوم على برجي التجارة في نيويورك.
 بعد تلميحات من مكتب التحقيقات الفيدرالية من أن مصدر الأنثراكس قد يكون محليا, تراجع الاهتمام بالمسألة إعلاميا في الولايات المتحدة بشكل مفاجئ وكبير. في ديسمبر 2001, قالت صحيفة الواشنطن بوست إنه تم العثور على أدلة علمية تبين أن مادة الأنثراكس المستخدمة مصدرها الجيش الأمريكي, وأن علماء أمريكيين اجروا اختبارات جينية عليها, فتبين أنها طُورت في منطقة فورت ديتريك قرب واشنطن. غير أن الجيش والاستخبارات المركزية الأمريكية نفوا ذلك بشدة, وقال ناطق باسم الجيش إن مراكزه البحثية لا تملك القدرات اللازمة لتحويل الأنثراكس إلى مسحوق كالمستعمل في الهجمات المختلفة.
في أغسطس 2002, أعرب البروفيسور دون فوستر (الخبير بمكتب التحقيقات الفيدرالي) في تصريح للإذاعة البريطانية عن اعتقاده بان هجمات "الأنثراكس" نفذها أحد كبار العلماء العاملين في المشاريع الأمريكية الخاصة بالدفاع البيولوجي. وقال فوستر إنه نجح في تحديد هوية اثنين من المشتبه بهم عملا لوكالة الاستخبارات المركزية والمعهد العسكري للأبحاث الطبية وشاركا في عمليات عسكرية أخرى ذات طابع سري. فوستر قال إن منفذ الهجمات يتمتع على الأرجح بحس وطني قوي وإنه أقدم عليها بغرض إظهار عدم استعداد البلاد للتصدي للإرهاب البيولوجي, وإن تلك الوطنية التي في غير محلها حققت نجاحا فقد قامت الحكومة بتحويل ملايين الدولارات لإنفاقها في الأبحاث. وقدر فوستر بأن الجاني لن يقدم على تنفيذ المزيد من الهجمات لأنه حقق ما كان يهدف إليه بالفعل.
فوستر أعرب عن مخاوفه من وجود عوائق تحول دون جمع المزيد من المستندات الهامة اللازمة للتحقيق حتى يمكن التوصل إلى شخصية الجاني, وأشار إلى أن كون المشتبه فيهما كانا يعملان لوكالة الاستخبارات المركزية يصعب من المسألة حيث ينظر لها ومكتب التحقيقات الفيدرالي على أنهما خصمان. وقال: "إنه أمر محبط للغاية فالطبيعي عندما أطلب مثل هذه المستندات أجدها موجودة على مكتبي في اليوم التالي مباشرة ولكنني أخشى أن مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي لا يحظون بالتعاون التام سواء من السي اي ايه والجيش أو حتى الشهود الذين قد يدلون بمعلومات هامة في هذه القضية."
بعد عدة سنوات اكتشفت السلطات المسؤول عن حملة الأنثراكس، والتي استخدمت في حشد التأييد للحرب ضد "الإرهاب", وفي محاولة الربط بينه وبين والعراق المتهم بتطوير أسلحة كيماوية. مؤخرا قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، روبرت مولر لقناة "سي إن إن" أن "تقدما كبيرا" تم تحقيقه في التحقيقات. وقبل أن يُحقق مع المتهم ليعرف العالم دوافعه وهل هناك من يقف وراءه, انتحر بظروف غامضة, ليزيد المسألة غرابة وإبهاما!!!
الدكتور بروس إيفنز –المتهم المفترض- عمل على مدى الأعوام الثمانية عشر الأخيرة في معهد البحوث الطبية الخاصة بالأمراض المعدية وبحوث الدفاع البيولوجي التابع للجيش الأمريكي في فورت ديتريك بولاية ماريلاند, بل إن الرجل ساعد مكتب التحقيقات الفيدرالي بصفته عالما بيولوجيا خلال التحقيقات التي أجراها المكتب لتحديد مصدر الرسائل التي كانت تحتوي على الجمرة الخبيثة.