الاتفاقية الأمريكية على العراق... طويلة الأمد
8 شعبان 1429
سارة الشمري

في كل دول العالم والمتعارف عليه إن الاتفاقيات التي تعقد مابين دولتين أو أكثر وكل دولة منهم  تتمتع بسيادتها الوطنية وتملي على الجانب الآخر شروطها وبنودها بما يحقق مصلحة تلك الدولة, ولا يشك أي إنسان إن الاتفاقية التي تزعم أمريكا عقدها وتمريرها على العراق هي لتحقيق مكاسب مادية وسياسية كبيرة للجانب الأمريكي على مصلحة العراق وشعب العراق .

السؤال لماذا هذا الضغط والإلحاح الأمريكي في الاتفاق على هذه الاتفاقية بالوقت الحالي ولماذا هي اتفاقية وليست معاهدة  هل إن أمريكا أدركت أنها لن تخرج من "المستنقع العراقي" بسلام ولذلك تملي اتفاقية على العراق لكي تنسحب بهدوء مع بقاء مصالحها وقواتها من خلال 50 قاعدة عسكرية أمريكية ؟!

وتساؤلات كثيرة يطرحها العالم عن اتفاقية استعمارية تعود بالعراق إلى الهيمنة الاستعمارية ولكن من خلال حكومة تدعي أنها عراقية.

 

لقد بدأت المفاوضات الرسمية حول الاتفاقية العراقية الأميركية المقترحة في فبراير 2008، وتقرر على نحو مبدئي التوقيع عليها في يوليو من هذا العام،ولكنها إلى الآن لم توقع على أن يتم البدء في تنفيذها مع مطلع العام  2009 م.

وترمي هذه الاتفاقية، المعروفة باسم اتفاقية وضع القوات الأميركية  على أسس قانونية لتواجد القوات الأميركية على الأراضي العراقية بعد 31 ديسمبر 2008، وذلك عندما ينتهي العمل بقرار مجلس الأمن الدولي الذي ينظم انتشارها في الوقت الراهن.

وثمة اعتقاد بأن (الرئيس الأميركي) جورج بوش يرغب في إنجاز هذه الاتفاقية قبل نهاية ولايته، ليتمكن من الإعلان عن تحقيق نصر ما بخصوص الوضع العراقي، فضلاً عن أنها تجعل من الصعب على رئيس ديمقراطي قادم سحب القوات من العراق، لأن وجودها سيغدو عندئذ مستنداً إلى تحالف إستراتيجي يرتبط بجوهر المصالح الدولية للولايات المتحدة ويعطيها الحق باستخدام الأراضي العراقية كقواعد عسكرية وحق استخدامها حتى لتخزين السلاح وانطلاقه وربما هذا الأمر شبيه بعض الشئ بالاتفاقية الأمريكية – الرومانية فقد ورد في الاتفاقية الدفاعية التي وقعتها الولايات المتحدة مع رومانيا في السادس من  ديسمبر 2005، وهي اتفاقية تم خفض سقفها كثيراً، قياساً بالمسودة الأصلية التي قدمت للبرلمان الروماني، إذ سمح النص الأولي للولايات المتحدة بتخزين مختلف أنواع الأسلحة والانطلاق من الأراضي الرومانية لشن عمليات عسكرية ضد جماعات أو دول تهدد الأمن القومي الأميركي من دون استشارة سلطات بوخارست

علماً بأن الصيغة النهائية للاتفاقية أتاحت لواشنطن استخدام خمس قواعد عسكرية في البلاد، أبرزها قاعدة "ميخائيل كوغالنيتشيانو" على البحر الأسود. وبالطبع، لم يكن اعتراض البرلمانيين الرومان السبب الوحيد في تعديل مسودة الاتفاقية، بل كذلك الضغوط التي مارستها روسيا في الخفاء والعلن, ولكن الوضع الحالي في العراق مع مساعدة كثير من الموجودين في  السلطة العراقية الحالية وتبعية القرار إلى أمريكا يجد أن العراق بموجب هذه الاتفاقية سيكون تابعاً ووسيلة لتحقيق المطامع الأمريكية ليس فقط على الجانب العراقي ولكن على مستوى العالم .

ومما تسرب من بنود هذه الاتفاقية ما ورد في الفقرة الثانية عن ضرورة أن تكون اتفاقية و ليس معاهدة. والسبب يعود في ذلك لأن توقيع وتنفيذ الاتفاقية من صلاحية الرئيس، وبوش يريد تمريرها بصلاحياته الدستورية دون عرضها لموافقة الكونغرس، والأخير يجب أن يصادق على المعاهدات وليس على الاتفاقيات ، لذلك فالاتفاقية أسهل وأسرع ولا تحتاج لإجراءات دستورية أمريكية قد تعرقل التوقيع أو التنفيذ.

أما ماورد في الفقرة الثالثة فقد نص على لا يحق للحكومة العراقية ولا لدوائر القضاء العراقي محاسبة القوات الأميركية وأفرادها، ويتم توسيع الحصانة حتى للشركات الأمنية والمدنية والعسكرية والاسنادية المتعاقدة مع الجيش الأميركي وهذا يعني ببساطة شديدة إننا   نواجه خرقاً كبيراً للسيادة العراقية لأن القرار الحاسم بيد أمريكا وليس بيد الحكومة ، فأفراد القوات الأمريكية يتمتعون بحصانة مطلقة ، ولا يستطيع القضاء العراقي محاسبتهم ، مما سيجعلهم فوق القانون ويشجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم . (ويتم توسيع الحصانة حتى للشركات الأمنية والمدنية والعسكرية والاسنادية المتعاقدة مع الجيش الأميركي )، وهذه صياغة تسمح بالتخلي عن حصانة الشركات الأمنية عند التفاوض الشكلي مقابل ضمان حصانة القوات الأمريكية ، والتي هي في الواقع من يرتكب أهم وأكثر الجرائم ضد شعب العراق.

ومن الفقرات التي تلغي سيادة وسيطرة العراقيين على مفاصل الدولة العراقية ما جاء في الفقرة التاسعة، وهي: 

سيطرة القوات الأميركية على وزارة الدفاع والداخلية والاستخبارات العراقية ولمدة 10 سنوات ، يتم خلال هذه المدة تأهيلها و تدريبها وأعدادها حسب ما ورد في المصادر المذكورة  ، وحتى السلاح ونوعيته خاضع للموافقة والمشاورة مع القوات الأميركية.

وهذا يعني تبعية أهم الوزارات في دولة مستقلة إلى دولة أخرى ويعني ببساطة إلغاء تام للسيادة العراقية في الداخل والخارج.

إن خطر هذه الاتفاقية أن وقعت لا يقع على العراق والعراقيين فحسب بل يتعداه إلى الدول العربية وحتى العالم أجمعه إذ إن الفقرة السابعة تنص على إن  للقوات الأميركية الحرية في ضرب أي دولة تهدد الأمن والسلم العالمي والإقليمي العام والعراق حكومته و دستوره ، أو تستفز الإرهاب والميليشيات ، ولا يمنع الانطلاق من الأراضي العراقية والاستفادة من برها ومياهها وجوها وهذا ما يؤكد إن العراق سيكون خاضعا برا وبحرا وجوا لأي استخدام خدمة للمصلحة الأمريكية ويمكنها استخدام ارض العراق وجوه وبحره لضرب أي مكان في العالم وتحت أي ذريعة أو مسمى .

ومما جاء أيضا في بنود هذه الاتفاقية أنه يحق للقوات الأميركية بناء مراكز الأمن ، بما فيها السجون الخاصة والتابعة للقوات الأميركية حفظا للأمن  . وهذا يمثل وجود دولة داخل دولة ومما كان يعاب على النظام السابق في العراق كثرة وتعدد سجونه أما عراق اليوم فقد بات المواطن العراقي محتارا من كثرة سجون أعضاء الحكومة ووزارتي الداخلية والدفاع ,أما سجون الاحتلال فهذه فوق الكل .

ولعل من أخطر ما جاء فيها إمكانية اعتقال أي عراقي يقوم بالإرهاب حتى لو كان رئيس الجمهورية نفسه وهذا يعطي القوات الأمريكية المحتلة حق اعتقال أي عراقي بتهمة الإرهاب دون معرفة مصيره .

 

ولعلنا نتساءل هل هناك سقف زمني لهذه الاتفاقية؟

والجواب جاء من خلال فقرة وردت بهذه الاتفاقية جاء فيها : إن السقف الزمني لبقاء القوات هو طويل الأمد وغير محدد وقراره لظروف العراق ويتم إعادة النظر بين الحكومة العراقية والأميركية في الأمر، إلا أن الأمر مرهون بتحسن أداء المؤسسات الأمنية والعسكرية العراقية وتحسن الوضع الأمني وتحقق المصالحة والقضاء على الإرهاب وأخطار الدول المجاورة وسيطرة الدولة وإنهاء حرية وتواجد الميليشيات ووجود إجماع سياسي على خروج القوات الأميركية .وهذا يعني بقاء الاحتلال الأمريكي للعراق إلى أن يشاء الله تعالى لأنها تنص على شرط الإجماع السياسي من قبل الساسة العراقيين لأجل الانسحاب والمعروف أن أكثر الساسة في عراق اليوم أن لم نقل كلهم فهم تابعون بالقرار إلى القرار الأمريكي ولا يوجد أي إجماع في أي قرار يخصهم ويخص الدولة العراقية .

ولم يكتف الأمريكان بما وضعوه ونصت عليه هذه الاتفاقية بل إن الأخطر هو مطاطية اللغة التي كتبت بها هذه الاتفاقية، وهذا يعطي للأمريكان حق التلاعب بالألفاظ لما فيه خدمة لمصالحهم وأهدافهم الاستتراتيجية في العراق والشرق الأوسط ، وهو ما كشف عنه الكاتب الأمريكي  جاريث بورتر في كتابه : : ( احذروا خدعة اللغة في الاتفاقية بين أمريكا والعراق)؛ حيث إن جاريت يكشف بوضوح حقيقة تكتيك أمريكا من خلال وضع مصطلحات وتعابير غامضة وقابلة لأكثر من تفسير لتضليل الرأي العام في العراق والكونغرس لكنها عند التفاوض ستتخذ صيغة واضحة وملزمة للعراق . ويضرب جاريت مثلا في عبارة (عمليات عسكرية مؤقتة داخليا وخارجيا مؤقتة ) فيقول: " إن التصريح بمثل هذه العمليات يسمى "مؤقتا " ولكن غياب تحديد الزمن يجعل هذا المصطلح المطمئن لا معنى له أيضا. ولكن إنكار إدارة بوش لـ" قواعد دائمة " كان خدعة لإسكات اللجان المهمة في الكونغرس الأمريكي بشأن نقاد الحرب الديمقراطيين الذين استخدموا تكرارا ومرارا ذلك المصطلح للمطالبة بالتزام قانوني حول القضية  . كذلك استخدمت الإدارة لغة غامضة من اجل أن تساعد الحكومة العراقية لبيع الاتفاقية إلى العراقيين الوطنيين الذين يعارضون وجود قواعد دائمة في بلادهم.

أمام كل ذلك يبقى الشعب العراقي مكبل الأيدي أمام التلاعب بمصيره ومقدراته ويبقى العالمين العربي والعالمي يتفرجان على ما يجري في العراق ناسين أو متناسين أن الخطر القادم لن يحل ضيفاً غير مرغوب فيه على العراق والعراقيين بل سيكون محتلا للعراق أولا ونقطة الانطلاق إلى غيره بعد ذلك .

 

 

ــــــــــــــــــــــــ


 


المصادر:

1-  عبدالجليل زيد المرهون- كاتب بحريني – الجزيرة نت .

2- صحيفة نيويورك تايمز.

3- الأستاذ صلاح المختار ( مخاطر الاتفاقية الأمريكية ) موقع المسافر.

4- شبكة البصرة .

5-  كتاب للكاتب الأمريكي جاريث بورتر ، وترجمته الكاتبة العراقية بثينة الناصري ونشر في دورية العراق وعنوانه : ( احذروا خدعة اللغة في الاتفاقية بين أمريكا والعراق).