قضية لفظ الجلالة!
3 شعبان 1429
د. محمد يحيى
في التسعينات كانت هناك ظاهرة لافتة للنظر على الساحة الإعلامية الإسلامية ولاسيما في الوطن العربي، وهي: ظاهرة الحديث المتكرر عن مدى كل بضعة أشهر حول إهانات متنوعة للفظ الجلالة.
وبدأ أناس يوجهون هذه الإهانات يتمتعون بقدرة خلاقة عجيبة وشريرة على افتعالها، إذ أخذنا نسمع عن طباعة لفظ الجلالة على نعال الأحذية والصنادل وغيرها مما يلبس في الأقدام، وعلى أصناف الملابس الداخلية ولاسيما المخصصة للنساء، وعلى أوراق الحمام وفوطه، وعلى أنواع من الأقمشة والأنسجة مما يستخدم في الأمور غير اللائقة وعلى مؤخرة السراويل الضيقة المستخدمة للإغراء إلى آخر تلك القائمة.
وكانت الظاهرة تتخذ الشكل المعروف الذي جرت على منواله أحداث الأعوام القليلة الماضية من أحداث الرسوم المسيئة وما شابهها من إهانات للرموز والعقيدة الإسلامية.
إن كان يبدأ الأمر بخبر نشر في جريدة أو بيان على لسان خطيب هنا أو هناك، ويفيدك الخبر أن هناك تدنيسًا للفظ الجلالة في متجر معين صادر عن بلد معين، وبعدها يأخذ الخبر في الانتشار والذيوع وتتصاعد المطالبات بالرد والمنع والمصادرة والاحتجاج لدى البلد أو المنتج المسؤول ثم تنتهي المسألة إلى النسيان فتعاد إثارتها مرة أخرى بالصلة إلى إهانة أخرى وهكذا.
وفي هذه الحالة لا تطرح أسئلة حول ما إذا كانت القصة حقيقية أم مفتعلة لأجل الجهاز الإعلامي الذي أطلقها كان بحاجة إلى بعض الإثارة أو إلى بعض الانتشار أو لأن الخطيب الذي أذاعها كان بحاجة إلى الشهرة وإلى جذب الناس إلى منبره.
ووسط حالة الخلط والإثارة هذه نما شيء في الأذهان ـــ حقائق منطقية عدة.
فلماذا يهتم صاحب مصنع أحذية صيني في تايوان أو البرازيل بطبع لفظ الجلالة على نعل منتجاته مثلا؟، وإذا كان قد فعل ذلك وهو لا يعلم (لأنه ربما ظن أن ذلك نوع من الزخرفة العربية التي قد تجلب الزبائن) أو فعله وهو يعلم (رغم أنه قد يؤثر على زبائنه الكثر المحتملين في العالم الإسلامي) فما هو وجه الحقيقة بالضبط فيما حدث، وهل كان يوجد مثلا تنظيم معاد للإسلام يتعمد دس لفظ الجلالة على منتجي السلع المشبوهة بعلم أو بدون علم منهم كي يستخدمهم في الهجمة على الإسلام.
كل هذه أسئلة ظلت بدون إجابات في تلك الفترة وعلى أي حال فقد خفتت هذه الظاهرة إلى حد كبير ولا تكاد تتكرر، ولعل السبب الأكبر في ذلك هو أنها قد أدت الهدف الشرطي فيها كما حدث مع ظاهرة الرسوم المسيئة في الفترة الأخيرة.
وإذا كان يمكن النظر إلى تلك الأحداث بأثر رجعي وعلى ضوء الرسوم المسيئة فإنه يمكن القول بأنه كانت تجرى في ذلك الوقت وعلى ضوء ما كان يوصف بالإرهاب والتطرف محاولة للتأثير على المزاج المنتشر بين المسلمين وعلى مدى استعدادهم للاستشهاد في سبيل دينهم إن تعرضت حرماته للأذى.

وهذا ما كان يسمى في الماضي وفي لغة الإعلام ببالونات الأخبار، كذلك كان من الواضح أنه كانت تجرى محاولة مستميتة لإبعاد أنظار المسلمين عن القضايا الحاسمة في ذلك الوقت مثل الهجمة الصربية على البوسنة والهجمة الأمريكية على الصومال وحصار العراق واشتداد وطأة الاحتلال الصهيوني بعد وضوح فشل مشاريع أوسلو ثم قضية القضايا وهي تصاعد تيار العلمنة والتغريب ووصوله إلى مناطق كانت بعيدة عنه في الماضي مثل دول الخليج وكان من السهل طرح قضية تدنيس لفظ الجلالة ولو بالباطل أو التدليس في بعض طروحاتها لإبعاد الأنظار عن تلك القضايا المهمة والأساسية للأمة بجانب استخدام تلك القضية المفتعلة في عملية إرهاق وتفريغ طاقة كبيرة على الدين في الأمة الإسلامية.