المستشار حسن أحمد عمر خبير القانون الدولي : أزمة البشير سياسية بالدرجة الأولى وليست قانونية..لو لم يكن معارضًا للولايات لما حوكم
29 رجب 1429
همة برس – خاص بالمسلم

المحكمة الجنائية ليست معنية بمسائلة البشير

الهيئات الدولية أداة لينة في أيدي الولايات المتحدة

أزمة البشير سياسية بالدرجة الأولى وليست قانونية!

قرار اعتقال البشير لمحاكمته مخالف لقواعد القانون الدولي

لو لم يكن البشير معارضًا للولايات المتحدة ما صدر ضده هذا القرار

بوش يبحث عن مبرر للتتدخل في جنوب السودان للاستحواذ على النفط

أكد المستشار حسن أحمد عمر خبير القانون الدولي أن المحكمة الجنائية الدولية ليست معنية بأي حال بمحاكمة أو مسائلة الرئيس السوداني عمر البشير لأنه بالأساس الخرطوم ليست طرفاً في المعاهدة التي أنشأت هذه المحكمة، وأن المعاهدات لا تلزم غير الموقعين عليها، ومادام السودان لم يوقع على هذه المعاهدة شأنه في ذلك شأن الغالبية من الدول العربية، فإنه غير ملتزم بأحكام المعاهدة.

وأضاف المستشار حسن عمر، الرئيس الأسبق لمحكمة الاستئناف المصرية، في حوار خاص لموقع "المسلم": أن طلب المدعي العام للمحكمة أوكامبو القبض على الرئيس عمر البشير ومحاكمته أمام المحكمة التي أنشأتها هذه المعاهدة، هو طلب مخالف لقواعد القانون الدولي، مشيرًا إلى أن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية جاء بموجب معاهدة دولية ملزمة للأطراف التي صدقت على الانضمام إليها دون غيرها، هذه المعاهدة هي المعروفة باسم نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، وقد اعتمد هذا النظام في روما في ١٧/٧/١٩٩٨ أي منذ عشر سنوات كاملة.

وقال عمر: للأسف التنظيم الدولي في المرحلة الراهنة يعيش نوعاً من التناقض في قضية السيادة، فهو من جهة يعطي حقوقًا كاملة لدول مثل الولايات المتحدة التي بدورها تدعم إسرائيل بقوة، بينما يحارب دولا أخرى بدعاوى حقوق الإنسان في الوقت الذي يغض الطرف عن عمليات الإبادة الكاملة في العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها من الدول المحتلة في شتى بقاع العالم.

 

مزيد من التفاصيل في نص الحوار:

* سيادة المستشار.. في البداية نود أن تعطينا فكرة عن المحكمة الجنائية الدولية؟

** هي مؤسسة دائمة أنشئت خارج منظومة الأمم المتحدة بموجب معاهدة دولية, وهي محكمة مكملة للمحاكم الوطنية غير القادرة أو غير الراغبة في مقاضاة مرتكبي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وقد تأسست عام 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء.

وتعمل هذه المحكمة على إتمام الأجهزة القضائية الموجودة، فهي لا تستطيع أن تقوم بدورها القضائي ما لم تبد المحاكم الوطنية رغبتها أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الادعاء ضد تلك القضايا، فهي بذلك تمثل المآل الأخير. فالمسؤولية الأولية تتجه إلى الدول نفسها، كما تقتصر قدرة المحكمة على النظر في الجرائم المرتكبة بعد 1 يوليو2002م، تاريخ إنشائها، عندما دخل قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ.

والمحكمة الجنائية الدولية هي أول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية، وبزمن غير محدد، لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الفظائع بحق الإنسانية وجرائم إبادة الجنس البشري. وهي هيئة مستقلة عن الأمم المتحدة، من حيث الموظفين والتمويل، وقد تم وضع اتفاق بين المنظمتين يحكم طريقة تعاطيهما مع بعضهما من الناحية القانونية.

ويقع المقر الرئيس للمحكمة في هولندا، لكنها قادرة على تنفيذ إجراءاتها في أي مكان، وقد فتحت المحكمة الجنائية تحقيقات في أربع قضايا هي: أوغندة الشمالية وجمهورية الكونغو الديمقراطية والجمهورية الأفريقية الوسطى ودار فور. كما أصدرت 9 مذكرات اعتقال وتحتجز اثنين مشبه بهما ينتظران المحاكمة.

وقد يخلط البعض بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية والتي تدعى اختصاراً في بعض الأحيان المحكمة الدولية، والتي هي ذراع تابع للأمم المتحدة يهدف لحل النزاعات بين الدول، لذلك لابد من التنويه إلى أنهما نظامان قضائيان منفصلان.

 

* وما هي المراحل والملابسات التي مرت بها المحكمة الجنائية الدولية حتى خرجت إلى الوجود؟

** كانت البداية بعد محكمة نورنبيرغ وطوكيو التي تأسست لمعاقبة الجرائم التي أتهمت بها الأطراف التي خسرت الحرب العالمية الثانية، حيث أعطت هذه المحكمة الحركة الساعية لإنشاء محكمة دولية للنظر في الجرائم ضد الإنسانية دفعة قوية.

وبالفعل قامت لجنة خاصة بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقديم مسودتين لنظام المحكمة الجنائية في مطلع الخمسينيات، لكنه حفظ على الرف تحت وطأة الحرب الباردة التي جعلت تأسيس المحكمة من الناحية السياسية أمراً غير واقعي.

وفي عام 1989 سعت ترينيداد وتوباغو إلى إحياء الفكرة عندما اقترحت إنشاء محكمة دائمة للنظر في تجارة المخدرات.

وخلال هذه الفترة تشكلت المحكمة الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا 1993، وأخرى خاصة بمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا 1994، كل ذلك دفع بمزيد من الجهود لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية.

وفي عام 1998 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع القرار بأغلبية 120 صوتاً مقابل 7 وامتناع 21 عن التصويت.

 

* وما هي الدول السبع التي رفضت مشروع قرار إنشاء المحكمة الجنائية الدولية؟

**  الدول السبعة التي رفضت المشروع هي: أمريكا، و"إسرائيل"، والصين، والعراق، وقطر، وليبيا، واليمن.

 

* وماذا حدث بعد ذلك؟

** بعد ذلك تحول مشروع القرار إلى قانون ثم تحول القانون إلى معاهدة ملزمة مع توقيع الدولة رقم 60 ومصادقتها عليه، وهو الحدث الذي تم الاحتفال به في 11 أبريل 2002م، حيث تقدمت عشر دول بقرارات مصادقتها على القانون دفعة واحدة مما رفع عدد الدول المصادقة إلى 66 دولة.

وبهذا خرجت المحكمة الجنائية الدولية إلى حيز الوجود بصفة قانونية في الأول من يوليو عام 2002م، وعليه فلا يمكنها النظر في الجرائم المرتكبة قبل هذا التاريخ.

 

* والآن... كم دولة عضوًا بالمحكمة الجنائية الدولية؟

** صادق على قانون المحكمة حتى نوفمبر 2007 مائة وخمسة دولة، تشمل غالبية دول أوروبا وأمريكا الجنوبية، ونصف أفريقيا، كما وقع على القانون  41 دولة أخرى لكنها لم تصادق عليه بعد.

وفي عام 2002م، سحبت دولتان توقيعهما على قانون المحكمة، وأشارتا إلى أنهما لا ترغبان بعد الآن بالعضوية وبذلك لم يعد هناك ما يحملهما على تنفيذ ما يترتب عليهما من التزامات تجاه المحكمة.

 

* وما هما الدولتان؟

** الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل".

 

* هذا يأخذنا إلى أسباب إنشاء هذه المحكمة.. كيف جاء ويخدم من بالضبط؟

** إنشاء المحكمة الجنائية الدولية جاء بموجب معاهدة دولية مُلزمة للأطراف التي صدقت على الانضمام إليها دون غيرها، هذه المعاهدة هي المعروفة باسم نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، وقد اعتمد هذا النظام في روما في ١٧/٧/١٩٩٨ أي منذ عشر سنوات كاملة.

والدول التي صدّقت على هذه المعاهدة بلغ عددها حتى ١/٦/٢٠٠٨ (١٠٦) دول، منها ٣٠ دولة أفريقية و١٣ دولة آسيوية و١٦ دولة أوروبية شرقية و٢٢ دولة من أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي و٢٥ دولة من أوروبا الغربية وغيرها، ويدخل تحت تعبير (وغيرها)، الوارد في البيان الرسمي للدول الأعضاء في نظام روما، دولتان عربيتان هما الأردن وجيبوتي، بينما لم تصدق أي دولة عربية أخرى، سوى هاتين الدولتين، على نظام المحكمة.

 

* ومن حيث الاختصاص الموضوعي، ما هي الجرائم التي تخضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية؟

** الجرائم التي تخضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية هي:-

1-   

الإبادة الجماعية: وتعني بالتحديد أي فعل من الأفعال المحددة في نظام روما ( مثل القتل أو التسبب بأذى شديد) ترتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، إهلاكا كليا أو جزئيا.

2-   

الجرائم ضد الإنسانية: تعني بالتحديد أي فعل من الأفعال المحظورة و المحددة في نظام روما متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين و تتضمن مثل هذه الأَْفعال القتل العمد، والإبادة، والاغتصاب، والعبودية الجنسية، والإبعاد أو النقل القسري للسكان، وجريمةِ التفرقة العنصرية و غيرها.

3-   

جرائم الحرب: وتعني الخروقات الخطيرة لاتفاقيات جنيف ١٩٤٩م، وانتهاكات خطيرة أخرى لقوانين الحرب، متى ارتكبت على نطاق واسع في إطار نزاع مسلح دولي أو داخلي. وعليه فإن إدراج النزاعاتِ الداخلية يتواءم مع القانونِ الدوليِ العرفي و يعكس الواقع بأنه في السَنوات إلـ ٥٠ الماضية حدثت أكثر الانتهاكات خطورة لحقوق الإنسان داخل الدول ضمن النزاعاتِ الدولية.

4-   

جرائم العدوان: فيما يتعلق بهذه الجريمة فانه لم يتم تحديد مضمون وأركان جريمة العدوان في النظام الأساسي للمحكمة كباقي الجرائم الأخرى. لذلك فان المحكمة الجنائية الدولية تمارس اختصاصها على هذه الجريمة وقتما يتم إقرار تعريف العدوان، والشروط اللازمة لممارسة المحكمة لهذا الاختصاص.

 

* ومن هو أول شخص تم تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية؟

** أول شخص تم تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية كان توماس لوبانجا، قائد إحدى الميليشيات في جمهورية الكونجو الديمقراطية، والذي تم اتهامه بارتكاب جرائم حرب تتعلق باستخدام الأطفال في حروب الكونجو الأهلية، حيث تم اعتقاله في عام 2005م، بعد أن قتل تسعة من الجنود البنجلادشيين التابعين للقوة الدولية لحفظ السلام في منطقة أتوري، شمالي شرق الكونجو الديمقراطية.

 

* وكيف يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تعتقل وتحاكم المشتبه فيهم؟

لا تملك المحكمة الجنائية الدولية قوة شرطة خاصة بها من أجل تعقب المشتبه فيهم واعتقالهم، لكن بدلا عن ذلك تعتمد المحكمة على قوات الشرطة الوطنية من أجل القيام باعتقالات وتتبع ونقل المشتبه فيهم إلى لاهاي.

 

* اسمح لنا سيادة المستشار أن ننتقل إلى أزمة الرئيس السوداني عمر حسن البشير.. هل يحق للمحكمة الجنائية الدولية اعتقاله على خلفية قرار أوكامبو؟

** أزمة البشير سياسية بالدرجة الأولى وليست قانونية ولا يحق للمحكمة الجنائية من الأساس مسائلة البشير أو محاكمته، ببساطة لأن الخرطوم ليست طرفاً في المعاهدة التي أنشأت هذه المحكمة، ولك أن تعلم أن هذه المعاهدات لا تلزم غير الموقعين عليها، ومادام السودان لم يوقع على هذه المعاهدة شأنه في ذلك شأن غالبية الدول العربية، فإنه يصبح غير ملتزم بأحكام المعاهدة، وبالتالي فإن قرار أوكامبو بالقبض على الرئيس عمر البشير ومحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية التي أنشأتها هذه المعاهدة، هو طلب مخالف لقواعد القانون الدولي.

لأنه من المقرر والثابت في قواعد القانون الدولي- بغير خلاف- أن المعاهدات الدولية لا تسري إلا على الدول الأطراف فيها، وأنه لا يمكن إجبار دولة على الالتزام بأحكام معاهدة، أو الخضوع لها، دون أن تكون طرفًا فيها.

 

* والسودان ليست طرفًا.. إذن لن يحاكم البشير.. أليس هذا صحيحًا؟

** بالطبع صحيح.. بل إن قرار اعتقال البشير مخالف لقواعد القانون الدولي لأنه بالأساس يخالف لائحة المحكمة الجنائية الدولية هذا غير أن لكل دولة سيادتها وهذا القرار اختراق للسيادة السودانية بدون وجه حق، في وقت للأسف التنظيم الدولي في المرحلة الراهنة يعيش نوعاً من التناقض في قضية السيادة.

فهو من جهة يعطي حقوقًا كاملة لدول مثل الولايات المتحدة التي بدورها تدعم إسرائيل بقوة، بينما يحارب دولا أخرى بدعاوى حقوق الإنسان في الوقت الذي يغض الطرف عن عمليات الإبادة الكاملة في العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها من الدول المحتلة في شتى بقاع العالم.

 

* لماذا تنظر إلى مثل هذا القرار على أنه اختراق للسيادة السودانية؟

** القاعدة المستقرة في القانون الدولي منذ عدة قرون هي أن سيادة الدولة مطلقة، وأن الدول لا تلتزم إلا بإرادتها، ولكن هذه القاعدة بدأت تهتز في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ودخول التنظيم الدولي مرحلة جديدة بإقرار ميثاق الأمم المتحدة، والميثاق العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والاجتماعية، والتسليم بإمكانية اتخاذ قرارات دولية ملزمة حتى لدول لم توافق على هذه القرارات.

وذلك وفقاً للباب السابع من الميثاق الذي أعطى لمجلس الأمن الحق في اتخاذ قرارات تصون الأمن والسلم الدولي ضد دول لم توافق على هذه القرارات، ومؤخرًا باتت الهيئات الدولية أداة لينة في أيدي الدول الكبرى، وباتت الكثير من القرارات مُسيسة، ولو لم يكن البشير معارضًا للولايات المتحدة ما كان خرج هذا الحكم بحقه، لكنها تبحث عن مبرر للتتدخل في جنوب السودان ومن ثم الاستحواذ على النفط، وبالتالي فإنني لا أستبعد أن تكون أمريكا هي التي حرضت أوكامبو على استصدار مثل هذا القرار.

 

* بمناسبة الحديث عن أوكامبو.. كيف ترى هذا الرجل وما الذي دفعه لاتخاذ مثل هذا القرار؟

** بالعودة إلى قراءة تقرير أوكامبو، تبين أنه لم يزر السودان، وطبعًا لم يزر دارفور، كما لم يزر أي من معاونيه الذين ذكرهم النظام الأساسي للمحكمة السودان أو دارفور، فكيف يتسنى له أن يتأكد من المعلومات بحسب نص المادة (٥٣) وأن يوسع نطاق التحقيق طلبًا للحقيقة عملاً بنص المادة (٥٤) من النظام الأساسي للمحكمة؟

لقد اعتمد السيد أوكامبو على مجرد معلومات وصلته من معارضين سودانيين يقيمون في أوروبا - وربما في الولايات المتحدة - وعلى تقارير إعلامية، وسمى ذلك وثائق، وعدَّدها فجعلها سبعة آلاف وثيقة!!، وهي كلها لا توصف بأقل من أنها غير محايدة، وهي لاشك قد وصفت الحال في دارفور بما أملاه هوى كاتبيها لا بحقيقة الحال، لأن الذي أورده المدعي العام في تقريره المأخوذ منها ليس صحيحًا جملة وتفصيلاً.

وإذا أردت أن تتعرف أكثر على أوكامبو هذا فأقول لك إنه كان يدرس في جامعة هارفارد الأمريكية، أستاذًا زائرًا وكانت شهرته بين طلابه أنه يتميز بعنف ظاهر، واندفاع لا يخفيه، وشدة في معاملة طلابه غير مألوفة، والممارسون لمهنة القانون يعرفون كيف تنعكس مثل هذه الصفات الشخصية على صاحبها عندما يكون في موقع الادعاء.

 

* إذن بماذا ترى الوضع أنت في دارفور من الناحية القانونية؟

** لا أحد ينكر أن هناك خروقات قانونية وقعت في الإقليم لكن الحديث عن محاكمة البشير لا يتماشى مع القانون الدولي إطلاقًا، ودارفور ليست في المريخ، ولا الوصول إليها مستحيلاً، والسودان تَعَاون مع كل من اهتم بموضوعها في إتاحة فرصة الوصول إليها واللقاء بالمسئولين السودانيين وزعماء المعارضة، وبأهل دارفور في محافظاتها الثلاث والوقوف على حقائق الواقع بنفسه، ولكن للأسف لم يقرر أحد من الأشخاص، ولا وفد رسمي من الوفود التي زارت دارفور في خضم الأحداث (٢٠٠٤ - ٢٠٠٦) صحة أي تهمة مما ردده السيد أوكامبو في تقريره.

فلك أن تعلم أنه قد زارت وفود من الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، واتحاد الأطباء العرب، وعشرات المنظمات الأخرى العربية والإسلامية والدولية، دارفور في أثناء سنوات ٢٠٠٤ و٢٠٠٥ و٢٠٠٦، وقبلها وبعدها، وكانت ولا تزال فيها معسكرات دائمة للبعثة الطبية العسكرية المصرية، وللهلال الأحمر السعودي، ولمنظمة الإغاثة الإسلامية وبضع وعشرون منظمة إغاثية أوروبية وأمريكية وغيرها، ولم يجد أحد أي دليل على صحة شيء من التهم التي يزعم المدعي العام أنها قائمة في حق حكومة السودان أو في حق الرئيس البشير.

 

* ولكن الوضع بالفعل سيئ في دار فور؟

** أعلم ذلك.. لكن هذه الأوضاع السيئة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالجرائم التي يزعم تقرير المدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية أن لديه أدلة على ارتكاب الرئيس السوداني إياها, وهكذا فإن المدعي العام الذي يطلب إلقاء القبض على الرئيس عمر حسن البشير لمحاكمته جنائيا، لم يقم بأداء واجباته التي يلزمه بها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فقدم معلومات مغلوطة، عارية من الصحة.

كما تجاهل المدعي العام تقارير الوفود المحايدة التي زارت مواقع الأحداث، وهو استنكف عن زيارتها، وتقرير من هذا النوع لا يصلح - قطعًا - دليلاً أمام أية محكمة تحترم نفسها لتوافق على إلقاء القبض على شخص متهم بجرائم ضد الإنسانية، هذا لو كانت المحكمة مختصة بمحاكمته أصلاً.