الخبير الاستراتيجي د.خالد المعيني: أمريكا لا يمكنها الادعاء بالانتصار.. المقاومة أكثر وضوحاً وتركيزاً واستنزافاً للمحتل
26 رجب 1429
سارة الشمري
واقع المقاومة العراقية هل هي حقيقة أم خيال انحسار عمليات المقاومة والبعد السياسي والاستراتيجي لها, وأسئلة كثيرة أخرى توجه بها موقع المسلم للباحث الاستراتيجي العراقي المتخصص في شؤون المقاومة الدكتور خالد المعيني*؛ فكان هذا الحوار:
  
- أين تقف المقاومة اليوم على أرض الواقع في العراق؟
المقاومة العراقية عندنا تأخذ مفهوم واسع لا يختصر عند الحد المسلح, و تندرج المقاومة بالنسبة لنا ما بين حدين، المقاومة السياسية كحد أدنى وما بين المقاومة السياسية كحد أعلى وما بينهما من وسائل الرفض للاحتلال، كالاعتصام والتظاهر وما إلى ذلك, ولكن لاينكر أحد أن المقاومة المسلحة في حالة الاحتلال تشكل مثابة رأس حربة في تحرير البلدان المحتلة على أن تتكامل مع الصفحات الأخرى للمقاومة وهي الشعبية والسياسية والاجتماعية بما يشكل شبه استراتيجية متقابلة مع الاحتلال التي لا تقتصر أيضا على الاحتلال العسكري إنما هناك صفحات أخرى للاحتلال سياسية واقتصادية وقد تكون الصفحات الاقتصادية هي الهدف والصفحة العسكرية هي الوسيلة للحصول عليها كما هو الحال في العراق حيث يشكل النفط هدف من الأهداف الإستراتيجية العظمى للاحتلال.
المقاومة في العراق وضعها خاص أصبحت تجربة يمكن أن تدرس وتضاف إلى الشعوب الحية في مقاومة العدوان والاحتلال وكما هو معروف أن المقاومة هي رد فعل طبيعي للشعوب مقابل فعل عدواني غير مشروع هو الاحتلال والعدوان وما جرى في العراق عدوان كامل على الشعب العراقي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية مستوفي لكافة أركان العدوان طبقا للقانون الدولي حيث تم احتلال العراق على أساس حجج واهية منها امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وعلاقته بتنظيم بالقاعدة وهذا ماثبت بطلانه.
 
- ماهي إستراتيجية المقاومة أم أن المقاومة العراقية لاتملك  أجندة معينة ضد الاحتلال الأمريكي وهي في الواقع عبارة عن جماعات أو عصب تقاتل المحتل الأمريكي؟
للمقاومة العراقية خصوصية معينة؛ فكافة تجارب العالم السابقة انطلقت وهي تخضع لنظام دولي خاص أتيح لها حاضنة دولية كما هو الحال في المقاومة الفيتنامية والجزائرية والكورية وما إلى ذلك, ولكن المقاومة العراقية لها وضع خاص إنها تقاتل القطب الأوحد في العالم وبدون أي حاضنة دولية أو عربية أو إسلامية أو إقليمية عدا التعاطف الشعبي وبالتالي المقاومة العراقية في السابق كانت تبدو في الظاهر بلا إستراتيجية والحقيقة كان من دواعي سر قوة هذه المقاومة هو غموضها وعدم وضوح قياداتها أو تشكيلاتها ما أعطى بعدا غامضا وهذا هو سر النجاح حيث أن الولايات المتحدة كانت تقاتل شبحا لا تعرف حدوده أو حجمه.. ولكن في الحقيقة يمكن تلمس استراتيجية المقاومة من خلال انعكاساتها على الطرف الآخر، وهو الأمريكي؛ فعلى المستوى الاقتصادي هناك خسارة كبيرة للأميركان، حيث تدفع الولايات المتحدة ما يعادل اثني عشر مليار دولار شهريا ككلفة, أما من الناحية البشرية إذا ما أغفلنا الأرقام الدعائية في وجود خسائر بشرية تقدر بأربعة آلاف؛ فان العدد الحقيقي للخسائر البشرية الأمريكية يتجاوز عشرات الآلاف وبالتالي فإن هناك استراتيجية منظمة نتائجها واضحة المعالم، تتجلى ملامحه في كون المشروع الإمبراطوري الأمريكي الاستراتيجي في  العراق قد فشل، وأن الولايات المتحدة قد منيت بهزيمة قاسية في العراق ولا يستطيع أي عسكري أمريكي أن يدعي أنه حقق نصرا عسكريا في العراق.  
 
- إذن  لماذا لاتكون جهود المقاومة متوحدة لكي لايتم تشتيت الجهود والقوى؟
للمرة الأولى في تحليلنا لواقع المقاومة أن ندلي بهذه المعلومة , إذ إن المقاومة اندلعت بشكل عفوي تلقائي والاهم من ذلك غير متوقع وكما هو معلوم إن الطاقم السياسي العراقي المرافق للاحتلال الأمريكي صور لهم أن القوات الأمريكية ستستقبل بالزهور , لكن الذي حدث أن بعد ستة أيام من أو سبعة أيام من الاحتلال انطلقت مقاومة في العراق كان نسبة 80% منها عفوي وتلقائي  في حين كانت نسبة 20 % منها منظم , بعد خمس سنوات من الاحتلال كان هناك مئات الرايات تقاتل في العراق , أصبحت قبل سنة ثلاثين راية .
الآن نتحدث عن أربع رايات فقط هي جبهات معروفة تقاتل الولايات المتحدة وبالتالي المقاومة في مرحلة نضج وتقدم وتوحد تحتاج في
استكمال مشروعها فقط إلى تكامل سياسي وتوحد كامل لمجلس وطني للمقاومة وهذا ما ننتظره قريبا إن شاء الله. 
 
- أخبار المقاومة وعملياتها خفت هل يرجع ذلك إلى نجاح الاحتلال والحكومة القائمة الآن في العراق؟
هذا الخلط نتيجة للفخ الأمريكي الذي يتحكم بكافة وسائل الإعلام العالمية والتي تعطي صورة بعيدة عن الحقيقة, وبعيدا عن الإعلام فان الصورة الحقيقية هي أن المقاومة منذ سنة أصبحت تعمل بشكل منظم بعيدا عن العفوية والعمل التلقائي التي سادت المرحلة السابقة, والحقيقة ذكرها بيكر هاملتون عن عدد عمليات المقاومة في سنة 2006 كانت تحدث بمعدل 1200 عملية في اليوم الواحد, الآن العمليات نوعية ومتعددة ومستمرة  وإذا ما أجرينا إحصائية عن كل فصيل من المقاومة يقوم بعشرين عملية في الشهر الواحد وإذا ما ضرباه بعدد الفصائل الموجودة الآن فسنكون أمام عدد جيد من العمليات ومستنزف لقطاعات العدو.
كيسنجر يقول حول المقاومة العراقية: إنها إذا كانت فقط تحتفظ بقواها فهي تكسب , كما يقول إن احتمالات انخفاض عدد عمليات العدو(يقصد المقاومة العراقية) ربما هو نوع من استتراتيجية الاحتفاظ بالقوى للمرحلة القادمة في حين أن القوات الأمريكية في كل يوم تستنزف.
 
- هل كانت هناك جهات تبالغ بحجم ودور المقاومة العراقية وأعطتها حجما أكثر مما هي عليه مما شكل ذلك إحباطا لها على ارض الواقع؟
 قد يكون جانب من هذا الكلام صحيح ولكن لايشكل الحقيقة الكاملة, المقاومة العراقية لازالت تستنزف القوات الأمريكية, كلمة تستنزف علينا أن لانخلط بين طريقة القتال بين الجيش المنظم وبين قتال العصابات, وقتال العصابات هي أن الطرف الأضعف يختار الزمان والمكان المناسبين في ضرب الجيش المنظم الأمريكي والذي يشكل أعتى قوة, العمليات مستمرة  في ضرب المنطقة الخضراء وفي مهاجمة القطاعات الأمريكية المحتلة وقتل الجنود الأمريكان يوميا هذا يعني نجاح لاستراتيجية المقاومة في جعل بقاء القوات الأمريكية لفترة طويلة أمرا مكلفا للولايات المتحدة الأمريكية وأمرا مستحيلا وهذا ما تقوم به المقاومة العراقية أما صعود ونزول عمليات المقاومة في حرب استتراتيجية فهذا أمر وارد لدى دراستنا للتجربة الجزائرية.
 
 
- ما هو حجم التدخل الأمريكي في المقاومة؟ بعبارة أخرى: هل من الممكن أن نتصور تعاون المقاومة العراقية أو بعضها مع أميركا لأجل تحقيق أجندة أمريكية معينة؟
هذا سؤال مهم جدا وخاصة في المرحلة الحالية, منذ سنة وبالتحديد في يوليو الماضي ولغاية يوليو الحالي كان هناك وضع شاذ يسود وضع المقاومة العراقية ونظرة الآخرين لها وهناك خلط لبعض الأوراق حيث ساد أن المقاومة العراقية انخرطت مع القوات الأمريكية في مشروع واحد والحقيقة غير ذلك فهناك بعض الفصائل ممن نجح الاحتلال من خلال بعض الأحزاب الإسلامية في الحكم في تغيير بعض أولويات الصراع باعتبار أن العدو الرئيسي ليس الولايات المتحدة الأمريكية وإنما إيران وتحديدا طائفة معينة داخل العراق هذا الخلط الذي نجح فيه [فصيل مقاوم] وسقطت قيادات بعض الفصائل القليلة وأثمر هذا الاختراق الأمريكي عن وجود قيادات الصحوة والتي نجحت في تقليص مساحة عمل المقاومة وعملوا في التعقب لأثر قيادات المقاومة أما لتصفيتهم أو اعتقالهم.
 
الأمر الآخر إن بعض جهات المقاومة ممن انخرطت في العملية السياسية وقاتلت مع الصحوات وقاتلت بإمرة الجهات الأمريكية هذه أصبحت محصورة في قيادات بسيطة لم يعد من الصحيح أن نطلق عليها اسم مقاومة, وقبل أكثر من أسبوع انسحب أهم فصلين جيش المجاهدين وجيش الفاتحين من هذا الوسط وأصبحت المقاومة الآن أكثر صفاء وعدوها الرئيس هو الاحتلال الأمريكي.
 
- هل تتدخل إيران في مساعدة المقاومة لأجل إضعاف القوات الأمريكية خصوصا بعد توارد أخبار عن وجود أسلحة إيرانية بين صفوف المقاومة العراقية وما حجم هذا التعاون؟
لكي نكون دقيقين لم يعد سرا حجم النفوذ الإيراني في العراق, إيران أصبحت لاعبا رئيسيا ثالثا إضافة للولايات المتحدة الأمريكية والمقاومة ولكن أجندة إيران تختلف عن أجندة المقاومة في العراق , حيث إن أجندة إيران الدفاع عن المصالح الإيرانية بالعراقيين أي القتال بالنيابة واستخدام العراقيين لغرض تعطيل مشروع الولايات المتحدة الأمريكية ولغرض كسب الوقت في مشروعها أو ملفها النووي , أما استراتيجية المقاومة فهي طرد الاحتلال وانتزاع استقلال العراق وبالتالي لا يوجد لحد هذه اللحظة تعاون بالمعنى الواضح ما بين إيران والمقاومة العراقية, ولكن هذا لا يعني أن إيران لا تضخ أسلحة إلى العراق لزيادة توريط الولايات المتحدة الأمريكية.
 
- تنظيم القاعدة، ما حجم تقاربه مع إيران؟
تنظيم القاعدة ملف مستقل لأن تنظيم القاعدة كما هو معلوم تنظيم أممي وبالتالي برنامج هذا التنظيم بالنسبة للعراق لا يتعدى كون العراق ساحة لمقاتلة الولايات المتحدة الأمريكية وهذا التنظيم فقد بوصلته تحديدا عندما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية وهذا خرج عن تنظيم المقاومة عندما بدا يعمل تحت قاعدة من لا يعمل معي فهو ضدي مما عمق الفتنة الطائفية وأثار مشاكل مع بقية الفصائل وبدا يفقد الكثير من حاضنته نتيجة لفقدان أولوية الصراع واعتبار العراق والعراقيين ساحة لقتال الولايات المتحدة
 
- أين توجد المقاومة العراقية الآن؟ أي في أي مناطق ومحافظة من محافظات العراق ؟وهل انحسرت المقاومة في مناطق معينة ما من العراق؟
إذا كان المقصود بالمقاومة بالمعنى الواسع فالمقاومة موجودة في كل مكان وإذا جعلنا من العامل العسكري في المقاومة هو المقصود في السؤال فالمقاومة موجودة في كل مكان وعملياتها موجودة لمن يريد أن يتابعها ولا يزال هناك قتلى من الجيش الأمريكي, وهناك قصف للقواعد الأمريكية وهناك تعمية من وسائل الإعلام لعدد عمليات المقاومة, أعتقد إن المقاومة موجودة في الجنوب كما هي في ديالى كما هي في الموصل كما هي موجودة في بغداد وكما هي موجودة في الفلوجة التي هي الآن عبارة عن معسكر أمريكي ,العمليات مستمرة في كل أنحاء العراق ونتوقع أن يكون هناك تصعيد لعمليات المقاومة في الستة أشهر القادمة
 
- ما السقف السياسي للمقاومة؟ وماذا ستفعل في حال نجاحها في إخراج المحتل ماهو الدور السياسي الذي ستقوم به آنذاك؟
أنا أعتبر هذا السؤال من الأسئلة المهمة جدا إذ إن الكثير يأخذ على المقاومة إنها لا تملك برنامجا سياسيا لها, لكن الحقيقة إن المقاومة تملك برنامجا سياسيا والأهداف الثلاثة الرئيسية للمقاومة هي:
- انتزاع أو تحقيق استقلال العراق بمعنى طرد قوات الاحتلال.
- الحفاظ على وحدة العراق أرضا وشعبا ورفض مشاريع الفيدرالية.
- الحفاظ على هوية العراق العربية والإسلامية .
هذه هي الأهداف الاستراتيجية أما على المستوى السياسي فبات من الواضح الآن أن الفصائل الرئيسية في العراق متفقة على أن من يحكم العراق هو ليس جهة واحدة فالتعددية أصبحت قناعة (..)
 
- هل ستشارك المقاومة في الانتخابات القادمة؟
كلا من ثوابت ليس فقط المقاومة المسلحة التي تمثل الحد الأعلى وإنما حتى المقاومة السياسية نحن نعد أن الانتخابات في ظل الاحتلال باطلة كونها صفحة من صفحات ترسيخ الاحتلال , إن من يتحكم بقواعد اللعبة السياسية والمقدرات السياسية في العراق ومقاساتها هو الاحتلال وبالتالي فهي عبارة عن تمثيليات ومسرحيات المقصود منها تمرير أهداف الاحتلال وفي مقدمتها النفط وقانون النفط
 
- ماهي أوجه اعتراض المقاومة على الاتفاقية المزعم عقدها بين الحكومة العراقية الموجودة الآن وأميركا إذا كانت المقاومة هي من الأساس غير معترفة بالحكومة الموجودة في المنطقة الخضراء فماذا تتوقع منها غير أن تبرم تلك الاتفاقية؟
هذا كلام سليم الاتفاقية هي احتلال ولكن الاحتلال كان يمثل شكله القسري أما الآن فيمثل طوعيا، كونه موجود بناء على طلب من قبل الحكومة العراقية وهذه الحكومة غير مؤهلة سياسيا أو قانونيا أو أخلاقيا لعقد أي اتفاقية نيابة عن الشعب العراقي, اعتراضات الاتفاقية هي تكبيل جديد مستقبلي اقتصادي وعسكري وتحويل العراق إلى ثكنة عسكرية ثابتة لعشرات السنين وبالتالي فبالنسبة للمقاومة هذه الاتفاقية تمثل احتلال ولكن بشكل آخر وينبغي مقاتلة القوات الموجودة هناك تحت أي غطاء رسمي يوضع لها .
 
- هل من الممكن أن تصف لنا في النهاية الأرضية التي تقف اليوم عليها المقاومة دون الوصول إلى نتيجة أن المقاومة بخير وإنما نريد أمورا حقيقية عن واقع المقاومة اليوم ومتى ممكن بالتحديد إن تصل إلى تحقيق أهدافها في إخراج المحتل الأمريكي من العراق ؟
 
في عام 1956 في الجزائر لم تستطع المقاومة الجزائرية لمدة سنة أن تنفذ عملية واحدة في الجزائر ولكن سنة 1958 طلبت فرنسا التفاوض رسميا مع فصائل المقاومة , وفي العراق المقاومة رد فعل غريزي وطبيعي للشعب العراقي سوف لن تنتهي هناك نقاط تبشر بخير هو أن الشعب العراقي أصبح الآن بعد خمس سنوات أكثر وعيا وهذه واحدة من النتائج الايجابية للمقاومة العراقية والشعب العراقي أصبح أكثر وعيا تجاه مخاطر الاحتلال وكذلك مورفين الفتنة الطائفية الذي حقنته بعض المرجعيات في أذهان أهلنا في الجنوب أصبح باليا وأصبح شعبنا في الجنوب مؤهلا لثورة ومقاومة وبالتالي الصراع الاستراتيجي قد يستغرق سنين مع المحتل وليس فقط الخمس سنوات السابقة نحن نستعد لكي نخوض مرحلة جديدة من الصراع ضد الاحتلال الأمريكي وعملائه في العراق وبالتالي شعبنا الآن يشكل أرضية أفضل من الأرضية التي انطلقت فيها المقاومة قبل خمس سنوات وبالتالي نحن أكثر تفاؤلا بشعبنا في مقاومته للاحتلال وتجدد هذه المقاومة وبإشكال ومناطق أخرى .
 
ـــــــــــــــــــــــــــ
·        خالد المعيني دكتوراة في العلوم السياسية وباحث في مجال السياسية الإستراتيجية للمقاومة العراقية, باحث في المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية من أهم أعماله:
-       مقدمة في إستراتيجية المقاومة العراقية.
-       المسار الحرج – دراسة في التجربة الدستورية العراقية.
-       الاشتراك في بحوث و ندوات علمية تختص بالشأن العراقي.