استهداف علماء العراق مابين قتل.. واجتذاب.. وتهجير (الجزء الأول)
16 رجب 1429
سارة الشمري
من بين الثروات الكثيرة للعراق التي كانت مسيلة للعاب الكثير ممن طمعوا ولا زالوا يطمعون بثروات العراق, هم العقول والكفاءات العراقية التي يشار لها بالبنان والخطط لتفريغ العراق من العقول والمفكرين ليس وليدة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 إذ انه مخطط قديم جديد وهجرة العقول العراقية كانت إلى أكثر بلدان العالم سواء الغربي والعالم الثالث وتحتضن بريطانيا أقدم الجاليات العراقية في أوروبا والمهجر. وأظهرت الإحصائيات إن نسبة المتعلمين من هذه الجالية عالية جداً، حيث نسب الشهادات الجامعية 75 في المائة، ونسبة الذين يحملون شهادات عليا هي 33 في المائة للذكور و9 في المائة للإناث وهو مؤشر على ارتفاع هجرة أصحاب الكفاءات العالية,وان  أكثر من 2000 طبيب عراقي يعملون في مستشفيات بريطانيا.
إن العقود الثلاثة الماضية شهدت نزوح أكثر من خمسة ملايين شخص  عراقي خارج العراق بحثا عن ملاذ آمن ولقمة عيش كريمة. وهم إذ تركوا البلاد بأجسادهم قسرا لكن نفوسهم وعقولهم لا زالت تتمسك بتربة ذلك البلد.
 الهجرة الجماعية شملت هجرة الكثير من العقول والكوادر العراقية المثقفة التي كان يمكن لها أن تساهم في دعم مشاريع التنمية والتطوير إن سنحت لها الظروف بذلك,وربما لا يدرك الكثيرون إن تكلفة تدريس وتخريج طالب كلية الطب في العراق بلغت أكثر من 15 ألف دينار عراقي في السبعينيات أي حوالي 45 ألف دولار. أي إن وجود أكثر من 2000 طبيب عراقي يعملون في مستشفيات بريطانيا الآن كلف خزينة الدولة أكثر من 100 مليون دولار.
 
وفي دراسة أعدتها منظمة الطاقة الذرية العراقية عام 1989 قدرت كلفة دراسة الحائز على شهادة الدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا بمبلغ (140) ألف دولار. وفي دراسة أخرى قدرت كلفة هجرة (17500) حامل شهادة ماجستير و(7500) حامل شهادة دكتوراه بـ (4550) مليون دولار، بينما بلغت كلفة استقطابهم (1125) مليون دولار، وهذا يعني أن العراق قد وفر لتلك الدول ما يصل إلى (3425) مليون دولار، إضافة إلى اختصار مدد زمنية تتراوح بين (15 - 20) عاماً لها واحتياج العراق لنفس الفترة لتعويض هجرة مائة طبيب متخصصوا بورد( ماجستير طب).
 د. ظاهر محمد في بحث منشور له ذكر  أرقاما تبعث على القلق، فخلال الفترة من 1991 - 1998 بلغ عدد المهاجرين العراقيين من أصحاب الكفاءات إلى الولايات المتحدة وكندا وأوربا الغربية فقط (3750) عالماً وكفاءة, فهم 76% أستاذ جامعة و23% من العاملين في مراكز الأبحاث العراقية المختلفة، من بينهم 83% تخرجوا من الجامعات الأوربية والأمريكية. وشهدت الموجة الثالثة والأخيرة من الهجرة التي حدثت بعد 2003 مغادرة أكثر من ثلاثة آلاف أستاذ جامعي، وان 10% من إجمالي عدد الأطباء في العراق والبالغ (32) ألف هاجروا في نفس الفترة.
وحسب دراسة لليونسكو تسهم ثماني دول عربية من بينها العراق في تقديم كفاءات جاهزة إلى أوربا والولايات المتحدة تصل إلى حوالي (100) ألف سنويا
 
الخيارات التي تعامل بها الاحتلال الأمريكي مع علماء العراق
أما الأمر الأكثر خطورة هو ماحدث بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في 9 ابريل 2003 وكان المخطط للتعامل مع علماء العراق ومفكريه يأخذ ثلاثة خيارات تعاملت بها أمريكا داخل العراق لإفراغه من علمائه وكان كالأتي :
1- الاستهداف الأمريكي المباشر وغير المباشر
2- الخيار الألماني
3- الخيار السلفادوري.
أما الأول يقوم على فلسفة المزاوجة بين خيارين أولهما "الخيار الألماني" أي احتواء العلماء وإعادة توظيفهم خدمة للمصلحة الأميركية، كما حدث مع العالم الألماني براون( بعد الحرب العالمية الثانية بدأت أمريكا تسحب العلماء الألمان للعمل داخل ولمصلحة أمريكا)  وزملائه ممن قامت الولايات المتحدة بترحيلهم إلى أراضيها، وتقديم عروض كبيرة من أجل استثمارهم في بناء مؤسساتها وقدراتها.
 
وثانيهما "الخيار السلفادوري" القائم على تصفية العقول التي ترفض الإغراءات الأميركية الصهيونية، وذلك كترجمة لإستراتيجية "الفوضى الخلاقة" وتحقيقا لهدف تجفيف منابع العراق العلمية والفكرية وحرمان شعبه من رجال البحث العلمي، ومنعه من العبور إلى المستقبل للحاق ببقية الشعوب، وإعادته إلى التخلف
وقد بدأت ملامح إعادة العراق إلى التخلف ترتسم في أفق السياسة الأميركية منذ الوعيد الذي أطلقه وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر في وجه طارق عزيز أثناء اجتماعهما في جنيف عام 1991، حين قال "إذا لم تتعاونوا معنا فسنعيدكم إلى عصور ما قبل القرون الوسطى".
الخيار الألماني( إفشاء المعلومات من قبل العلماء العراقيين إلى الجهات الغربية وبالتحديد الأمريكية)
بدأت هذه المحاولات بمشروع السيناتور جوزيف بايدن الذي صادق عليه مجلس الشيوخ الأميركي في نوفمبر/تشرين الثاني 2002، وقضى بمنح العلماء العراقيين الذين يوافقون على إفشاء معلومات مهمة عن برامج بلادهم التسليحية بطاقة الهجرة الأميركية الخضراء، مستغلا بذلك الحصار المفروض آنذاك على العراق، كي يجعل من اللجوء إلى الدوائر الأميركية حلا معقولا أمام العلماء العراقيين الذين لا يطيقون هذا الوضع البائس
وقد وعد هذا القانون العلماء الذين يقبلون بالهجرة بآفاق بديلة أكثر إشراقا، ثم كان القرار ألأممي 1441 الذي أصرت واشنطن على تضمينه بندا عن استجواب العلماء العراقيين عسى ولعل أن تظفر بتجنيد البعض، لكن الخيار فشل
وقد اتضح ذلك من خطاب كولن باول التحريضي ضد العراق في مجلس الأمن في الخامس من فبراير/شباط 2003، حين ألمح إلى امتعاض إدارته من امتناع علماء العراق عن التعاون مع فرق المحققين الدوليين، ومن مراوغاتهم لإخفاء حقائق التطور الذي بلغوه تقنيا وإصرارهم على عدم الإدلاء بأقوالهم، لأن الغالبية العظمى من العلماء العراقيين رفضت كل هذه الإغراءات
وبعد الاحتلال وبالتحديد في ديسمبر/كانون الأول 2003، خصصت الولايات المتحدة برنامجا بقيمة 25 مليون دولار لـ"تأهيل العلماء العراقيين" الذين عملوا في برامج التسلح العراقية
والهدف المعلن هو الاستفادة منهم في برامج للاستخدام السلمي للطاقة، في حين أن الهدف الحقيقي هو استغلال عدد كبير من هؤلاء العلماء عبر ترحيلهم إلى الولايات المتحدة وإعطائهم الجنسية الأميركية ودمجهم في مشاريع معرفية هناك.
هذه المغريات أسفرت عن زيارة عدد من العلماء العراقيين للكيان الصهيوني، وقد نشر الكاتب المصري معتز أحمد في صحيفة "الاتحاد الظبيانية" في 16/6/2003 مقالا بعنوان "علماء العراق أهلا في إسرائيل" رصد فيه زيارة عدد منهم الكيان الصهيوني أبرزهم أستاذ علم الفيزياء النووية الدكتور طاهر لبيب، والمتخصص في مجال التكنولوجيا الدكتور محمود أبو صالح
وقد قال خبير الشؤون الإسرائيلية في مؤسسة الأهرام الدكتور عماد جاد إن الولايات المتحدة نقلت من العراق جوا 70 من العلماء العراقيين إلى خارج العراق، ووضعتهم في مناطق نائية خشية أن يسربوا ما لديهم من معلومات، أو يحولوا تلك المعلومات إلى منظمات أو دول معادية للأمريكان
كما كشف تقرير أميركي نشرته صحيفة ديلي تلغراف البريطانية في 26/12/2007 أن الأميركيين فشلوا في استمالة معظم العلماء العراقيين للتعاون والعمل في الأراضي العراقية.
 
الخيار السلفادوري( وهو تصفية العلماء وقتلهم باسم "مجزرة السلفادور"أي سلسلة المجازر التي أشرفت عليها وكالة المخابرات المركزية الأميركية في بلدان أميركا اللاتينية لتصفية العلماء)
 
مع بداية الاحتلال الأميركي للعراق، كشفت رسالة وجهها علماء العراق وحملت توقيع "علماء الأمة المهددة"، بدا فيها أن قوات الاحتلال كانت تحمل قوائم بأسماء العلماء العراقيين الذين وردت أسماؤهم في قوائم مفتشي الأسلحة الدوليين وعناوينهم والأبحاث التي يعملون عليها، مما أدى إلى اعتقالهم أو قتلهم
يقول العالم العراقي الدكتور نور الدين الربيعي الأمين العام لاتحاد المجالس النوعية للأبحاث العلمية، رئيس أكاديمية البحث، وأحد أبرز العلماء العراقيين في مجال التكنولوجيا النووية، "حينما جاءت أميركا وبريطانيا كان أول شيء هو ضرب المؤسسات العلمية والبحثية والمدارس والجامعات وإحراق المكتبات والتراث العراقي الذي أصابه النهب والسلب، ويكفي أن ندلل على ذلك أن العراق فقد 5500 عالم منذ الغزو الأنجلوأميركي في أبريل/نيسان 2003، معظمهم هاجروا إلى شرق آسيا وشرق أوروبا والباقي تم اغتياله".
وتجدر الإشارة إلى أن العراق أنفق ما مقداره عشرة مليارات دولار على مراكز الأبحاث العلمية، وقد تحدث الصحافي البريطاني روبرت فيسك في صحيفة إندبندنت أكثر من مرة عن العمليات المنظمة لاغتيال العقول العراقية
ومع وجود مايقارب خمسة عشر جهاز استخباراتي لعدة دول في العراق كان هدفها الرئيس إجهاض العراق والقضاء على ثروته العلمية المتمثلة بعقول أبنائه لذا إن الكثير من العلماء العراقيين الذين
نجوا من الموت قد اتهموا أطرافا كالموساد الصهيوني ومخابرات دولة الاحتلال والمليشيات الطائفية المرتبطة بها بارتكاب مذابح ضد العلماء والكفاءات العراقية، كما أن المعلومات تقول إن الموساد الصهيوني جند 2400 عنصر، إضافة إلى وحدة كوماندوز سرية خاصة تتضمن أكثر من 200 عنصر مؤهل من قوات البشمركة( القوات الكردية) الذين تتدربوا مع أجهزة المخابرات الأمريكية وغيرها على الإجهاز على العلماء وتصفيتهم .
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1- نزيف هجرة العقول العراقية د . نجاح كاظم
أكاديمي عراقي مقيم في لندن
2- دراسة ( موقع البلاغ ) عن هجرة العقول العربية للغرب
3- الخيارات الأمريكية لاستهداف علماء العراق للكاتب : عبد الله الحسن ( موقع الجزيرة نت)
4- مصادر عراقية مختلفة