ما الذي سيقدمه الاتحاد المتوسطي للقضايا العربية!
12 رجب 1429
ياسمينة صالح
كما كان متوقعا، ركضت عدد من الدول العربية إلى باريس للمشاركة في قرع جرس المحبة و السلام و الانفتاح المتوسط/ المتوسطي! نجح ساركوزي في إقناع الجميع بأن الاتحاد المتوسطي سوف يغطي على كل الخيبات التي عاشتها المنطقة العربية، و سوف يكون جسر محبة ما بين الشعوب، فالجزائري مرحب به في باريس (عدد المعتقلين الجزائريين في سجون فرنسا تجاوز الخمسة آلاف أغلبهم بتهمة الانتماء لجمعيات إسلامية متطرفة)! والمغربي مرحب به في إيطاليا و اسبانيا ( التي تحتل مدينتين مغربيتين وتقول للمغرب نجوم السماء أقرب إليك منهما!) و تونس التي تكلم زين العابدين عن الأمل في تحقيق السلام في الوقت الذي أصدرت فيه مؤسسة رسمية للمرة الألف بيانا تقول جاء فيه " حجاب المرأة يعارض حريتها التي وهبها الله لها و لهذا فهو مرفوض في تونس"، و كأن القرارات الرسمية لم تعد ترى في أعداء تونس سوى الحجاب!  و الجزائر التي يرى فيها الشعب حدة اشتعال النار في سعر البترول بالعين المجردة دون أن يكون له الحق سوى في متابعة الأرقام عن بعد، و في مراقبة أبنائه و هم يموتون جوعا و يقتاتون أحيانا من المزابل! بينما القذافي فلأنه تعرض لما تعرضه من انتقادات كبيرة عندما زار فرنسا آخر مرة، ولأن ساركوزي أخذ منه العديد من الصفقات و الأموال لأسر ضحايا لوكربي، فما قاله عن: " نحن لسنا كلابا" تحسب ضمن قاموسه الشخصي في المعارضة الذاتية ـ حتى و إن كنا نتفق معه أننا نحن الشعوب (فقط) لسنا بكلاب ـ! انتصر نيكولا ساركوزي و هو يقتادهم بربطة المعلم للضحك عليهم واحدا واحداً، و ليغني لهم أنشودة اتحاد المتوسط الكبير، و الحدود الملغية، والحق في التنقل و الحق في البيع و الشراء و الاستثمارات في الدول النفطية التي لا تعرف أين تضع إيرادات النفط التي هربتها من تجويع شعبها. ضحك عليهم ساركوزي الذي قال بمجرد أن وصل إلى الاليزيه منتخبا " مصلحة فرنسا عندي أهم من أي مصلحة أخرى" و لم يصدقه الفرنسيون أنفسهم الذين انتقدوا شهرا من بعد تنصيبه طريقته " الغريبة" في الحديث و في الجدال و في الرد على أسئلة الصحافيين بعبارة " اللعنة عليك" كما قالها لصحفي من صحيفة "ألزاس" لمجرد أن سأله عن تناقضاته الصارخة في أحادثه بحيث كل يوم يناقض اليوم التالي بتصريح مختلف! انتصرت الدبلوماسية الفرنسية قالت اللوموند في عنوان مليء بالخبث، لأن تاريخ الإعلان عن الاتحاد المتوسطي لم يكن عفويا و لا سهوا، بل كان مدروسا جيدا، فقد أتى التاريخ يوما فقط قبل العيد الوطني الفرنسي الذي ظلت الجزائر تقاطعه طوال سنوات طويلة لأنه يزيد الملح على جرح الثوار إبان الثورة، و على جرح الجزائر التي احتلتها فرنسا طوال 134 سنة كاملة بالطول و العرض مثلما احتلت تونس و المغرب و سورية و لبنان!
العداد بدأ يشتغل!
لعله السؤال الأبسط الذي يطرحه المواطن العربي البسيط هو ماذا يمكن أن يقدمه الاتحاد المتوسطي لمن سرقت الأنظمة الرسمية خبزه اليومي و خبز أبنائه؟ هل سوف يساهم الاتحاد المتوسطي مثلا في خفض أسعار المواد الغذائية التي تشتعل يوميا؟ ( لأنه لن يعيد الأراضي الفلسطينية المحتلة) هل سوف تمنح الاستثمارات الأجنبية في البلاد العربية ( تحت قبة الاتحاد المتوسطي) فرص العمل للشباب العاطل عن العمل؟ بالتأكيد لا، و بالتأكيد داخل " صفقات الاتحاد المتوسطي" مع الدول العربية الشمولية فلن " ينتقد الغرب" ديكتاتورية الأنظمة التي سوف تورث الحكم لأبنائها الذين يولدون الآن من صحن البترول المنمق! ناهيك على أن السلع الإسرائيلية التي بارت، سوف تصل إلى الأسواق العربية بماركة متوسطية موحدة، بحيث لن يفرّق الجزائري أو القطري أو المغربي أو التونسي ما بين الذرة الاسبانية و "السم الهاري" الإسرائيلي طالما سيصلونه في علب تحمل الماركة المتوسطية الموحدة، كما حدث مع الاتحاد الأوروبي بصيغة " صنع في الاتحاد الأوروبي"! بمعنى أن المواطن لن يستفيد سوى في أن دولته سوف تدفع بالأورو ثمن تلك السلع التي ستدخل إلى البلاد، و أنه سوف يظل بائسا و مشردا و غير قابل للصرف، و متهما جاهزا بالإرهاب إن قال: لا، أو عارض أو طالب بخبز أبنائه!  و لأن ساركوزي هو كما نعرفه " ابن اليهود" فلن يتردد أبدا في إبرام صفقات سياسية موازية للصفقات الاقتصادية بين العرب وإسرائيل كل دولة على حدا، باعتباره يحب اللقاءات المنفردة كما يحبها الإسرائيليون تماما، و باعتباره قال صراحة " أن حقوق الإنسان هي آخر همومه" عندما زار الصين، و إسرائيل التي تعد أخطر دول العالم انتهاكا لحقوق الإنسان أمام أعين الغرب هي اليوم حليفة فرنسا الأولى الأقرب.

من هما فأن وصول برميل النفط إلى 146 دولار ليس صدفة، بل مخطط له، و قد يصل إلى 188 دولار قبل نهاية العام حسب الخبراء الاقتصاديين، و بهذا سوف تكون فرصة النهب الدولية جاهزة، لأجل الاستثمار في إيرادات النفط التي تخزنها الدول العربية في البنوك السويسرية و الأمريكية، لأجل ان يظل المواطن جائعا، مكتفيا برؤية العالم يستثمر في بلده، و لأجل أن يتفتح على الغرب في حكاية " الديمقراطية" التي أيضا سوف تكون مغلفة بورق السوليفان! و بدل أن يرتقي المواطن أو تتحسن أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية، عليه أن يدفع مزيدا من الغرامات من مصروفه اليومي. فنظرة عملية للاتحاد المتوسطي يفتح المجال لقراءة قريبة إلى الواقع تعني أن خارطة الطريق الاقتصادية سوف توزع على الدول الأوروبية المتوسطية و فرنسا أولها و أن التبادل التجاري سوف تكون الغلبة فيه للدول المنتجة باعتبار ان أغلب الدول العربية لا تنتج سوى " غبار الشوارع"! الدواء تستورده أغلب الدول شمال الإفريقية من أوروبا و المواد الغذائية و حتى القمح، و البطاطس التي استوردتها الجزائر من استراليا فاسدة و " حلفت يمين " أنها لن تستوردها ثانية إلا من اسبانيا!  و المغرب الذي يستورد 51 %من المواد الغذائية من أوروبا أيضا، و عليه سوف يكون الاتحاد المتوسطي مشروع سياسي تحت جبة الاقتصاد. من يقنعنا اليوم أن استدراج إسرائيل المجرمة إلى طاولة المتوسطيين ليس لأجل الترويج لحوار سياسي سوف يقصي الوطنيين و الشرفاء و المناضلين و المقاومين ليضع في كل دولة "أبو مازن" جديد يعشق البوس و الأحضان الإسرائيلية! ففي غياب ردات الفعل الاقتصادية ( أي الإنتاج العربي) ماذا يمكن ان تصدر الدول العربية لأوروبا؟ الذباب أم النمل؟ حتى مبيد الحشرات يأتي من الخارج! و من هي الدولة الأوروبية التي سوف تستورد من دولة عربية؟ و الحال أن الدول العربية هي التي ستدفع أيضا و تستورد و تقبل الشراكة على أرضها لمؤسسات أجنبية استثمارية كما حدث في الجزائر عندما هبت العديد من الدول للاستثمار برغم الوضع الأمني السيئ، مع أنهم هربوا في التسعينات و تكالبوا وقتها على الشعب بكل المسميات، وقتها لم يصل النفط إلى 146 دولار و لم تكشف المصادر الاقتصادية أن خزينة الدولة فاقت ال140 مليار دولار، و المال السايب يعلم السرقة! و اللي جابه الريح يذهب مع الغبار!