الاتحاد من أجل ساركوزي
9 رجب 1429
د. محمد مورو
بمجرد فوز الرئيس الفرنسي "ساركوزي" في الانتخابات الرئاسية الفرنسية في العام الماضي طرح الرجل مشروعه المعروف باسم " الاتحاد من أجل المتوسط " واستهدف الرجل ضم الدول المطلة على المتوسط سواء في أوروبا أو شمال إفريقيا العربي، أو الدول المطلة على المتوسط من الشرق مثل سوريا و"إسرائيل" ولبنان، بالإضافة إلى تركيا، ولا يمكننا بالطبع أن نتفهم أن المسألة بريئة، لأنه ليس هناك شيئاً بريئاً في السياسة من ناحية، ولأن ساركوزي نفسه متهم بالولاء لـ"إسرائيل" وهو يهودي الأصل، كما أنه أظهر قدراً هائلاً من التأييد للمشروع الإمبراطوري الأمريكي وكأنه أصبح أحد أعضاء اليمين الأمريكي المحافظ على عكس سياسة فرنسا التقليدية، وبينما كانت شمس اليمين الأمريكي المحافظ تغرب في واشنطن إذا بها تشرق في باريس، وهي مفارقة تستحق التأمل ولا شك ووفقاً للأفكار الأولية التي طرحها ساركوزي لذلك المشروع فإن على الدول العربية والأوروبية المطلة على المتوسط أن تتعاون فيما بينها في السياسة والاقتصاد والثقافة بهدف رفع مساحات التفاهم الدولي وتحقيق حوار الحضارات والقضاء على الإرهاب والهجرة غير الشرعية لأوروبا وغيرها من الأفكار، إلا أنه واجهته مشكلة عدم القدرة على الاقتصار على الدول الأوروبية المطلة على المتوسط كما كان يريد أو يدعي، فاضطر إلى ضم الدول الأوروبية كلها، فأصبح الاتحاد الأوروبي طرفاً من ناحية، والدول العربية و"إسرائيل" وتركيا طرفاً من ناحية أخرى، وهكذا فإن طرفي المعادلة غير متكافئتين والمحصلة أن الأجندة الفرنسية أو الساركوزية أو حتى الأوروبية هي التي ستفرض نفسها في النهاية، خاصة أن الدول العربية المطلة على المتوسط مختلفة ببنها بخصوص هذا الاتحاد، فهناك من تتحمس، وهناك من تتحفظ وهناك من تتردد، وهناك من رفضه أصلاً .
الأهداف الساركوزية من هذا الاتحاد بعضها واضح وبعضها خفي الواضح والمعلن منها يدور حول رغبة فرنسا في إبعاد تركيا عن الاتحاد الأوروبي ومنعها من دخول البيت الأوروبي، ومن ثم دمجها في إطار تعاون متوسطي مع أوروبا، وهو هدف يعلنه ساركوزي وتضمره باقي الدول الأوروبية، وكذلك فإن هذا الاتحاد سوف يعطي تطبيعاً عربياً مع "إسرائيل" بدون مقابل سياسي أو على مستوى القضية الفلسطينية، وساركوزي ليس بعيداً عن الأهداف الصهيونية، وهو لعب دوراً في تخفيف الحصار عن سوريا ودعوة الرئيس السوري بشار الأسد إلى باريس لحضور الاجتماع التمهيدي لهذا الاتحاد فكسر الحصار حول السوريين وشجع قيام تركيا بإجراء وساطة للتفاوض بين السوريين و"الإسرائيليين"، وكل هذا يصب في تهيئة المسرح وتهدئة الأمور حول "إسرائيل" لتتمكن من التركيز في قضية منع إيران من امتلاك قدرات نووية وسحب سوريا بعيداً عنها . بل إن ما يطرحه ساركوزي من أفكار حول التعاون والتطبيع والمشروعات الاقتصادية والثقافية هو ذاته أو قريب مما يسمى مشروع شيمون بيريز للشرق أوسطية والذي طرحه منذ سنوات، أي أنه مجرد تكرار للرؤية "الإسرائيلية" حول المستقبل في المنطقة بمعنى إدماج "إسرائيل" في المنطقة عن طريق قيادتها لنوع من التنمية تكون فيها "إسرائيل" هي العقل والعرب هم المال والعضلات وبديهي أن "إسرائيل" الآن، وبعد إدراكها باستحالة الانتصار على حركات المقاومة، ووصولها إلى مأزق وجودي في هذا الصدد تحتاج بشدة إلى مثل هذا النوع من المشروعات لتأمين وجودها واستمرارها ! ! .
من الأهداف الساركوزية الأوروبية في هذا الصدد مقاومة موضوع الهجرة غير الشرعية، وهي في الحقيقة مفارقة أخرى تدل على ازدواج المعايير الغربية، فحين تصر الدول الأوروبية وأمريكا وكل دعاة العولمة على حق مرور السلع بدون جمارك ولا موانع، فإنها ترفض حرية مرور الإنسان، والمفروض وفقاً لقيم العولمة والرأسمالية الجديدة والعالم المترابط والواحد أن تكون الأولوية لمرور الإنسان قبل السلع أو بالتساوي معها وليس العكس . ومن المعروف أن موضوع هجرة الأفارقة والآسيويين والفقراء عموماً هرباً من الفقر والجوع باتجاه أوروبا يشكل إزعاجاً كبيراً للأوروبيين، ويهدد من وجهة نظرهم الديموجرافيا الأوروبية، لأن سيل البشر المندفع مغامراً باتجاه الشمال سيخل بالتوازن الديموجرافي الأوروبي، لأن نسبة الإنجاب في أوروبا متدنية جداً على عكس ما يحدث في الجنوب وهذا الاتحاد بما سيقدمه من تعاون أمني واتفاقيات، سيجعل عبء مقاومة الهجرة غير الشرعية على عاتق دول جنوب وشرق المتوسط وليس شماله، أي إلقاء عبء المعركة الأوروبية أصلاً على عاتق الآخرين فتظل الأيدي الأوروبية نظيفة من دماء هؤلاء المهاجرين أو على الأقل لا تنفرد وحدها بعبء هذا الدم والأرواح المراقة في جوف البحار وأفواه الأسماك بعد غرق أو إغراق زوارق المهاجرين الفقراء، ولا ننسى في هذا الصدد أن نقول أن جزء كبير من أسباب الفقر والتخلف في البلدان الجنوبية جاء نتيجة النهب الاستعماري الأوروبي، وأوروبا ملزمة بدفع تعويضات هائلة عن ذلك يقدرها البعض بـ 50 % من الدخل الأوروبي لمدة عشرين عاماً على الأقل، لإعادة بناء ما دمره الاستعمار اقتصادياً واجتماعياً .
ومن الأهداف أيضاً التعاون الأمني في محاربة الإرهاب وهو موضوع بالطبع تخشاه أوروبا جداً، ويتحدث ساركوزي عن إقامة قواعد ومراكز إنذار وتعاون استخباراتي وجيوش داخل دول الحوض الجنوبية والشرقية لهذا الغرض .
وبالإضافة إلى ذلك فتح الأسواق العربية أمام الموجة الاستعمارية الأوروبية الجديدة، بل ودعاة النفوذ الاستعماري الفرنسي الفرانكفوني وإحياء مجد فرنسا القديم ! ! .
وهذه كلها أهداف أوروبية فرنسية "إسرائيلية"، وليس للعرب فيها إلا مصلحة هامشية هي بعض فتات المساعدات الاقتصادية بالمقارنة مع خسائر عربية حضارية واستراتيجية، وهو أمر لا يقبله عاقل بالطبع .
الهدف غير المعلن من هذا الاتحاد هو أنه يأتي كنوع من الاحتياطي "الإسرائيلي" الغربي للتحكم في المنطقة خاصة بعد أن فشل أو اقترب من الفشل المشروع الأمريكي الذي يعاني من تدهور حاد في المنطقة والعالم، وهزيمة المشروع الأمريكي ستكون هزيمة للغرب كله، ومن ثم فإن الغرب يقدم نوعاً جديداً من البديل الاستراتيجي للهزيمة الأمريكية في العراق وأفغانستان والمنطقة عموماً وتأييد الوجود "الإسرائيلي" في حالة انسحاب أمريكا من المنطقة .