وقفات مع حادثة صيدنايا
7 رجب 1429
د. ياسر سعد

على الرغم من أن الغموض ما يزال يلف تفاصيل المجزرة والأحداث الأليمة والمؤسفة والتي وقعت في سجن صيدنايا العسكري في سوريا والتي أدت إلى سقوط 25 سجينا على الأقل برصاص قوات الأمن السوري, فإن هناك العديد من النقاط والاستدلالات والتي يمكن رصدها وقراءتها بوضوح من تلك الحادثة رغم قلة المعطيات وندرة المعلومات:

- حادثة صيدنايا قضت على بقايا الأوهام بأن نظام بشار الأسد مختلف عن نظام أبيه القمعي والدموي. فمع تبخر الحديث تماما عن الإصلاحات التي  رافقت وصول الأسد الابن للحكم عبر تعديل دستوري هزلي والاعتقالات التي طالت المعارضين السلميين من أعضاء مجلس الشعب وغيرهم. توج نظام بشار الذكرى الثامنة لاستيلائه على الحكم بمجزرة أعادت للذاكرة والأذهان مجازر حماة وتدمر وجسر شغور وغيرهم.

- بعد يوم كامل من ورود الأنباء لوسائل الإعلام العالمية والعربية عن أحداث صيدنايا وبعد صمت غريب, اعترفت الحكومة السورية بحدوث "أعمال شغب" أثارها سجناء محكومون بجرائم تتعلق بـ"الإرهاب", وقالت وكالة الأنباء السورية  الرسمية إن "عددا من المساجين

- المحكومين بجرائم التطرف والإرهاب أقدموا على إثارة الفوضى والإخلال بالنظام العام في سجن صيدنايا." الأنظمة العربية القمعية أصبحت تلجأ للتهرب من مسؤولياتها القانونية ومن تصرفاتها التعسفية باتهام خصومها أو من وقع عليهم ظلمها بالإرهاب والتطرف.

- الحكومات العربية القمعية تحتذي بالتصرفات الأمريكية والتي تعتبر أن تهمة الإرهاب والتطرف المزعوم كفيلة بإسقاط حقوق المتهمين كما يجري في جوانتناموا أو قتل الأبرياء في قصف جماعي كما يحدث في العراق وأفغانستان والصومال.

- أدى المرصد السوري لحقوق الإنسان -الذي يتخذ من لندن مقرا له- دورا كبيرا وهاما في لفت الانتباه العالمي لقضية صيدنايا مدشنا مرحلة جديدة لحركات حقوق الإنسان العربية بعد أن كانت المنظمات الأجنبية هي التي تستأثر بذلك الدور. وسائل الاتصال الحديثة من انترنت وهواتف نقالة أدت إلى نقل صور معاناة ومأساة السجناء للعالم بشكل فعال, فلقد التقت إذاعات عالمية مع سجناء من داخل السجن نقلوا تفاصيل ما يجري من خلال هواتف جوالة سربت لهم.

- تكرر الحديث عن أن أحد الأسباب الرئيسية لعصيان السجناء إضافة إلى الأوضاع المعيشية الصعبة والقاسية هو مسألة تدنيس القرآن الكريم والاعتداء عليه من قبل حراس السجن.  العجيب أن الرد الفعلي الإسلامي والعربي الرسمي والشعبي كان باهتا في هذه القضية وعلى الرغم من أن بشاعتها تتفوق على التجاوزات الدانمركية. هذه النقطة تشير إلى أن الردود الرسمية الإسلامية على الانتهاكات تكون محكومة بحسابات سياسية وبعيدة عن الواجب الديني. أما الشعوب فيظهر واضحا التحكم الشديد والهيمنة الكبيرة لوسائل الإعلام على مشاعرها وتوجهاتها.

- لوحظ صمت غربي مريب على الحادثة المؤلمة والمجزرة البشعة وعدم التنديد بها كما يجب. ربما أدى وصف السجناء بالإسلاميين بالإضافة إلى الانفتاح والهرولة السورية باتجاه الدولة الصهيونية إلى المساهمة في هذا البرود الغربي. من المرجح أن حادثة صيدنايا سُتطرح بشكل قوي إعلاميا وسياسيا حين تحتاج جهات غربية للضغط على النظام السوري لتقديم مزيد من التنازلات في مسائل مختلفة, وهو ما يرسخ الاعتقاد بنفاق المؤسسات الرسمية في الغرب واستخدامها مسائل حقوق الإنسان كأدوات سياسية.

- حركات إسلامية كبيرة وقفت صامتة أمام ما حدث من مجزرة بشعة, بل إن إسلامي كبير في الأردن حين سئل عن الحادثة رد بأن لا معلومات متوفرة لديه. الحكومة السورية نجحت ومن خلال مواقفها الإعلامية الصاخبة واتصالاتها الدبلوماسية في إقامة علاقات وثيقة بحركات إسلامية أدت إلى إصابة تلك الحركات بتلوث سياسي جعل للعلاقات السياسية المتحركة أولوية على المبادئ والقيم الإسلامية الثابتة.

- حادثة صيدنايا كانت امتحانا فشلت فيه الكثير من وسائل الإعلام العربية خصوصا تلك التي تدعي الحيادية والحرص على نقل رأي من لا رأي له. الغيرة الإعلامية العربية على الأخلاق والقيم وحتى المقدسات تكون محكومة بالعلاقات السياسية والمصالح بين من يقف وراء الجهاز الإعلامي وبين الجهة المدنسة للمقدسات أو المنتهكة لحقوق الإنسان وكرامته