أنت هنا

المسعى ودعوة الإعلام إلى تجاوز الأعلام وتدويل إدارة البيت الحرام
25 جمادى الثانية 1429
د. عبدالعزيز العبداللطيف

خاض في مسألة توسعة وزيادة "المسعى" أقوام ليسوا فقهاء ولا أشباه فقهاء، وسودوا السطور بلغة ثقافةٍ وصحافة، مجاراة لصنيع الحكام.. وعلت حناجرهم بالجزم والقطع بلا تريث أو تحرير، ودون أثارة من علم أو دليل، وكما قيل لواعظ: ما مذهبك؟ فقال في أي بلد تريد؟!

وكان لمجلة الدعوة أوفر الحظ والنصيب في نشر هذا الكم الهائل من تلك "الآراء"! ولقد كان الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم -رحمه الله- مؤسس مجلة الدعوة يحذر من "أقلام الأغبياء والعابثين ممن جعلوا أحكام المناسك تجربة لأقلامهم"[1]! بل إن الشيخ رحمه الله لم يوافق على بعثة الملك سعود بن عبد العزيز -رحمه الله- سنة 1381هـ بشأن استطلاع آراء علماء الأمصار في مسألة نقل مقام إبراهيم -عليه السلام- وعلل منعه بأن ذلك "سيفتح ثغرة كبيرة، ومجالاً واسعاً لإحداث أفكار واتصالات من بعضهم مع بعض قد ينشأ عنها تشويش وتوليد أغراض تربك الأمر وتجعل النتيجة عكسية"[2].

ولعل هذا التعليل المتين من الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم طريق إلى سد سببيل "تدويل الحرم" وما يؤول إليه من محاذير وإشكالات، أفليس في استجلاب آراء هؤلاء من كل حدب وصوب -في مسألة المسعى-    ذريعة إلى تدويل الحرم؟!

وأمر آخر أن الشروع في هذا الإحداث والتوسعة سابق للفتاوى والآراء كما هو معلوم ومشاهد، فهل صارت تلك الآراء مسوغة لهذا الواقع السابق؟ محكومة لا حاكمة؟

ورحم الله الإمام الصنعاني إذ يقول بشأن القبة المبنية على قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هذه القبة ليس بناؤها منه -صلى الله عليه وسلم- ولا من أصحابه، ولا من تابعيهم، ولا تابع التابعين، ولا من علماء أمته وأئمة ملته، بل هذه القبة المعمولة على قبره -صلى الله عليه وسلم- من أبنية بعض ملوك مصر المتأخرين.. فهذه أمور دولية لا دليلية يتبع فيها الآخر الأول"[3].

وعلى الحاكم في مسائل الاجتهاد أن يراعي وجوه الترجيح المعتبرة شرعاً، فلا يصح للحاكم أن يرجح في حكمه لمجرد هوى، أو إمارة، أو قضاء حاجة كما بينه الشاطبي في الاعتصام[4].

وليس للحاكم أو السلطان أن يلزم الناس في مسائل النزاع بالتزام قول بلا حجة من الكتاب والسنة كما بسطه شيخ الإسلام[5].

وينبغي الحذر من التهويل والمبالغة في طاعة الولاة، ومجانبة سبيل الطاعة المطلق للولاة، فلا طاعة مطلقة إلا للرسل عليهم السلام، وأهل السنة وسط في باب طاعة الولاة بين الخوارج والمرجئة.

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "والحاكم فيما تنازع فيه علماء المسلمين أو أجمعوا عليه قوله في ذلك كقول آحاد العلماء إن كان عالماً، وإن كان مقلداً كان بمنزلة العامة المقلدين، والمنصب والولاية لا يجعل من ليس عالماً مجتهداً عالماً مجتهداً"[6].

 ------------------------------------------------

[1] فتاوى محمد بن إبراهيم: 6/47.

[2] فتاوى محمد بن إبراهيم: 5/16.

[3] تطهير الاعتقاد: ص 49.

[4] الاعتصام: 2/179.

[5] مجموع الفتاوى: 3/ 240، 245، والتسعينية: 1/ 175-177.

[6] مجموع الفتاوى: 27/ 296.