ساركوزي و المشروع المتوسطي يساوي ضحك على الذقون!
22 جمادى الثانية 1429
ياسمينة صالح

أن تتكلم فرنسا بحماسة غير مسبوقة عن المشروع المتوسطي يعيد إلى الذاكرة المشروع الذي كان الجنرال شارل ديغول يسعى إلى تأسيسه في نهاية الخمسينات لمجابهة المشروع الأطلسي وفق مصالح فرنسا الكولونيالية طبعا، و إن كان هنالك فرق كبير بين شارل ديغول و نيكولا ساركوزي، إلا أن الأول أراد لفرنسا أن تركب عربة الكولونيالية الهمجية بمساعدة عينة من الدول المثيلة، بينما ساركوزي فهو يريد عربة اقتصادية تخدم "إسرائيل" و تجعلها طرفا فاعلا ليس على الصعيد المتوسطي فحسب، بل وعلى صعيد الجنوب الأوروبي، و الشمال الإفريقي..
ساركوزي ابن "إسرائيل" غير الشرعي!
لم يخف ساركوزي الحقيقة من البداية. لم يعتذر للمهاجرين الذين وصفهم بالأوباش، بدليل ما صرح به الوزير الفرنسي المكلف بالهجرة و الهوية الوطنية بأنه تم ترحيل منذ بداية السنة ما لا يقل عن ستين ألف مهاجر " غير شرعي" مع العلم أن ضمن المرحلين مهاجرين كانوا يحضون بحق الإقامة، و لأنهم " غير فاعلين" ـ وفق المصطلح الفرنسي ـ فقد تم الاستغناء عنهم من على الأرض الفرنسية، بعضهم بسبب ـ توجهاته العقائدية ـ و هو المصطلح الذي يعني أنه " إسلامي" وفق الأسلوب الفرنسي..
لقد أراد (الرئيس الفرنسي الجديد) نيكولا ساركوزي أن يفرض أسلوبه الخاص، و طريقته سوقية على الجميع، بما في ذلك الدول التي إلى الأمس كانت تتحفظ على الكثير من الأمور إزاء فرنسا نفسها، منها الدول المغاربية ( المستعمرة سابقا من قبل فرنسا)، لكن المفاجأة كانت من المغرب عندما أعلن ساركوزي للصحافة الدولية أن " أمير المؤمنين! ( و يقصد الملك محمد السادس) لا يعارض إطلاقا وجود "إسرائيل" ضمن الدول المنظمة إلى المشروع المتوسطي، و هو التصريح الذي لم يعلق عليه المغرب ولا " أمير المؤمنين" الذي يقضي أجازة في باريس في الوقت الذي كشفت فيه الصحف المغربية عن " بشاعة الانتهاكات الرهيبة التي ارتكبها الأمن المغربي ضد رجال و نساء منطقة سيدي إيفني الذين تظاهروا للمطالبة بالخبز و الكرامة..!
"إسرائيل" التي تبدو اليوم مستريحة " سياسيا" و غير معنية بالدفاع عن " آرائها" تجد ساركوزي هو الناطق الرسمي باسمها، لأنه يدافع عنها، و لأنه يعتبر حماس " حركة إرهابية" و يعد السلطة الفلسطينية بقياد "محمود عباس" كل فلسطين! هذا لأن "إسرائيل" نفسها قالت هذا الكلام من قبل، و تريد أن تنشره اليوم على أكثر من صعيد بما فيه الصعيد المتوسطي!
الجزائر و مسمار جحا!
الجزائر التي " أيدت المشروع" و عارضته في نفس الوقت، تبدو اليوم في حالة من التناقض غير المسبوق إزاء مشروع من السهل الرد عليه ب"نعم" أو " لا" صراحة. فأن يكون ثمة مشروع متوسطي في الوقت الذي تطرد فيه الدول جنوب أوروبية آلاف من المهاجرين إلى دولهم، معناه أن ثمة خلل، باعتبار أن المشروع المتوسطي سوف يناقش إشكالية " الهجرة" و إشكالية الحدود ووسائل السفر و تأشيرات السفر الخ، فكيف يمكن التصديق أن المشروع المتوسطي الذي يضحك به " ساركوزي" على بقية الخلق بعبارة " لا حدود متوسطية" في الوقت الذي تقيم فيها الدول الأوروبية حدودا عملاقة و حقيقية ضد المهاجرين العرب تحديدا ومغاربة بشكل خاص؟ هل سوف يستثني المشروع دخول الجزائريين و المغربيين إلى أوروبا مثلا؟ إن كان الجواب "لا" فكيف نصدق أن تصدر سويسرا بيانا تعتبر فيه أن الجزائريين والمغربيين يشكلون "خطرا أمنيا عليها" و هو ذات البيان تقريبا الذي صدر "أمنيا" من بروكسيل" و يصدر كل يوم من ايطاليا و اسبانيا.. من يضحك على من؟ ساركوزي أم "إسرائيل" أم الدول المغاربية التي تعشق الرقص على جراح شعوبها لتجرهم من رقابهم إلى المقصلة احتفاء بعيد النصر! ناهيك على أن دولة مثل الجزائر أو المغرب غير قادرتين على توفير الخبز و الأمن لشعبها فكيف يمكن أن تمنحه للآخرين! ليبقى السؤال المهم: لمصلحة من الدخول إلى مشروع متوسطي تقوده "إسرائيل" من خلال " المهرج" ساركوزي؟ من له مصلحة الدخول في مشروع " سخرية" بهذا الشكل في الوقت الذي تطارد فيه الدول الغربية المواطنين العرب و المسلمين، في الوقت الذي تتنافس الصحف الغربية على نشر الصور المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلهم و لكل المسلمين و المسلمات، في الوقت الذي لا تخلو فيه جهة أوروبية من " بند" يعتبر العربي المسلم " إرهابي بالفطرة" يستحق الملاحقة و المتابعة و الطرد! ناهيك على أن تاريخ إطلاق المشروع يصادف "13 يوليو" أي يسبق بيوم واحد العيد الوطني الفرنسي الذي قام " تشبيهيا" على أنقاض الدول الإفريقية و المغاربية، لأن احتفال فرنسا نيكولا ساركوزي بنصرها يوازي احتفالها بنصر "إسرائيل" على المتوسط أيضا!