الشيخ الدكتور أحمد طه ريان : وسائل الإعلام تريد تدمير المجتمع ..وإلغاء المذاهب الفقهية كارثة

حوار: تسنيم الريدي
لاشك أنه يوجد في الأمة الإسلامية الآن بعض الثغرات في بنائها لأسباب عديدة ، تتأرجح بين تخلي البعض عن القيم الأساسية المتعلقة بالشريعة الإسلامية، وبين إطلاق العقول عنانها للفضائيات والإعلام الغربي ليستقي منه ما يشاء دون ان يضع حداً لما تمليه عليه ثقافته الإسلامية، صارت هناك تصدعات في جدران بيوت الأزواج، وخلل واضح في المفاهيم التربوية، وغيرها وغيرها مما استوقف البعض لمعرفة سبب هذه المشكلات وحلولها ... كان لموقع المسلم هذا الحوار مع أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر ورئيس موسوعة الفقه الإسلامي , ومن يلقبه طلاب العلم بأعلم أهل مصر وشيخ المالكية الأستاذ الدكتور الشيخ أحمد طه ريان لنعرض عليه بعض القضايا التي تثير تفكير الشباب المسلم.

** المسلم : كيف ترون انتشار الفتاوى التي يتم إطلاقها عبر الفضائيات والهواتف النقالة، وما هي نتائجها على المجتمع المسلم؟
الدكتور ريان : الفتاوى يجب ألا يطلقها إلا عالم يكون على علم بالعناصر الاساسية فى الدين، وان يكون على علم كال بأيات الاحكام فى القران الكريم، وبأحاديث الاحكام فى السنة النبوية المطهرة، وان يكون على علم باراء الفقهاء فيما اخنلفوا فية وما اتفقوا عليه، بل ويجب أن يكون على علم بقواعد اللغة العربية، والبلاغة والنحو والصرف، وان يكون على علم بالناسخ والمنسوخ فى القران الكريم.
وهنا فلا يضر ان تكون الفتوى عبر وسيلة معينة، لكن المهم من هو الذى تصدر منة هذه الفتاوى، فان توافرت فيه هذه الشروط، فلا بأس بإذاعتها سواء عن طريق الفضائيات او الهواتف النقالة او دور الافتاء او الجمعيات الخيرية او مواقع الانترنت.

** المسلم : وهل ترون أن الفضائيات الدينية تؤدي دورها المطلوب في توعية الجمهور بقضايا أمتهم؟
الدكتور ريان : تعد هذه إشكالية صعبة، حيث يجب ان يتصدر هذة الفضائيات ذوو العلوم الدينية ممن تتوفر فيهم شروط الدعاة المسلمون الحقيقيون، لكن للاسف هذا ليس فى كل الفضائيات، فالقضية هنا من الذى يتصدر للدعوة ... اهم رجال الدعوة ام بعض الرجال ممن لديهم المام ببعض تعاليم الدين ؟؟

** المسلم : بسبب ذلك كانت بعض وسائل الإعلام منبراً للمستشرقين كي يبثوا أفكارهم ... ما رأيكم في مفاهيم " حقوق المرأة" الذي يحاولون زرعه في عقول المراة المسلمة؟
الدكتور ريان : بداية يجب ان ندرك ان الاسرة المسلمة هى التى حافظت على العناصر الأساسية للاسلام، فالاسرة المسلمة هى التى تتكون من الزوج والزوجة وما بينهما من ابناء، لكن للأسف بسبب بعض المفاهيم الخاطئة انهارت الكثير من الامبراطوريات الإسلامية وهذا بفعل أعداء الإسلام اللذين استطاعوا ان يغيروا عند المرأة بعض المفاهيم الاساسية لاسلامها، لكن رغم ذلك نجحوا في تغيرر بعض المفاهيم إلا أن المتعلقة بالاسرة استعصت عليهم في البداية حيث تمتعت المجتمعات الإسلامية بالترابط من النواحى الاجتماعية، والتى حفظت للاسلام منهجة وعناصرة وتفاعلة، والتى ستظل ضد محاولات تفكيك الأسرة المسلمة، التي كانت محاولات مستميتة وبكل الوسائل لتفتيك هذا الكيان الذى حفظ المسلمين حتى الان.
لذلك بدأت الدعاوى والخطط لتدمير بنية الأسرة من الداخل بتغير منهجها وسماتها، فبدأ البعض يقلد الأسرة الغربية ، فنجد الزوج يكتفى بأن يلتقى زوجتة فى جزء من النهار او الليل بما يملية عليه النظام الغربى ، كأن يلتقوا قط على العشاء مثلاً كل يومين أو ثلاثة أيام، مع إهمال حاج الأبناء للتواجد الدائم للأب والأم في البيت لرعايتهم ومتابعة شئونهم، وهذا ليس كلام نظريا، حيث قامت وزارة الخارجية الامريكية بتحديد ادارة تختص بشئون المراة العربية، فبدأوا ياتوا بها من الشرق بضعة اشهر في دورة ليعلموها بعض المبادئ لتعود بها الى اسرتها لتهدمها، مطلقين على هذه الدورات عبارات تطوير المرأة والمجتمع وما هى إلا بدايات تفكبك الاسرة المسلمة.

** المسلم : هل ترون أن هناك أعرافاً خاطئة في المجتمعات العربية تتعارض مع الشريعة الإسلامية خاصة المتعلقة بالبيت المسلم ... وما أثر ذلك على الشباب المسلم ؟

الدكتور ريان : في الحقيقة لقد انتشر إكراه الفتيات على الزواج في بعض المجتمعات العربية، رغم أنه من المباديء الاسلامية الأساسية ان الاب والام مطالبين يأخذ رأي الابنة في زواجها، وقد تكون ثيباً فيجب ان يأخذ رأيها مباشرة وبصراحة في الرفض او القبول في المتقدم، اما البكر فالسكوت هو رداً بالرضا ، وان رفضت فلا تزوج وهذا هو الاصل.
لكن الاسلام اباح ان يجبر الاب ابنته على الزواج من رجلاً يراه صالحاً، في حين أن هذه الابنه لا تعرف قيمة هذا الرجل الصالح، وهذه هي الحالة – وهي الوحيدة - يستطيع الاب ان يجبر ابنته على الزواج، حتى لو أبدت اعتراضها، نظرا لان وسائل الاعلام غيرت المفاهيم امام الشباب والفتيات فصارت الوسامة والمستوى المادي والطول والعرض هي معايير الاختيار لزوج المستقبل لكن لم يذكر بينها الاخلاق او الالتزام او صلاحية الشخص للتعامل مع اسس الاسلام وعناصره الاساسية وهنا الاب يستطيع اجبارها على الزواج، حتى لو لم يكن هناك قبولاً ، لكن الاصل لا تجبر الفتاة على الزواج حتى لا يؤدي ذلك إلى فشل الزواج وينتهي المطاف إلى الطلاق.

** المسلم : انتشر مؤخراً تطبيق المثل القائل " نار العنوسة ولا جنة الزواج" ما رأيكم في هذا المثل وما سبب اقتناع البعض به سواء شباب او فتيات؟
الدكتور ريان : سبب انتشار مثل هذه الآراء يرجع إلى وسائل الإعلام التي تسعى لتدمير حياة المسلمين، فهناك شباب للاسف يقتنعون بذلك وهؤلاء من يريدون تفكيك القيم الاسلامية في كيان الاسر المسلمة، فلا تستطيع المراة السوية ان تصبر عن الزواج طيلة شبابها، وكذلك الرجال، وبالتالي فمثل هذا المثل هو دعوة خبيئة لاستبدال الزواج بالصداقة واتخاذ الاخدان بين الجنسين ، وللأسف هناك بعض المجتمعات التي تسير بهذه الدعوة الخبيثة فعلا، وهنا فنحن يجب ان نيسر الزواج للقضاء على هذه الافكار الخبيثة وعلى الحكومات ان تساعد على هذا التيسير.

** المسلم : برأيكم ما سبب ارتفاع حالات الطلاق في المجتمعات العربية؟
الدكتور ريان : الاصل ان الاسلام وضع خطوات للزواج، وللاسف هي لا تدرس ولا تهتم بعض الأسر المسلمة بأن تسير على المنهج الاسلامي الصحيح، فالزواج يبدأ بالتعارف بين الطرفين لتحديد إن كان هناك قبولاً لاتمام الزواج بينهما أم لا، ثم الخطوة الثانية بعد الرد بالقبول هي فترة الخطبة والتي يجب أن تكون داخل نطاق الاسرة حيث يتعرف الشاب والفتاة على بعضهما أكثر، وفترة الخطبة هي للتعرف على الاخلاق الخاصة بالزوج الزوجة، وكذلك اخلاق الاسرتين كى لا يكون بمثابة شخص سيدخل فرداً جديداً على الاسرة ( سواء الزوج أو الزوجة) ويكون بينهما اختلاف شديد في العادات والتقاليد فيحدث تنافر واختلاف.
ثم تكون فترة عقد القرآن وهي مهمة لان التعارف عن قرب ولمس افكار الطرف الاخر عملياً بالاطلاع على طريقة حياته ومناهجه في الحياة، فاذا خطونا هذه الخطوات حقيقة بما يمليه علينا الاسلام سنصل إلى حياة زوجية مستقرة بلا مشكلات تؤدي للطلاق.

** المسلم : وهل يكون روتين الحياة اليومية سبباً في فشل العلاقة الزوجية؟
الدكتور ريان : كثير من الأزواج لا يهتمون بتجديد حياتهم الزوجية خاصة بعد مرور وقت طويل على زواجهم فنجد الأم قد انشغلت كثيراُ بتربية الأبناء عن تلبية حقوق الزوج أحياناً، بل وأحياناً ينشغل الزوج عن بيته وأسرته لتوفير نفقاتها في زمن يكدح فيه الأب بين عملين أو أكثر، وبسبب هذا الروتين في الحياة الزوجية يتسلل الفتور للعلاقة بين الزوجين وتبدأ المشكلات إن لم يفكرا في سبل تجديد حياتهم بالابتكار والابداع.
ويجب على الزوجة أن تكون عوناً لزوجها توفر له السكن والراحة، تهتم بنظافتها جمالها، ولا تنسى وسط مسئوليات أبنائها أن تحافظ على هيئتها فإن نظر إليها زوجها أسرته ، وعلى الزوج الا ينشغل بالركد خلف متطلبات الحياة المادية عن تلبية احتياجات زوجته المعنوية، وأن يحافظ على الرفق والحنان والرحمة في معاملته لها، وعليه ان يطلب منها من وقت لآخر أن يخرجا للتنزه سوياً بعيداً عن مشكلات البيت والأولاد ، وأن يجددا سبل الحوار بينهما باستمرار.

** المسلم : ما هي اساسيات بناء البيت المسلم برأيكم ؟
الدكتور ريان : تاتي في الخطوة الاولى لبناء هذا الصرح التأكد من خطوات الاختيار الصحيح لكلا الطرفين ،وهي الاساسية التي اذا تمت بشكل صحيح سنضع عبرها الاساسيات والدعامات الثانوية لبناء البيت المسلم ، وحسن الاختيار هو بمثابة الخرسان الذي يوضع قبل بناء البيت.
كما أن تعرف كل طرف من ازوجين في بداية الحياة الزوجية أو خلال فترة عقد القرآن بشكل تفصيلي على مطالب الطرف الآخر منه من أساسيات بناء البيت المسلم ، وذلك عبر تحديد الحقوق والواجبات لكل طرف، واذا استطاعا توضيحها بشكل كامل ومناقشتها بشكل جيد واحترام رغبات كل طرف للطرف الآخر سيصل الزوجين لنتيجة متميزة.
النبي عليه الصلاة والسلام حينما زوج فاطمة الزهراء من سيدنا علي رضي الله عنهما حدد لكل منهما مسئولياتهما، وحدد لهما ان كل المتطلبات خارج المنزل هي من مسئولية علي وكل المتطلبات داخل الاسرة تقوم بها فاطمة رضي الله عنها، وهذا اساس متين يجب ان نبني عليه في كل شيء.

** المسلم : برأيكم كيف يواجه الرجل والمرأة المشكلات الزوجية؟
الدكتور ريان : يجب أن يدركا أولاً أنه لا توجد علاقة زوجية كاملة الأوصاف بلا مشاكل أو اختلافات في وجهات النظر، لانهما شريكين للحياة يسعيان لبناء هذه الاسرة الجديدة، وبالتالي فيجب أن يكون هناك اختلاف لانهما لم يتربيا في بيت واحد، إنما لكل منهما عاداته وتقاليده التي تربى عليها ويريد ان يطبقه في بيته وهنا تكون الاختلافات.
لكن أهم نقطة لمواجهة أي مشكلة هي أن يحافظ الزوجين على أسرارهما فلا تخرج أي خلافات بينهما لطرف ثالث، وأن تحصر كل الخلافات داخل دران بيتهم وفقط، وعلى الزوجين ألا يقف على أخطاء الطرف الآخر ، وألا يعلا اختلافاتهما تتسبب في غضب أحد الطرفين وهجر غرفة النوم مثلاً وهذا تصرف خاطيء جداً يتسبب قي فقدان اسس التوصل بين الزوجين، وخلال الاختلاف يجب ان يراعي كل طرف الا تختلط بأداء الحقوق والواجبات والاحترام بين الزوجين.

** المسلم : فضيلة الدكتور .. بعد تفاقم مشاكل ارتفاع الأسعار ، بدأ البيوت المسلمة تشكو وبدأ البعض يدعو للجوء إلى القروض البنكية التي تتعامل بالربا ، وهو خطر في معصية الله وله آثاره التربوية السيئة فما رأيكم في ذلك، وهل هناك بديل لها؟
الدكتور ريان : الربا منذ ان جاء الاسلام وهو محارب، لانه كان موجوداً في الجاهلية باشكل والوان متنوعة والاسلام حاربها بكل انواعها ، سواء كان الربا البسيط او الربا المركب، والحال الآن هو عودة للحال في الجاهلية تماماً وهو محرم نهائياً، فالاسلام وضع لنا منهجاً وهو في القرض الحسن، وينبغي على الدولة والأغنياء من المسلمين ان يوفروه لمن حولهم من الفقراء.
فالربا اوجد في نفوس الناس نوع من الطمع، حتى بات البعض يسير بالربا حتى يرجع عليه زيادات مضاعفة من الاموال، ونحن نشجع على مفهوم القرض الحسن لمساعدة هؤلاء الناس ويجب على الدعاة ووسائل الإعلام أن نوصل للناس هذا المفهوم وثوابه عند الله عظيم فالصدقة بعشر امثالها.

** المسلم : تعالت أصوات الداعيين في الخطاب الديني إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية خاصة مع الصراع الفكري القائم بين الشباب السني والشباب الشيعي ... ما رأيكم في هذا؟
الدكتور ريان : داخل اهل السنة لا يوجد بينهما خلاف بسبب تقارب المذاهب الاربعة، لكن هناك للأسف خلافً شديداً بين الشيعة والسنة بسبب خلافهما على أساسيات كالامامة، لكن يجب الا تفرق هذه الخلافات العقائدية بين الصفوف، فالاعداء لا يفرقون بين سنة وشيعة في حربهم على الإسلام، ويجب الا نكون سنة وشيعة بمعزل عن التواصل وان نتعايش بين هذه المذاهب سواء على مستوى الشباب او القادة او السياسين، ويجب أن نلتزم الاتفاق والوحدة لمواجهة هؤلاء الاعداء فكل المسلمين مستهدفين، وعلى من يتكلمون في هذا المجال أن يتمسكون باواصر الوحدة والتواصل والتجمع لا التفرقة بين هؤلاء وهؤلاء.

** المسلم : أخيراً وصفتم إلغاء تدريس الفقه المذهبى بأنها كارثة أطلت على المسلمين ... لماذا؟
الدكتور ريان : هذه بالفعل كارثة عظيمة لانه منذ القرن الثاني الهجري بدا المسلمون يدرسون احكام الاسلام عن طريق فهم العلماء للكتاب والسنة، ونشات من ذلك عناصر واوصول لكل مجموعة، والان هم اربعة مذاهب، وكل منطقة وكل مجموعة من الشعوب مهتمة بدراسة مذهب وتدرس القواعد الاسلامية والاحكام من خلال ذلك.
وبالتالي إلغاء المذاهب معناه ان هذا البناء قد انهار منذ 1200 سنة وهو بناء فكري اسلامي قد انهار لان الناس دابوا منذها على دراسة الاحكام من خلال هذه المذاهب الاربعة، ولكي نبدا ننظر في الكتاب والسنة لتكوين نظام جديد بسبب الغاء المذاهب فهذا مستحيل، لان في القرون الاولى نذر العلماء حياتهم لله لوضع القواعد والأحكام الخاصة بالشريعة الإسلامية، ولا يوجد من يفعل ذلك الآن، وهنا فهذه اكبر مشكلة تمس الاحكام الشرعية في بلاد المسلمين، لأن إلغاء المذاهب هو ضياع لمعنى الحلال والحرام الذي بنته الشريعة الإسلامية , والذين يلغونها هم أنفسهم يتعصبون لاختياراتهم !! فيتركون كلام كبار الأئمة لكلام غيرهم !