هل تصبح أفغانستان مركز مقاومة المشروع الأمريكي بدلاً من العراق؟
12 جمادى الثانية 1429
د. محمد مورو

كثير من الأمور والأحداث تقود الآن في اتجاه أن تصبح أفغانستان هي المركز الرئيس لمقاومة المشروع الإمبراطوري الأمريكي ، بعد أن كانت العراق ولمدة عامين 2005 ، 2006 هي ذلك المركز أو البؤرة الرئيسية لتلك المقاومة ، ولكن هناك الكثير من الأسباب الموضوعية والذاتية تقود الآن في اتجاه أن تصبح أفغانستان هي ذلك المركز ، وأن المقاومة الأفغانية تزداد قوة كل يوم بينما تعاني المقاومة العراقية من عدد من المشكلات والمعضلات التي أثرت على عملها كثيراً وأدت إلى نوع من التراجع بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق نصر استراتيجي على الولايات المتحدة .
ما هي أسباب تراجع الدور العراقي المقاوم ، وزيادة الدور الأفغاني القادم ، ثم ما هي التداعيات المتوقعة من ذلك التطور ، هذه وغيرها أسئلة ينبغي الإجابة عليها خاصة بعد أن وصل الأمر بالمقاومة الأفغانية ، أنها أصبحت تسيطر على الكثير من المناطق والمحافظات في جنوب البلاد وغربها وبعد اعتراف قادة حلف الأطلنطي بالفشل في أفغانستان وبحثهم المستمر عن طريقة لمنع الانهيار هناك ، ولعل حادثة الهجوم على السجن الرئيس بمحافظة قندهار وتفاصيلها المثيرة تكشف عن المدى الذي وصلت إليه حركة طالبان من قوة ، وما وصلت إليه أمور القوات الحكومية وقوات الناتو المتمركزة في أفغانستان من تخبط وتفكك ، فقد استطاعت قوات تابعة لحركة طالبان أن تقوم في وضح النهار ، باقتحام السجن عن طريق دفع شاحنتين محملتين بالمتفجرات إلى سور السجن ، ثم الدخول بدراجات نارية وقتل الحراس أو هروبهم ، ثم إطلاق سراح أكثر من ألف سجين بينهم 400 من عناصر طالبان الذين كانوا محبوسين داخل أسوار هذا السجن ، بل وهروب هؤلاء المحررين إلى مناطق آمنة بعد ذلك ، وهذا يعني أولاً أن طالبان باتت تملك المقدرة العسكرية والتخطيطية والخيال الخصب وأنها من ثم باتت في حالة قوة لا يستهان بها ، وأنها تحظى بالرضا الشعبي لدرجة أن تتحرك بكل هذه القوات ولا يبلغ أحد عنها لتأتي الطائرات الأمريكية لقصفها ، وأنها تكتمت الاستعدادات التي تمت لهذه العملية ، مما يدل على تماسكها الأمني والاستراتيجي ، ومن ناحية ثانية فإن تنفيذ العملية وإنهائها وعدم تحرك لا قوات الناتو ، ولا قوات الحكومة ولا الطيران التابع لحلف الناتو لصد وإفساد تلك العملية يعني أن هناك خللاً كبيراً داخل معسكر الحكومة وأوساط حلف الناتو أدى إلى شلل شبه كامل ، وقد يقول البعض أن قوات الحكومة هي التي تعاني من العجز لأنها لم تتحرك لمنع اقتحام السجن وهي كانت قريبة من موقع الأحداث ، ولكن قوات الناتو كانت بعيدة عن موقع الحادث ومن ثم فلا يمكن إلقاء اللوم عليها ، وهذا الكلام تنقصه الدقة ، لأن هناك طائرات تابعة لحلف الناتو يمكنها على الأقل المشاركة بسرعة ، ولكن الذي حدث أنه لا طائرات شاركت ولا قوات من الناتو ، ولا قوات من الحكومة مما يكشف الخلل الخطير والكبير في الموضوع ، ومما يؤكد أن زمام المبادرة في أفغانستان بات بيد قوات طالبان وعلينا أن نرصد في هذا الصدد أن طالبان التي انهزمت عام 2001 وسقطت من السلطة ، استطاعت أن تعيد تنظيم صفوفها ، وأن تسير في اتجاه طردي نحو الفاعلية والثورة ، وأن مسيرتها في ذلك الصدد لم تكن متذبذبة كما هي الحال مع المقاومة العراقية بل إن طالبان تزداد قوة يوماً بعد يوم ، وأنه رغم أن الدول الغربية عموماً وافقت الولايات المتحدة على غزو أفغانستان وشاركت بقواتها من خلال حلف الناتو في ذلك الغزو ، في حين عارض بعضها في غزو العراق ، إلا أن طالبان صمدت أمام هذا الإجماع الغربي بما له من تداعيات عسكرية وإعلامية واستطاعت إقناع شعبها ، بل والشعوب العربية والإسلامية بأنها حركة تحرر وطني ، وليست حركة تطرف وإرهاب ويجب هنا أن نعترف بأن ممارسات طالبان رغم الظروف الدعائية والسياسية غير المواتية معها ، كانت أفضل بكثير من ممارسات المقاومة العراقية ، أو بعض فصائلها الكبيرة على الأقل ، التي دخلت في معارك طائفية أو عشائرية لا مبرر لكثير منها ، وأنه على حين كانت المقاومة العراقية تعاني من نوع من الانقسامات وكثرة الفصائل وظهور أمراء وإمارات بلا مبرر في بعض المناطق ، ثم للأسف الشديد نجاح الأمريكان في اختراق الصف السني ، وهو الحاضن الأساسي للمقاومة ، وإنشاء ما يسمى بالصحوات " جمع صحوة " الأمر الذي أضعف المقاومة كثيراً وأدى إلى تراجعها ، فإن المسألة بالنسبة لطالبان كانت مختلفة ، فهناك قيادة موحدة للمقاومة ، والتشرذم والانقسام غير مؤثر أو غير موجود أصلاً ، والشعب الأفغاني يلتف حول المقاومة خصوصاً في مناطق البشتون ، ثم إن هناك دعم هام من القبائل على الحدود الباكستانية ، الأمر الذي يعني أن المقاومة الأفغانية وتحديداً طالبان ستصبح هي بؤرة مقاومة المشروع الأمريكي في المنطقة ، وفي الحقيقة فإن الانتصار الأفغاني سيعود أخطر كثيراً على أمريكا والغرب من الانتصار العراقي لأن الانتصار العراقي كان من الممكن تطويقه عن طريق الفتن الطائفية والحصار الإقليمي ، والتمدد الإيراني الذي لن يكون مواتياً مع المقاومة العراقية وغيرها من العوامل ، أما طالبان ، فهي أولاً قوة إسلامية معتدلة ، نجحت في إقناع شعبها لها امتدادات هامة في باكستان " طالبان باكستان " ، لا تعاني من الانقسام والتشرذم ، ومن ثم فإن انتصارها سيعني ليس فقط تحول أفغانستان إلى بؤرة لمواجهة المشروع الأمريكي ، بل ستؤدي أيضاً وفقاً لنظرية الدومينو إلى تساقط الكثير من النفوذ الأمريكي في آسيا ، وبل ويمكن أن تتحول باكستان بدورها إلى بؤرة أخرى مجاورة ، خصوصاً بعد الأزمة التي تعانيها السلطة الباكستانية من حكومة أحزاب ورئاسة برويز غير المتوافقتين مع تصاعد مد حركة طالبان باكستان وزيادة نفوذ المناهضين لأمريكا خاصة في منطقة القبائل والحدود مع أفغانستان ولو تم هذا لكان معناه بداية نهاية أمريكا في العالم ، بل وبداية نهاية المشروع الغربي برمته الذي صعد منذ ثلاثة قرون ثم ها هو يبدأ في النزول ، وربما كان ذلك بداية عهد العالمية الإسلامية الثانية ، ولا ننسى أن الهزيمة الأطلسية في أفغانستان هي هزيمة للغرب كله وليس أمريكا وحدها ، لأن معظم دول الغرب تساهم في المجهود العسكري في أفغانستان من خلال حلف الناتو ، والأخطر أنها تساهم في المجهود السياسي والدعائي ، وأنها كانت ولا تزال مؤيدة وموافقة للغزو والاحتلال الأمريكي لأفغانستان في حين عارض بعضها الغزو الأمريكي للعراق .