اللواء طلعت مسلم: غزو العراق ألغى دور الجيوش النظامية لتحل محلها المقاومة.. لا يمكن للدور الروسي إيقاف أمريكا
9 جمادى الثانية 1429
همة برس – خاص بالمسلم

أكد الخبير العسكري المصري والمحلل الاستراتيجي اللواء أركان حرب متقاعد طلعت مسلم، أن أمريكا فشلت في العراق فشلا ذريعًا؛ وأن هذا الفشل جعلها تفكر ألف مرة في الخروج من هناك، لكنها تريد البحث عن تبرير لهذا الخروج، مشيرًا إلى أن الحياة في العراق باتت مأساوية ولا تحتمل وبالتالي هجرها أهلها، ومن ثم فإنه يجب على الشعوب والأنظمة العربية أن تغير من استراتيجيتها تجاه الاحتلال الأجنبي.

وأضاف اللواء مسلم العضو في الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، ومقرر المكتب السياسي للحزب العربي الناصري في مصر في حوار مع "المسلم" : "المقاومة العراقية باتت الآن أفضل من الجيوش النظامية التي باتت تعتمد على التكنولوجيا العسكرية المتطورة دون الاهتمام بالجندي نفسه، ومن ثم أصبحت المقاومة العراقية وقوات "حزب الله" أنجح وأفضل حالا من تلك الجيوش النظامية بل وحققت عليها انتصارات عديدة.

مزيد من التفاصيل في نص الحوار:

* كيف ترى طبيعة الدور الأمريكي في العراق ومستقبله؟
** أعتقد أن الموقف في العراق يؤكد الفشل الأمريكي في تحقيق أي أهداف، سواء كانت هذه الأهداف خاصة بالعراق أو بالمحتل نفسه، فلك أن تتخيل أن عدد القتلى العراقيين تخطى المليون قتيل، وهناك أكثر من2 مليون مهاجر، وأكثر من 2 مليون نازح نتيجة الحرب والغزو، بالإضافة لانعدم الأمن، وعدم وجود أي مظاهر للحياة؛ مثل الكهرباء وموارد التغذية.

والحقيقة تقول إن الوضع هناك مأساوي للغاية، نتيجة الجريمة الشنيعة التي ارتكبتها الولايات المتحدة وإدارتها الحالية هناك من غزو واحتلال، وأعتقد أن الولايات المتحدة تبحث عن حل لخروجها من المأزق العراقي، دونما أن يحسب عليها ذلك على أنه انسحاب أو هزيمة.

وأرى أنه لا مستقبل للوجود الأمريكي في العراق، رغم عدم توقع الانسحاب السريع حتى في حالة فوز أوباما، الذي يمثل الحزب الديمقراطي المناوئ للحزب الحاكم الآن في أمريكا، والذي يقوده الرئيس جورج بوش، ففي كل الأحوال ليس هناك انسحاب سريع، ولا استعادة سريعة للعراق بالنسبة للجامعة العربية قبل سنتين أو ثلاثة على الأقل، ولكن سواء حدث انسحاب أم لا فإن الفوضى ستعم أركان العراق لفترة طويلة، وربما لسنوات بعيدة.

* ما هي أبرز النتائج التي أحدثها الغزو على المنطقة؟
** أعتقد أن أبرز نتيجة استراتيجية أفرزها الغزو الأمريكي للعراق هي هزيمة الجيوش النظامية، والتي باتت التحركات المنتظمة التي تسير وفق أسلوب مدروس كالمقاومة العراقية و"حزب الله" أفضل منها، خاصة بعدما فقدت الجيوش النظامية أصول الحرب، وباتت تعتمد فقط على تكنولوجيا عسكرية متطورة دون الاهتمام بالجندي نفسه.

وللعلم فإن غزو العراق ألغى دور الجيوش النظامية، لتحل مكانها مقاومة شعبية، فها هي المقاومة العراقية صامدة منذ خمسة أعوام، والجيش "الإسرائيلي" الذي "لا يهزم" لم يتمكن من "دحر" قلة من المقاتلين من "حزب الله" في لبنان، الذين صمدوا أكثر من شهر ملحقين بالجيش "الجبّار"، وأسلحته الأمريكية الفتاكة، هزيمة لا تزال تتفاعل حتى الآن، ولا يزال الجيش الصهيوني يتخبط في البحث عن وسيلة لأخذ الثأر من "حزب الله" واسترداد قدرته الرادعة.

* وكيف ترى مستقبل المنطقة؟
** مستقبل المنطقة مرتبط بأهل المنطقة أكثر من ارتباطه بالولايات المتحدة نفسها، رغم وجودها كمحتل للعراق، وكداعم أصيل للكيان "الإسرائيلي" في احتلاله لفلسطين، فأهل المنطقة أو بلاد المنطقة لو اتخذوا قرارات تفيد الصالح العام لشعوب المنطقة، فلن يكون هناك احتلال، ولم نكن لنصل إلى ما نحن عليه الآن.
فلو كنا نفرق بين مشاكلنا مع بعضنا، وبين وجود الاحتلال في المنطقة، والآثار الخطيرة التي ترتبت عليه، ما كان العراق ضاع أو احتل، وما كنا وصلنا لهذه الدرجة من التدهور والتبعية والخنوع.
فللأسف المنطقة في وضعها الحالي لا تعطينا احتمالات كبيرة للتغيير، ولكن إذا أردنا توقع أي تغيير لابد أن يكون تغيير راديكالي قوي في تركيبة الحكم في المنطقة، ولكن هذا حتى الآن ليس موجود مع الأسف.

* وكيف تقيم الدور الروسي الحالي في المنطقة؟
** الدور الروسي موجود لكنه ليس بالشكل القوي، الذي يمكنه أن يوقف أي مخطط أمريكي في المنطقة، لكن من الممكن أن يزداد هذا الدور، ويظهر أكثر وضوحا، فيما يتعلق بالملف الإيراني، كما أنه قد يساعد في العراق، ولكن لا أعتقد أنه سيساعد كثيرًا لأن الأمر يتطلب خروج قوات الاحتلال الأمريكي من العراق وهذا أمر بعيد المنال الآن.

وأنا أرى أن روسيا تلعب دورا إيجابيا لكنه ليس فعالا، نتيجة بُعد روسيا عن المنطقة لفترات طويلة، إضافة إلى محدودية قدراتها فيما يخص التدخل في الملف العراقي في الوقت الحالي، لكن كل هذا لا يقلل من الدور الروسي في المنطقة، فهو موجود وإيجابي، لكن بوسعه أن ينفذ ويصبح أكثر إيجابية وفعالية وخاصة إذا حدثت تحولات في الوجود الأمريكي في المنطقة، كأن تخرج أمريكا من العراق، أو أن يقل دورها فيما يخص مساندة "إسرائيل".

* وماذا عن اتصالات روسيا بحركة المقاومة الإسلامية حماس؟
** اتصالات روسيا بحركة حماس تأتي في إطار مواصلة الحوار مع كافة الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية، ومحاولة إيجاد دور إيجابي لها في المنطقة، خاصة وأنها تعلم مدى أهمية القضية الفلسطينية للساحة الدولية، والمنطقة العربية على وجه الخصوص.

وفي رأيي أن السلطة الفلسطينية لن تدخل في علاقات ثنائية مع موسكو، حتى لا تدخل في حرج مع الجانب الأمريكي، لكنها – أي السلطة- لا تريد أن تخسر محور مهم كروسيا في عملية السلام.

* ماذا عن فترة الرئيس بوتين.. وكيف يمكن تقييمها؟
** فترة رئاسة بوتين كانت عبارة عن محاولات منه لاستعادة مكانة روسيا على الصعيد الدولي واستعادة جزء من مكانتها التي أهدرت عقب سقوط ما كان يسمى بالاتحاد السوفييتي، ولذلك حاول بوتين كثيرًا استعادة دورها الدولي القوي، ولكن بعيدًا عن الحرب الباردة، لأن هذه الحرب ليس لها وجود الآن، لأن الأمر لم يعد اختلافًا أيدلوجيًا بين الولايات المتحدة وروسيا بقدر ما هو اختلاف مصالح فقط.

ولا يزال الاقتصاد الأمريكي إلى الآن، ورغم ما أصابه من تدهور، يشكل ثقل كبير بالنسبة للعالم، وبوتين كان يريد ألا يترك أمريكا وحدها في الميدان، كقوة واحدة في العالم، وأراد أن يصل بروسيا إلى أن تكون القطب الأخر القوي في العالم، كما كان الوضع سابقًا، لكنه إلى الآن لم يستطع إنجاح هذه التجربة، لأن أمريكا ما زالت هي من يتسيد العالم، ولكن ربما يحدث ذلك في المستقبل.

* في كل ما يحدث أين الدور الأوروبي؟
** أوروبا مازالت تابعة للسياسة الأمريكية، وليس من المنتظر في المستقبل أن تخرج عن هذه السياسة، والخلاصة أن أوروبا لا تريد تحمل أعباء مادية جديدة تكون مخالفة للسياسات الأمريكية، فهي تريد أن تقوم أمريكا بتحمل كل التكاليف بعيدًا عنها، فهي فقط تساندها شفويًا، بحيث لا تتحمل أي أعباء مادية، إضافة لكون ذلك لا يخرجها من العباءة الأمريكية.