23 رجب 1429

السؤال

أنا فتاة منَّ الله علي بالحجاب و التدين بين بيئة غير متدينة وكان أهلي يعزون قلة خطّابي لذلك حتى يسر الله و تقدمت إحدى الأسر المتدينة لخطبتي لأحد أبنائها و هو مهندس و متدين يعمل في السعودية ثم آثرني على أخٍ له في أوروبا وهما متدينان فهل أقدم من يسكن الأرض المشرفة علما أنه مصاب في ظهره إصابة عمل -استدعت أن يمشي بعكاز- قد تستمر إلى سنة على حد قوله أم أقدم صاحب المال و الدنيا من يعمل في أوروبا..أنا في حيرة فساعدوني

أجاب عنها:
تسنيم الريدي

الجواب

أختي الحبيبة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقدر حجم قلقكِ وتوترتكِ الذي يتضح كثيراً في رسالتك ... وهذا حال أي فتاة مقبلة على الزواج، لكن هوني عليكِ فالأمر بسيط بإذن الله تعالى، فقط يحتاج للتفكير قليلاً مع تحديد الأهداف والرغبات من الزواج، فرائع أن يكون واضحاً في ذهنكِ أنك تريدين من ترضين دينه وخلقه، لكن هناك بعض المعايير الأخرى التي يجب ألا تتجاهليها مطلقاً، لإنها إن لم تكن محسومة في قلبكِ قبل عقلكِ قد تسبب لكِ الكثير من المشكلات، بل – لا قدر الله - قد تسحب بساط السعادة من تحت قدميكِ أنتِ وزوجكِ بعد فترة من الزواج.
فأنتِ أخيتي تريدين الشاب الصالح الذي يحفظكِ ويسعدكِ وهذه أمنيه كل فتاة في سنكِ، لكن هناك نقطة هامة وهي الحادث الذي تسبب في مشكلة بسيطة في قدرة هذا الشاب المهندس على المشي، فقد وضح هو لوالدته أن تنقل لكِ ما قاله الطبيب بأنه قد يشفى خلال ستة أشهر أو سنة، لكن هذا في علم الغيب حبيبتي، فقد يقدر الله وقوع الابتلاء ولا يشفى بشكل تام ويظل على حاله الآن، وعليكِ أن تتفائلي خيراً، لكن لتضعي في الحسبان عدم صدق الحسابات الطبية، فهذه المشكلة في المشي قد لا تمثل أي مشكلة لفتاة خلال زواجها، طالما تأكدت من حسن خلق هذا الشاب وطيب قلبه وحسن معاشرته لها، حيث لا تمثل لها الأمور الشكلية للرجل أي مشكلة، في حين أن فتاة أخرى قد تجد صعوبة في تقبل هذه المشكلة لأسباب عديدة ، وهنا فلا لوم عليها نهائياً، فالقبول الشكلي والراحة النفسية لكلا الطرفين مهم عند الاختيار، وهنا أخيتي فعليكِ أن تحددي أهدافكِ جيداً وأن تكوني صادقة مع نفسكِ، فلا أخفيكِ أني شعرت بنبرة شفقة في ترددكِ في القبول به أم لا، فإن كان هناك ولو ذرة شفقة تجاهه أو شعور منكِ بأنك تنازلتي في مقابل موافقتكِ على الزواج منه، أو إذا كان عندكِ هاجس في الموافقة به وهو على هذا الحال، فهنا قد تكون مشكلة تحتاج لوقفة مع نفسكِ.
فالمرأة أخيتي يجب أن تكون على قناعة تامة بمن تختاره زوجاً لها، يجب أن تكون على يقين قلبي وعقلي أنها اختارت أفضل رجل في العالم، ولا تأتيها الهواجس بالندم أنها ارتضت بمن فيه عيباً، فهنا تبدأ المشكلات، وتكون البداية التدريجية للطلاق العاطفي بين الزوجين، فإن أنتي وافقتي على الزواج منه أخيتي فلا أجر لكِ أنكِ مننتي على هذا الشاب المسكين وارتضيتيه زوجاً !! فالأمور لا تقاس بهذا الشكل نهائيا... حددي أهدافكِ جيداً وفكري ملياً... هل هناك مشكلة في القبول بشاب قد يبتليه الله بعدم الشفاء الكامل من جراء الحادث أم لا... ؟ وهل سأكون مقتنعة به كزوج ولن أعايره أبداً بعد الزواج بهذه المشكلة أم لا ؟ وهل ستسبب لكِ هذه المشكلة حرجاً أمام الناس أم ستفتخرين به زوجاً يحفظكِ ويرعاكِ؟ أجيبي عن كل هذه التساؤلات وغيرها واحسمي أمركِ سريعاً.
كوني صادقة مع نفسكِ، فهو لم يكذب عليكِ إن لم يمن الله عليه بالشفاء الكامل، فهي كما قلت لكِ حسابات طبية فحسب، لكن القدر بيد الله وحده، لذلك احسبي أمورك وفكري واتخذي قراركِ بناء على أنه سيظل على حاله هذا مدى الحياة، فإن من الله عليه بالشفاء فالحمد والشكر له وحده، وإن ابتلاه بعدم المعافاة الكاملة فتحمديه جل وعلا وترضي بما قدر ولا تسخطي على الحياة معه أو تقللين من شأنه أو تعايريه... وبرأيي الشخصي فأنا أجد لديكِ صدقاً في طلب الشاب الصالح التقي الأمين، فاستخيري الله عز وجل بقلب خاشع صادق، وبلغي أهلكِ بقبولكِ مقابلة هذا الشاب لكي تعرفي عنه أكثر، فقد ترفضين شاباً صالحاً تقياً لأجل مشكلة كهذه، في حين قد يتقدم لكِ من هو بكامل صحته لكنه غير صالح لا يحفظكِ ولا يرعاكِ... فاستخيري جيداً وتوكلي على الله بالقبول.
وبالنسبة لوجوده بالمملكة العربية أخيتي فلا أرى أن هذه قد تكون عقبة، فيجب أن يأتي ويراكِ وترينه، وتجلسا سوياً للتعارف في الإطار الشرعي، للتأكد من خلقه ودينه وصفاته وطبائعه. فلكي تحددي إن كان مناسباً أم لا ، لا يكفيه مقابلة واحدة، فأنتي ستدرسين جيداً شخصيته وبيئته التي نشأ بها والمحيط الأسري والاجتماعي والثقافي والمادي له لكي تحددي مدى التوافق بينكما... فالصورة الشخصية التي رأيتيها مع والداه يا حبيبتي لا تكفي لكي تعطي انطباعاً لكِ إن كان هناك قبول شكلي وراحة نفسية أم لا، لذلك فالمقابلة ضرورية.
وتعرف كلا الطرفين على الآخر لا يكون عن طريق سؤال الأهل والأقارب والمعارف فقط، إنما خلال هذه المقابلات ستحددي بعض النقاط التي تودين معرفة رأيه بها، ولا مانع من تسجيلها مسبقاً لعرضها عليه – دون أن تظهري كمحقق يعرض سؤالاً وينتظر جواباً – لكن هي أفكار للمناقشة الودية بينكما لكي تظهر أفكاركما وأهدافكما في الحياة وترتيبكما لخط سيرها.
وهنا فالخطبة فترة هامة جداً في مراحل ما قبل الزواج – وأحبذ الخطبة السرية – لأنها تعطي مجالاً أوسع لتعارفكما، فكل منكما من بيئة مختلفة نشأ على عاداتها وتقاليدها المختلفة، وبالتالي ففترة الخطبة هي للحكم العقلي بجانب القبول الشكلي على مدى مناسبة كل طرف للآخر، وهذه الفترة هي مجرد وعد بالزواج الذي قد يتم، وقد لا يتم؛ وبالتالي ستظلين أجنبية بالنسبة له، حيث يتم التعارف فترة الخطبة بأن يرى الخاطب خطيبته في منزلها بين أهلها ومحارمها، وفي حجابها لا يظهر منها غير الوجه والكفين، مع الالتزام بالضوابط الشرعية، وسيكون الأمر مجدياً أن تعرفتما خلال هذه الفترة على الاختلافات الشخصية بين الرجل والمرأة كما خلقهما الله جل وعلا، وهي متوافرة في العديد من الكتب التي قد تكون فرصة جيدة لزيادة مساحة الحوار البناء بينكِ وبين خطيبكِ للتعارف أكثر.
وبشأن مكوث هذا الشاب خارج سوريا فهي ليست مشكلة، فقد يأتي لسوريا للمكوث شهرين مثلاً يأتي لزيارتكم فيها ثلاث أو أربع مرات أسبوعيا حتى تكون فترة الخطبة قصيرة.
وعليكِ أخيتي خلال هذه الفترة أن تدققي جيداً في الاختيار ولا تتسرعي قبل التأكد من أمانة هذا الشاب وأخلاقه ودينه وصفاته، وهذا عملاً بقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، (في رواية أمانته) فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) حديث صحيح رواه الترمذي وغيره
وأخيراً أياكِ أن تستسلمي للهواجس التي قد تنتابكِ بسبب أسرتكِ غير الملتزمة من أن نقابكِ قد يؤخر زواجكِ أو ما شابه، فاجعلي قلبك مملوء باليقين أن الزواج قدر الله عز وجل، ولن يمنع أحد زوجكِ عنك طالما قدر الله ذلك وهو سبحانه وتعالى من قال في سورة الأعراف: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" فليطمئن قلبكِ أن رزقكِ لن يأخذه غيركِ واستعيني بالله دوماً وحافظي على قيام الليل وأكثري خلالها من الدعاء أن ييسر الله لكِ الخير أينما كان، وتابعينا بأخباركِ