الأبعاد الحقيقية لعملية زئير الأسد في الموصل
13 جمادى الأول 1429
د. جاسم الشمري

في كل يوم نسمع عن خطة أمنية جديدة وعملية عسكرية تهدف لفرض النظام والقانون في العراق ،فعملية فرض القانون في العاصمة بغداد مازالت مستمرة منذ فبراير 2007 ولغاية اليوم ولم تحقق إلا بعض أهدافها ،وبالأمس كانت صولة الفرسان في البصرة ومحافظات الجنوب العراقي واليوم عملية صولة الحق أو ما يسمى زئير الأسد في الموصل، وهنا نتحدث عن الخطط الأمنية الحكومية وليس عن الخطط اليومية المستمرة التي تحاول قوات الاحتلال الأمريكية من خلالها عبثاً أن تفرض الأمن بواسطتها في العراق؛ فما هي الأبعاد الحقيقية والأهداف لهذه العمليات؟
حكومة المالكي في حملتها على مدينة البصرة بالأمس ادعت أنها تهدف إلى فرض النظام في الجنوب،إلا أن كل العراقيين يعرفون أن الهدف الحقيقي هو تقزيم وجود أتباع الصدر في المحافظات الجنوبية لأسباب سياسية تتعلق بموازين القوى الشيعية، وللحيلولة دون سيطرتهم على انتخابات مجالس البلديات في الجنوب ـ والتي ستجري في ديسمبر القادم ـ وذلك على حساب المجلس الإسلامي الأعلى الذي يتزعمه عبد العزيز الحكيم ، وحزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي.
واليوم وبحجة ملاحقة مقاتلي تنظيم القاعدة ،شنت القوات الحكومية المدعومة من قوات الاحتلال الأمريكية ومليشيات تابعة لأحزاب مشاركة في الحكم وبالتحديد قوات البيشمركة الكردية؛ وتم خلال هذه الحملة اعتقال أكثر من 600 شخص لحد الآن، بينهم 120 ضابطاً من ضباط الجيش العراقي السابق بالإضافة إلى موظفين من الدولة السابقة في قطاعات مختلفة ،واعتقل في هذه الحملة أيضاً العشرات من الأساتذة الجامعيين والطلبة بشكل همجي وعشوائي .
مجلس عشائر محافظة نينوى عقد جلسة طارئة بعد يوم من بدء الحملة العسكرية واصفاً الحملة بالعمل الانتقامي الذي يستهدف ضباطا من الجيش العراق السابق ممن اشتركوا في واجبهم الوطني والوظيفي في الحرب العراقية-الإيرانية.ويمكننا أن نحدد جملة من الأهداف الحقيقية لهذه الحملة:ـ
1- القضاء على العناصر الوطنية الرافضة للتواجد الأجنبي على أرض العراق في خطوة تقود ـ في ظنهم ـ في النهاية إلى إضعاف المقاومة في الموصل.
2- الانتقام من ضباط الجيش العراقي السابق من أهالي مدينة الموصل ومعاقبتهم بسبب مواقفهم البطولية الرائدة في التاريخ العراقي الحديث، ووقوفهم البطولي بوجه الخطر الإيراني القادم من البوابة الشرقية للوطن العربي، لأكثر من ثماني سنوات .
3- محاولة الكرد إضعاف التواجد العربي في بعض المناطق المحاذية للموصل من جهة دهوك وأربيل وبالتحديد مناطق عقرة وسنجار وفايدة لصالح الأطراف الكردية التي تدعي أن هذه المناطق يجب أن تضم إلى ما يسمى إقليم كردستان العراق بسبب تواجد الأغلبية الكردية فيها ، حسب ادعائها ،وقد صرح النائب محمد الدايني لأحد الفضائيات العراقية، بعد حملة الموصل، بأن هنالك توصيات كردية وخطط عسكرية بشأن الموصل وكأن النوايا مسبقة، ووصف كلام النواب الكرد في البرلمان العراقي ( كأنهم لديهم خصوم في الموصل ولا يتكلمون بصفتهم رجال دولة؟! ).
4- يحاول المالكي تجميل صورته لدى إيران وأنصاره بعد الانتقادات الكبيرة التي وجهت له بسبب الحملات العسكرية ضد التيار الصدري في الجنوب ومدينة الصدر في بغداد، والتي حاول فيها إظهار حياديته في التعامل مع العراقيين ، إلا أن الاتفاق الأخير مع التيار الصدري ـ والذي حصل قبل يوم واحد فقط من بدأ حملة الموصل ـ يحمل في طياته العديد من علامات الاستفهام فبينما كان المالكي مصراً على القضاء على المليشيات واشترط تسليم أسلحتها نراه اليوم يعقد اتفاقية جديدة مع الصدريين ،ولم يتم التطرق فيها إلى مسألة نزع سلاح مليشيا جيش المهدي .
إن هذه الحملات وان قادت إلى اعتقال الآلاف فإنها لا تقتل ولا تجتث روح المقاومة في نفوس أهالي الموصل الذين عرفوا بشجاعتهم وصبرهم ومواقفهم الرجولية المميزة.وإن على حكومة المالكي أن توقف هذه الحملات الكيدية والتي تستند على قوائم ومعلومات استخباراتية تعود لعام 2004 كما صرح بذلك النائب محمد أمين عثمان ( إن هذه القوائم قديمة وقد تكون كيدية )،فأين هي أجهزة الدولة الحديثة التي يتشدق المالكي بوجودها في العراق اليوم ،بينما تتم الاعتقالات في ضوء قوائم قدمت قبل أكثر من ثلاث سنوات؟! ويفترض أن هذه الأسماء قد شُملت بقانون العفو العام حيث أكد أكثر من نائب عراقي بأن المطلوبين للدولة ولم تتمكن منهم هم مشمولون بهذا القرار.
إن هذه الازدواجية الواضحة في التعامل مع الشعب العراقي لا يمكن أن تقود إلى ما يسميه المالكي بالمصالحة الوطنية والتي تتطلب أول ما تتطلبه التعامل مع العراقيين على أساس المواطنة وليس على أساس المذهب.