مغزى اتهام الصدر.. لإيران
10 جمادى الأول 1429
طلعت رميح

على نحو مفاجئ – ويمكن القول مباغت – أطلق ممثل للتيار الصدري اتهامًا لإيران بالاتفاق مع الولايات المتحدة على تقاسم النفوذ والموارد الاقتصادية في العراق، مشيرًا إلى أن الدليل على ذلك هو أنها – أي إيران – لم تعترض حتى الآن على الاتفاقية الأمنية طويلة الأمد بين الحكومة العراقية، والولايات المتحدة.
وسبب مفاجأة – أو مباغتة – تلك التصريحات، لا يعود من الأصل إلى جدة توجيه الاتهام لإيران، إذ الاتهام موجود ومستمر منذ فترة طويلة، كما الوقائع الدالة على تقاسم الاحتلال وعوائده – وحتى نوائبه ومصائبه – ليست جديدة على الساحة العراقية، ولا حتى على ساحة الاعتراف الإيراني؛ إذ قال "علي أبطحي" نائب الرئيس الإيراني السابق "محمد خاتمي" – منذ فترة طويلة – أنه لولا إيران لما تمكنت الولايات المتحدة من غزو افغانستان والعراق.
لكن السبب، هو أن الاتهام يأتي هذه المرة من التيار الصدري، الذي تُتهم إيران تحديدًا ومن كل الأطراف العراقية الأخرى، بأنه مدعوم إيرانيًا بالمال والسلاح، وكذا لتوقيت إطلاق الاتهام؛ إذ هو جرى في ظل تصاعد الاتهامات الأمريكية لإيران بدعم الميليشيات ومدها بالسلاح والقيام بتدريب عناصرها في إيران، وأيضًا لأن الاتهام جاء على خلفيات صراع دموي، بين أطراف شيعية وبعضها البعض، خارج الحكم وداخله، وضمن فعاليات بات التيار الصدري فيها متعرضًا إلى حالة من "الإعدام السياسي"، لا إلى محاولة "ترويضية" فقط، حيث المعارك الجارية بين القوات الأمريكية والحرس والجيش الحكومي – تحت السيطرة الأمريكية – تخطت حدود "تحجيم" التيار ودفعه لإعلان مواقف سياسية من داخل العملية السياسية التي شكلها الاحتلال وسلطتها السياسية، إلى كسر شوكة التيار، وإنها سيطرته على مناطق شيعية كانت في حكم "المقفلة" على نفوذه؛ ولأن العمليات توسعت في عمليات التدمير والهدم تحت اتهامات مباشرة غير معهودة في الصراعات الشيعية – الشيعية في العراق، بقول "المالكي"، أن ما يجري هو للقضاء على عصابات إجرامية، يجب اجتثاثها، بما يذكر بالعبارات والألفاظ التي أطلقها الاحتلال خلال تعامله مع التيار والحكم البعثي، ومع تنظيم القاعدة، ومع المقاومة العراقية، وبالممارسات التي جرت خلال هذا التعامل والمواجهة.
فما الذي جرى، حتى يتحول "المالكي" من حليف للصدريين إلى عدو لهم؟، ولِم تحول التيار الصدري إلى اتهام إيران بتقاسم المصالح والنفوذ في العراق مع الولايات المتحدة، وهو ذات التيار الذي قبل "بوساطة إيرانية" بينه و"المالكي" خلال المعارك الأولى للسيطرة على البصرة؟، وكذا لِم تحولت الولايات المتحدة من حالة واضحة من السماح والتسامح مع تشكيل ونمو وسيطرة جيش المهدي إلى مواجهته والسعي للقضاء عليه.

طبيعة الاتهام
يلفت النظر في طبيعة الاتهام وحدوده، أنه جاء اتهامًا عامًا وسياسيًا بالدرجة الأولى؛ إذ هو تحدث عن تقاسم النفوذ والموارد الاقتصادية، كما أن التدليل على صحة الاتهام جاء استنكاريًا لموقف (عدم إعلان موقف إيراني من الاتفاقية طويلة الأمد بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة)، ولم يأت بالإشارة إلى وقائع محددة، لا شك أن التيار الصدري يملك معطياتها وأسرارها، بما يطرح التساؤل حول سبب الإحجام عن ذكرها.
وفي تحليل طبيعة الاتهام وحدوده، نجد أنه جاء في صياغة عامة، وهي إن كانت ذات تأثير قوي، وقوي للغاية، إلا أن الدليل عليها، جاء مرتبطًا بموقف يتعلق بالاتفاقية الأمنية، وهو تدليل صحيح يتفق مع طبيعة الاتهام، غير أنه لم يشر إلى وقائع محددة.
والقصد هنا، أن الاتهام تفادى الإشارة إلى طبيعة تقاسم النفوذ والموارد الاقتصادية، رغم أن المعركة التي جرت في البصرة، كانت صراعًا على موارد النفط، وهو ما يشير إلى أن مصالح إيران الاقتصادية هي التي أثرت على موقفها خلال معارك البصرة، كما الاتهام تفادى الإشارة إلى القوى "الشيعية" الأخرى، التي تمارس من خلالها إيران تقاسم النفوذ والموارد، وقد كان بالإمكان الإشارة إلى منظمة بدر، خاصة، وأن المعركة العسكرية الجارية بين التيار الصدري وحكومة "المالكي" والولايات المتحدة، تتدخل فيها منظمة بدر عسكريًا، سواء بشكل مباشر عن طريق عناصرها، أو بشكل غير مباشر عن طريق وجودها القوي والمؤثر، بل والأساسي في تشكيل أجهزة الأمن والحرس الحكومي.
وكل ذلك يدفع للاعتقاد بأن الاتهام قُصد به أن يكون عموميًا، لاختبار نوايا الطرف الإيراني، أو بالدقة لإظهار أوراق قوة لدى التيار الصدري، في مواجهة دعم إيران لمنظمة بدر والحكومة الحالية، التي يعتبر اتهام التيار الصدري لإيران، شاملاً لعلاقة واضحة ومحددة لحكومة "المالكي" في لعبة اقتسام النفوذ والموارد، إلى درجة يمكن القول معها، بأن الاتهام قصد به بالدرجة الأولى، الإشارة إلى أن حكومة "المالكي"، هي حكومة اقتسام النفوذ والموارد بين الولايات المتحدة وإيران، وهو بمعنى آخر، إعلان بأن حكومة "المالكي" هي حكومة غير عراقية في الأصل والأساس والتوجه والسياسة.. والاستراتيجية.
غير أن ما يلفت النظر ويسترعي الانتباه، هو أن الاتهام قد تفادى أية إشارة إلى دعم إيران لبعض القوى في العراق، بالسلاح والمال، وهو ما يشير إلى خشية التيار الصدري، الدخول على خطوط الدعاية الأمركيية التي تتهم إيران بهذا الفعل، أو أن اتهام الصدر لإيران وقف في منتصف الطريق، بين إيران والولايات المتحدة والقوى المرتبطة بكليهما على أرض العراق.
لكن السؤال البارز في إطلاق الاتهام هو، لماذا أطلق أصلاً، وما دلالاته بينما أجهزة الإعلام تتحدث منذ اختفاء الصدر، أنه هناك في إيران؟.

الاتهام لماذا؟
المتابع لتطورات المعركة العسكرية الجارية بين ميليشيات الصدر والقوات الأمريكية وقوات الحرس الحكومي ومليشيات منظمة بدر، يلحظ أن الموقف الإيراني، بدأ وسيطًا خلال المعارك الأولى في البصرة ودون دعم لفريق ضد آخر، وأن الدور الإيراني كان حاسمًا فيما توصل إليه الطرفان الداخليان من هدنة في البصرة، والتقدير لذلك، صادر عن الولايات المتحدة التي طالب مسئولو قوات احتلالها في العراق، إيران بالتدخل للتهدئة، وهو ما كان وتحقق على الفور.
في تلك المرحلة، أخذت الولايات المتحدة "مسافة" من هجوم "المالكي" في البصرة، ولم تشارك به في البداية، لكن الأوضاع تدهورت على نحو سريع، حتى قيل إن "المالكي" هرب من البصرة، وذهب إلى مقر القوات البريطانية مناشدًا القوات الأمريكية التدخل الفوري، خاصة بعدما سلم الكثير من أفراد الميليشيات الموجودين ضمن الحرس الحكومي وقوات الأمن، أسلحتهم لأفراد ميلشيا الصدر.
كانت الهزيمة مروعة للمالكي، فاستنجد هو والقوات الأمريكية – التي لم تكن ترغب وقتها في التدخل المباشر في المعارك لأسباب تتعلق بحسابات وجود القوات البريطانية وحتى لا تدخل في مواجهة مع النفوذ الإيراني مباشرة – فحولت الأمر إلى طلب لإيران التي تدخلت لدى ميليشيا الصدر فكان الاتفاق والتهدئة.
هنا، استجابت ميليشيات الصدر للوساطة أو لنقل للطلب الإيراني، وفق اتفاق أن تتدخل إيران لدى الطرف الآخر، لوقف المعارك في المناطق الأخرى، ووقف خطة القضاء على الميليشيات، وربما أيضًا، لاستمرار الاعتراف بدور للصدر في السلطة السياسية والعملية السياسية، التي تشكلت عقب الاحتلال.
لكن الأوضاع سارت على نحو لم تتوقعه ميليشيات الصدر، إذا ساومت إيران على تلك الميليشيات مع القوات الأمريكية والمالكي ومنظمة بدر، فتركت المعارك تجري ضد الميليشيات بلا تدخل، كما يعتقد أن إيران واصلت دعمها خلال سير المعارك لميليشيات بدر إضافة إلى استمرار دعمها السياسي لحكومة "المالكي"، بما جعل ميلشيات الصدر تجد نفسها في وضع المتفق عليها بالتقاء المصالح بين الفرقاء من الميليشيات الشيعة الأخرى، وبتقاطع المصالح بين إيران والولايات المتحدة، بما دفعها إلى إطلاق مثل تلك التصريحات ضد إيران، مع الحذر في صياغتها كما لاحظنا.
لكن، ألم يكن الأجدى أن تشكو ميليشيات الصدر الرئيس الإيراني أو الحكومة الإيرانية إلى "الخامنئي" بدلاً من "التصريح بالاتهام العلني"؟، كما فعلت ميليشيا بدر والمالكي؟.

تغيير التحالفات
كان بالإمكان أن تفعل ميليشيات الصدر، مثلما فعل المالكي وميليشيا بدر، اللذين شكلا وفدًا لزيارة إيران، للشكوى لـ"خامنئي" من تدفق أسلحة إيران إلى العراق!.
لقد كان لافتًا أن وفدًا ضم النائب الأول لرئيس البرلمان العراقي، و"هادي العامري" رئيس ميليشيا بدر، و"علي الأديب" من حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي، كان في إيران وقت إطلاق الصدريين تلك الاتهامات، كما كان لافتًا أن الوفد حمل أدلة على اتهامات لإيران بتدفق أسلحة إيرانية لميليشيات في العراق.
اختار هؤلاء الشكوى لخامنئي، ولم يفعلوا مثلما فعل الصدريون، رغم أن اتهامهم لإيران كان من نفس الصنف الأمريكي – دعم الميليشيات بالسلاح – وفي ذلك تبدو المفارقة.
غير أن تلك الزيارة وقراءة الصدريين لها تكشف ثلاثة أبعاد في اتهامات الصدريين لإيران، أو هي تحدد ثلاثة أبعاد رئيسية في قراءة الصدريين لزيارة الوفد الشيعي الآخر، تلك القراءة جاءت على لسان نفس مطلق تصريحات اتهام إيران – صلاح العبيدي – الذي قال أن الزيارة والاتهامات وما قيل عن لقاء للوفد مع الصدر في إيران، تحاول إظهار الصدريين بتنفيذ أجندة خارجية، وأضاف "نحن نتمسك بعراقيتنا وبقرارنا العربي" والوفد يحاول أن يثبت أمام الرأي العام أن الصدر موجود هناك.
هنا يظهر البعد الثاني في اتهامات الصدريين لإيران؛ إذ هذا الاتهام يحاول نفي عمل ميليشيا الصدر وفقًا للأجندة الإيرانية – ولذلك جاء التصريحات باهتة وعامة وبلا أدلة عملية رغم توفرها لدى الصدريين بكثافة – أما البلد الثالث في الاتهامات الصدرية لإيران، فهو أنها جاءت لإعادة وصل ما انقطع مع أطراف فاعلة في الساحة العراقية، خارج إطار التحالف الشيعي.
لقد جاءت الاتهامات عبورًا إلى تحالفات جديدة يسعى الصدريون لتشكيلها خارج إطار العلاقات الشيعية – الشيعية، خاصة بعد رفض مؤسسة السيستاني إعطاء تصريحات واضحة حول موقفها من حل الميليشيات حينما صدرت تصريحات من الصدريين تعلن استعدادها لحل الميليشيا "إذا طلبت المرجعيات ذلك".
نحن إذن أمام محاولة صدرية، لنفي الاتهامات الواسعة لها في العراق بالعمل وفق أجندة إيرانية، كما نحن أمام محاولة للخروج من مأزق وقوف التيارات الشيعية الرئيسية ضدها، بمداعبة مواقف الرافضين للوجود والدور الإيراني الإجرامي في العراق.
لكن البادي، أن كل ذلك لم يفلح في تحقيق أهدافه، إلا في زاوية الموقف الإيراني. لقد تواصلت العمليات ضد ميليشيا الصدر وتوسعت وصارت حرب إنهاك قوية تقوم بها القوات الأمريكية، كما أن التيارات الشيعية الأخرى، ظلت متضامنة مع قرار "المالكي" بتصفية ميليشيات الصدر. أما هدف العبور إلى تحالفات أخرى خارج الدائرة الشيعية، فالبادي أن الصدر لم يعد يحظى بثقة الأطراف العراقية الأخرى، بعدما قامت به ميلشياته من قتل وتدمير لمساجد السنة، ولدورها في القتل على الهوية.