رئيسة جمعية "سمية" البوسنوية: المحجبات في ازدياد..نعنى بتربية الأمهات والأطفال..بانتظار أخواتنا المسلمات
27 ربيع الثاني 1429
عبد الباقي خليفة

أكدت رئيسة الجمعية النسائية الإسلامية " سمية " المحامية سعادة كوتسو، على عودة الجمعية لتحقيق أهدافها التي أسست من أجلها بعد سنوات الحرب التي حولتها إلى مؤسسة إغاثية . وقالت في حوار مع " المسلم " أن الدعم الاغاثي الإسلامي انخفض بشكل كبير عما كان عليه الوضع أثناء الحرب . كما أشارت إلى أن عديد الملتزمات بالحجاب ازداد كما وكيفا، وهو انعكاس لدرجة الوعي بالتميز الحضاري لدى المسلمات .مؤكدة في نفس الوقت على أن الحجاب ليس مجرد قطعة قماش تضعه المرأة المسلمة فوق رأسها، وإنما استجابة لأوامر الله تعالى وقناعة بالنموذج الحضاري الإسلامي .وتحدثت عن إنجازات مؤسستها متمثلة في النشاطات الثقافية ومحاضن النشء ومضان التعليم للدخول مع العصر في الإسلام .
* لو تحدثينا عن الجمعية النسائية " سمية " التأسيس والأهداف
** تأسست الجمعية النسائية الإسلامية "سمية "قبل 17 عاما وتحديدا في 16 فبراير 1991 م . والتسمية كما تعلمون تحمل اسم أول شهيدة في الإسلام رضي الله عنها . وقد تم الاعتراف بها بعد الانتخابات الديمقراطية التي جرت في البوسنة في ذلك الحين .والأهداف التي تأسست من أجلها الجمعية، هي العناية بالمرأة والأسرة من حيث التوجيه الاجتماعي والثقافي من منظور إسلامي.ويشمل ذلك إلقاء المحاضرات والندوات، والتعريف بالإنتاج الثقافي من حيث الإبداع وعرض المساهمات المختلفة والنقد والتقويم، إلى جانب مساعدة الفتيات والنساء والأسرة على بناء الشخصية الإسلامية وتكوين المجتمع المسلم انطلاقا من الذات ثم الأسرة والمحيط . بيد أن العدوان الذي تعرضت له البوسنة جعلنا ننغمس في معالجة آثار ذلك العدوان، والانخراط في العمل الإغاثي، وتمكنا من تكوين لجنة طبية، وإقامة مطبخ عام مجاني، حيث كانت هناك مجاعة كبرى كما تعلمون . فقد توقفت حركة الإنتاج بفعل الحرب وأصبح الناس يعيشون على المساعدات الإنسانية . وإلى جانب سكان سراييفو النصف مليون نسمة تقريباً كان هناك الكثير من المهجرين الذين قدموا إلى سراييفو من مناطق أخرى . وكان من بين المهجرين أرامل وأطفال الشهداء، وكان ذلك مدعاة لإقامة روضة للأطفال لا تزال تعمل حتى اليوم .إضافة إلى كل الاحتياجات النسائية، في ذلك الوقت الذي فقدت فيه الكثير من النساء أزواجهن وآباءهن وإخوانهن، الأمر الذي ألقى على عواتقنا عبئا ثقيلا وواجبا مضاعفا تجاههن فكانت ورشات تعليم التطريز والحياكة والخياطة وما إلى ذلك من المهن التي يمكن للمرأة أن تستعين بها على نوائب الدهر . إلى جانب ذلك كنا ولا زلنا نقدم دورات في اللغة العربية واللغة التركية والإنجليزية والحاسب الآلي .وأعتقد بأننا نجحنا في المحصلة النهائية لأعمالنا ونشاطاتنا المختلفة .
* من يقوم بتقديم المحاضرات والدروس
** أساتذة من تخصصات مختلفة، ولدينا نشاط خاص في رمضان، حيث نقيم إفطارت جماعية خارج سراييفو أيضا.كما نوزع سلال الإفطار لتمكين المنتفعين من الطبخ بأنفسهم في منازلهم، ونوزع أيضا لحوم الأضاحي التي يتبرع بها للجمعية بعض أهل الخير من فائض أضاحيهم الخاصة .
* بالنسبة لأنشطتكم هل هي عامة أو خاصة بعضوات الجمعية ؟
** بعضها عام وهي التي تتعلق بالبرامج التعليمية والتثقيفية والاجتماعية ولعضوات الجمعية برامج خاصة تتعلق بالميادين التنشيطية والتأهيلية .
* وماذا عن علاقتكم بالمشيخة الإسلامية والحكومة وبقية الجمعيات المماثلة
** علاقاتنا جيدة وممتازة وتزداد وثوقا مع الأيام فنحن جمعية قانونية معترف بها تعمل وفق القانون وتتعاون على البر والتقوى مع العاملين في مجال التنمية البشرية ومقرن مفتوح لكل من يرغب في المساهمة من أي موقع كان . ويزورنا الكثير من الشخصيات الاعتبارية في البلاد ونحن ممتنون ونعتز بذلك، لكن هذه العلاقة لم تنعكس بشكل إيجابي على وضعنا المادي .
* بعد الحرب عدتم إلى برنامجكم الأول كيف سارت الأمور بعد ذلك ؟
** كما تعلمون عدنا بعد الحرب إلى برنامجنا الذي على أساسه أقمنا الجمعية النسائية الإسلامية "سمية " وينحصر عملنا الآن في مساعدة الفتيات والنساء والأطفال على استيعاب تعاليم دينهم وتمكينهم من إجادة اللغة العربية وكذلك اللغتين التركية والإنجليزية والحاسب الآلي .ولدينا برنامج فيما يتعلق بتعليم الإسلام وإلقاء المحاضرات والدروس الأسبوعية ومنها حلقة التجويد، كما لدينا درس أسبوعي في تصحيح قراءة القرآن لمن لا يستطيعون القراءة من المصحف مباشرة دون ترجمة، أومن يحتاجون لتعلم المزيد لتكون قراءتهم أفضل . وبالنسبة للأطفال فلديهم حلقاتهم الخاصة أو قل فصولهم الخاصة حيث تتم عملية التعليم داخل مقر الجمعية، ونلاحظ سرعة حفظهم للقرآن وتعاليمه وأحكامه، واللغات العربية والتركية والإنجليزية، كذلك سرعة فهمهم لدروس الحاسب الآلي والانترنت . ومنذ 1996 أصبح لدينا حاضنة وروضة للأطفال، فالأمهات العاملات في الدروس يتركنا أطفالهن في هذه الحاضنة والروضة وعند انتهاء أعمالهن أو محاضراتهن يأخذن أطفالهن ويعدن بهم إلى البيت . وتوفير محاضن وروضات إسلامية فيها التعليم الجيد والألعاب لمناسبة للأطفال من الأهمية بمكان حيث يمكن للام أن تطمئن على سلامة أبنائها البدنية والذهنية وعلى سلوكهم حيث لا يتعلمون سوى ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم . ونحن نعتقد أننا نقدم خدمة جليلة للمجتمع من خلال مثل هذه المحاضن فهي الوحيدة التي يمكن أن تعوض بعض ما يفتقده لأطفال الصغار حال غياب الأمهات سواء في العمل أو النشاط الجمعياتي، ونحن نتمنى أن تزورنا أخواتنا سواء من السعودية أو الكويت أو البحرين أو قطر أو الإمارات و أخواتنا في أوربا وبقية دول العالم الإسلامي للاطلاع على ما نقوم به ميدانيا، ولنتبادل الخبرات ونتعاون فيما بيننا، إضافة لكونها زيارة في الله وسياحة في الله أيضا .
* ما الفرق بين الوضع أثناء الحرب واليوم ؟
* نحن اليوم نعيش في سلام، بين قوسين، لقد خرجنا من الحرب، ولكننا نعيش حروبا أخرى كما قال الرئيس الراحل علي عزت بيغوفيتش رحمه الله . نحن نعيش دعايات مضادة، وحرب ثقافية بمعنى الكلمة وهي حرب من طرف واحد، فنحن لا نحارب أحدا، وإنما نسعى للحفاظ على هويتنا وذتيتنا الإسلامية، ولكن الآخرين يفرضونا علينا المواجهة، مثل الحرب على الحجاب، والرسوم البذيئة والتخرصات المختلفة الصادرة من هنا و هناك . ومع ذلك فإن المسلمين كانوا مهتمين بالبوسنة أثناء القتال أكثر مما عليه الحال اليوم.كانت هناك مساعدات، واليوم لا يوجد شئ يذكر حتى في حده الأدنى .وهذا مثل شخص أخرج غريقا من البحر، ثم تركه على الشاطئ دون الإسعافات الضرورية، أومن زرع فصيلة ثم تركها للأعشاب الطفولية . وعلى المسلمين أن يفهموا أن الإغاثة العاجلة لا تنته بانتهاء الحالة بل لابد وأن تظل مستمرة لاسيما فيما يتعلق بالجانب الثقافي والروحي فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك وفد الأنصار الأول الذين أسلموا ثم عادوا إلى ديارهم، بل بعث معهم مصعب بن عمير ليعلمهم دينهم وليضرب لنا مثلا في متابعة الغرس الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وغير ذلك.
* كيف تدبرون أموركم إذن في غياب الدعم الذي كان متوفرا أثناء الحرب وانقطع مع بدء وصول جحافل الثقافات الوافدة والجيوش الأجنبية ووسائل الإعلام المضادة من مختلف أنحاء العالم ولاسيما من دول الجوار ؟
** ننفق من جيوبنا ومن مساعدات الفقراء الذين يقطعون من مخصصاتهم ومكافآتهم ورواتبهم الهزيلة ليستمر عمل الجمعية .
* ما أهمية الدين في الحرب والسلام
** أثناء الحرب كان لدينا مطبخ جماعي كبير، وكنا نعمل كل يوم، ولم تثننا القنابل والقصف عن مساعدة شعبنا والذود عن حقوقنا .وقد عشنا فترات انقطعت فيه الإمدادات بفعل الإغلاق المتكرر لمطار سراييفو والمعابر البرية المختلفة، ولم يكن بعض الناس الجياع والجرحى يتفهمون تلك الظروف مما سبب لنا ضغطا كبيرا وواجهنا الموقف بشجاعة وكنا نقتسم كل شيء الطعام والآلام على حد سواء . لم يكن هناك ماء ولا كهرباء ولا تدفئة إلا النزر القليل وبعض البدائل البسيطة . وفي تلك الظروف كان إقبال الناس على تعلم الدين كبيرا، وبدت أهمية التدين في حياة الناس ولاسيما في الظروف الصعبة فهو ضرورة من أجل طرد اليأس والخوف من الموت والتحلي بالصبر ومواجهة الموت والجوع بشجاعة، وبذل الجهد الناصب من أجل البقاء والمساهمة في كشف حقيقة أن الموت يمكن أن يكون قناعا للحياة والعكس صحيح، وذلك في الحرب والسلام على حد سواء .
* بعد الحرب أقامت الجمعية النسائية الإسلامية "سمية "ورشة لخياطة لباس المحجبات لو تحدثينا عن هذا المشروع
** كان هذا المشروع لسد نقص في الساحة، حيث لم تكن ملابس المتحجبات متوافرة، وما هو موجود من ملابس مستورد ولا يفي بالغرض . وكان عمل الورشة يهدف إلى توفير ملابس المحجبات بما في ذلك الجلباب وغطاء الرأس مجانيا . وكنا بذلك أول جمعية تقوم بهذا العمل، وتعرف به من خلال المعارض المخصصة لهذا الغرض .وكان المعرض يهدف للتعريف أيضا بالحجاب كفريضة وكمظهر حضاري متميز عن غيره من النماذج التي لها سياقها الخاص .ولا يزال الإقبال على اللباس الإسلامي كبيرا، وأنت تلاحظ مدى حضوره في البلاد رغم كل الدعايات المضادة وكل الاتهامات الباطلة والانتقائية التي تروج ضد الحجاب والمحجبات . وقد وصل ذلك إلى حد الانخراط في الكذب على المحجبات . بينما نجد أن المسلم يتعلم قوله تعالى " لا إكراه في الدين " كما يتعلم سورة الفاتحة .
* حسب تقديركم هل عديد المحجبات أكثر أثناء الحرب أم بعد الحرب
** أعتقد بأن عديد المحجبات الآن أكثر كما ونوعا، ففي أثناء الحرب كانت هناك أسباب كثيرة تدفع النساء للحجاب، أما اليوم فالوعي والقناعة بالنموذج الحضاري الإسلامي وما يمثله الحجاب من معاني للسلوك يجذب إليه الكثير من الفتيات الراغبات في الدفء الروحي والأسري والاجتماعي عموما . الحجاب ليس قطعة قماش كما يظن البعض، بل تعبير عن منهج سلوكي، وإذا ما خرجت بعض الحالات عن مفهوم الحجاب، فإن ذلك لا يدين الحجاب وإنما من لم يتخلق بأخلاقه وما يمثله من قيم . تماما عندما ندين شخصا يزعم أنه يصلي أو يصوم أو يحج ولكنه لا يحمل طهر الصلاة والصوم والحج .إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر .ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له . وهكذا الصوم والحج والحجاب بالنسبة للمرأة . وإذا ما اتخذ شخص ما ذلك ستارا لإخفاء سلوك غير سوي فالذنب ذنبه وليست تلك العبادات التي تدعو للفضائل وللقيم التي لا تكتمل إنسانية إنسان إلا بها .
* هل لديكم برنامج مستقبلي أكثر فعالية ؟
** هذا يتوقف على الدعم المادي، لكننا ماضون بما لدينا من إمكانيات والله المستعان .
* هل لديكم أي رسالة ؟
** وضع المسلمين دون المستوى الذي أراده لهم الله وكتابه الأخير القرآن الكريم كما نقرأه .وبالنسبة للبوسنة، يعتقد الكثير أن البوسنة تم نسيانها بعد الحرب .وضعنا الاقتصادي لا يزال صعبا والوضع الاجتماعي أشد صعوبة تبعا لذلك وأكثر ما نحتاجه هو المساعدة في تحقيق نهضة ثقافية تساهم في الحفاظ على هوية المسلمين . ونحن نقوم بتوزيع ما نحصل عليه مثل ترجمة القرآن الكريم حيث وزعنا ألفي نسخة .ولدينا أنشطة في 14 مدينة بوسنية بما في ذلك سريبرينتسا، وكنا نود لو رافق النشاط الثقافي بعض المساعدات المادية التي نفتقدها في الوقت الحالي . وفي الأخير أجدد دعوتي للجمعيات النسائية في العالم الإسلامي لزيارتنا .
البريد الالكتروني للمؤسسة
[email protected]