د . مرزوق أولاد عبد الله : الشباب المسلم في هولندا متعطش إلى دينه

د. مرزوق أولاد عبد الله نائب رئيس جامعة أوروبا الإسلامية:
الجالية الإسلامية في هولندا هي الأقدم في أوروبا
الشباب المسلم في الغرب متعطش للتعرف على دينه
الإسلام ليس عبادات فحسب وإنما هو نظام شامل للحياة
تأسيس الجامعة الإسلامية بهولندا أكبر إنجازات المسلمين في أوروبا
مسلمو هولندا يعيشون بأجسادهم هنا وقلوبهم وعقولهم في فلسطين والعراق
النظام الإداري الإسلامي للدولة نموذج مثالي وحضاري لأرقي النظم المنشودة
(خريجو جامعة أوروبا الإسلامية أكثر قبولا وتأثيرًا في المجتمع الهولندي؛ فهم يتكلمون بلغته ويدركون عقليته، ويفهمون قضاياه ومشكلاته...)
...
...
أكد الدكتور مرزوق أولاد عبد الله، إمام المسجد الكبير (أقدم مسجد بهولندا)، نائب رئيس جامعة أوروبا الإسلامية أن الجالية المسلمة بهولندا من أقدم الجاليات الإسلامية في دول أوروبا، وأن الدستور الهولندي في مادته الـ(23) يعطي للمسلمين الحق في بناء المساجد؛ مشيرا إلى أن عدد المساجد في هولندا اليوم بلغ 450 مسجداً.
وقال مرزوق في حوار خاص مع موقع "المسلم": إن من أبرز الإنجازات التي حققها مسلمو هولندا في الأعوام الماضية إقامة الجامعة الإسلامية بروتردام، حيث يُعدّ افتتاح الجامعة في عام 1997م مؤشرًا على النمو النوعي الذي طرأ على واقع مسلمي هولندا في السنوات الأخيرة.
ويرى الدكتور مرزوق – في الحوار الذي أجري معه خلال زيارته للقاهرة- أن نظام الإدارة في الإسلام وآدابه في التعامل يمثل جانبا مهما من نظام الحكم الإسلامي وجانبا من الصياغة الحضارية الإسلامية للمجتمعات البشرية.

مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
* دكتور مرزوق.. نود في بداية حوارنا أن تعرف بنفسك لجمهورنا الكريم؟
** اسمي مرزوق أولاد عبد الله، إمام المسجد الكبير (أقدم مسجد بهولندا)، ونائب رئيس جامعة أوروبا الإسلامية، حصلت على درجة الدكتوراه عام 2004م، من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، عن رسالة بعنوان "الفكر الاقتصادي الإسلامي والفكر الاقتصادي الوضعي"، إضافة إلى كوني أستاذًا للإسلاميات بالمعهد الأعلى في أمستردام، وعضوًا بالمجلس الإسلامي بهولندا، ونائب رئيس جامعة أوروبا الإسلامية بشخيدام وأمستردام هولندا.

* حبذا لو أعطيتمونا فكرة عن تعداد المسلمين بهولندا؟
** يقدر عدد مسلمي هولندا بنحو مليون نسمة من بين إجمالي عدد السكان البالغ 16 مليون نسمة، تنحدر أصول 80% منهم إلى تركيا والمغرب، أما الـ20% الباقية فهم ذو أصول قومية وعرقية وطائفية متعددة.
وتعتبر الجالية المسلمة بهولندا من أقدم الجاليات الإسلامية في دول أوروبا، كما أن الدستور الهولندي في مادته 23 يعطي الحق للمسلمين في بناء المساجد حتى وصل عدد المساجد اليوم إلى 450 مسجداً.
ويتوزع المسلمون بشكل خاص على مدن روتردام، ولاهاي، وأوتريخت، بالإضافة إلى العاصمة أمستردام.

* وماذا عن التعليم.. هل توجد مدارس إسلامية متخصصة في هولندا؟
** نعم.. بخصوص المدارس الإسلامية يوجد في هولندا حوالي 40 مدرسة ابتدائية وإعدادية وثانوية، ولكن هذه المدارس لا تستوعب في حقيقة الأمر أكثر من سبعة آلاف تلميذ، وهو ما يعادل 4% من التلاميذ المسلمين في هولندا. وهناك أعداد أخرى يجري استيعابها في مدارس أخرى لكنها ليست مدارس إسلامية بالمعنى المفهوم، فهي تقوم على أساس إثني، وخاصة المدارس المغربية والتركية.
و قد شهد عام 2000م افتتاح أول مدرسة إسلامية ثانوية في هولندا، وذلك في مدينة روتردام التي تُعَدّ من أكبر تجمعات المسلمين على مستوى المملكة، وتدير المدرسة "مؤسسة ابن خلدون" التي يترأسها الناشط "نعاس القاسم".

* وما هي أبرز الإنجازات التي حققها مسلمو هولندا خلال السنوات الماضية؟
** من أبرز الإنجازات التي حققها مسلمو هولندا في الأعوام الماضية إقامة الجامعة الإسلامية بروتردام، ويُعدّ افتتاح الجامعة في عام 1997م مؤشرًا على النمو النوعي الذي طرأ على واقع مسلمي هولندا في السنوات الأخيرة.
ويترأس الجامعة المذكورة الدكتور "سليمان دامرا" - وهو تركي الأصل- الذي يأمل من جانبه أن تتولى هذه الجامعة مسؤولية التأهيل الأكاديمي للأجيال المسلمة الناشئة في هولندا، وسد احتياجات المساجد والمؤسسات الثقافية من الأئمة والمرشدين والدعاة المسلمين، وتأهيل الناشطين للعمل في حقل الرعاية الاجتماعية، خاصة أنّ عدد الملتحقين بها قد تجاوز 300 طالب وطالبة.
كما تم تشكيل اتحادات شاملة وقطاعية، مثل: "رابطة الجاليات المسلمة في هولندا".. و" مؤسسة المنظمات الإسلامية في جنوب هولندا"، التي تُعرف اختصاراً بـ SPIOR، و"مجلس مسلمي هولندا" الذي تأسس في عام 1993م ويضم في عضويته 13 مؤسسة، و"المجلس الإسلامي بهولندا" الذي تأسس في عام 1997م.
و"جمعية الأئمة" التي نشأت في الثمانينيات وتم تسجيلها رسميًّا في العام 1994م، وتضم 150 إمامًا في هولندا، ويترأسها الشيخ موسى جابر، و"اتحاد الطلبة المسلمين" الذي يمثل مظلَّة ينشط من خلالها القطاع الطلابي المسلم الذي يتمتع بمؤهلات أفضل للإسهام في تشكيل مستقبل واعد لمسلمي هولندا.

* وماذا عن الدور السياسي لمسلمي هولندا وأهم الأحزاب التي تمثلهم؟
** يُعَدّ "حزب العمل " أقرب الاختيارات لأصوات المسلمين في هولندا من بين الأحزاب الموجودة التي يحق لها الترشيح للانتخاب. ومن اللافت للانتباه أن مشاركة الأجانب في الاقتراع المحلي يمثل تقليدًا عريقًا في هذا البلد التعددي؛ فهو ما كانت تسمح به عدد من الأقاليم الهولندية منذ القرن التاسع عشر.
ولم يمنع ذلك في الواقع من إثارة المخاوف هنا وهناك من صعود رؤساء بلديات أتراك ومسلمين في بعض المناطق، لكن هذا التوجس بقي معزولاً عن السياق العام السائد في المجتمع.
ومع نهاية عام 1997م أصدرت هولندا تشريعًا جديدًا يمنح حق المشاركة السياسية في الانتخابات المحلية للأجانب من غير مواطني دول الاتحاد الأوروبي المقيمين في البلاد بصورة قانونية منذ خمس سنوات متواصلة، وهو ما يمثل تراجعًا نسبيًّا عما كان عليه الحال منذ أواسط الثمانينيات؛ الأمر الذي يبدو وثيق الصلة بالتنسيق بين دول أوروبا الموحدة.
ويتجه السلوك التصويتي لمسلمي هولندا بشكل متزايد نحو الصعود بمرشحيهم المسلمين إلى المواقع النيابية؛ فهناك أكثر من مائة نائب مسلم حاليًا في المجالس البرلمانية الهولندية العديدة.
وقد فاز في الانتخابات المحلية التي أجريت في مارس 1998م عشرات المسلمين، من بينهم 74 مرشحًا من أصل تركي، و21 من أصل مغربي، إلى جانب عشرات من المسلمين من أصول عرقية مختلفة، وهو ما يمثل رقمًا قياسيًّا لم يسبق له مثيل في الساحة السياسة الهولندية، يحمل في طياته مؤشرًا على الاندماج التدريجي للمسلمين في الحياة العامة.
وتعاظم المخزون الانتخابي لمسلمي هولندا منذ سماح الحكومة بازدواجية الجنسية مطلع التسعينيات بعد تردد طويل من جانبها، وقد أتاح ذلك المجال أمام أعداد كبيرة من المهاجرين المسلمين لحمل الجنسية الهولندية إلى الدرجة التي جعلت أكثر من ثلث المغاربة وقرابة 40% من الأتراك ونحو نصف أبناء الأقليات الأخرى مواطنين هولنديين يتمتعون بالحقوق السياسية الكاملة أسوة بأهل البلاد الأصليين.

* ننتقل إلى قضية الحجاب التي تثير جدلا كبير في بلدان أوربية عديدة، كيف يتعامل الهولنديون مع الحجاب.. وهل هناك ضغوط حكومية لمنعه أو التضييق على المحجبات؟
** لا اعتقد ذلك.. فعلى مدى الـ11 عام الماضية لم تحدث مشكلات خاصة بالحجاب إلا في النادر , إلا أن اضطهاد الحجاب زاد عقب أحداث سبتمبر وبدأت المشكلات تتتابع وتظهر على السطح بوضوح .
أما بالنسبة للدولة فليس هناك قانون يمنع المرأة المسلمة من ارتداء الحجاب، لكن المشكلة أن هناك بعض الناشطين اليساريين الذين يطالبون بمنعه، وللأسف فإنهم يستشهدون في حملتهم هذه ببعض الدول العربية الإسلامية التي تحرم الحجاب مثل تونس!

* وماذا عن الدور السياسي والإعلامي لمسلمي هولندا؟
** سياسيًا؛ يوجد 5 نواب مسلمين في البرلمان منهم مغربيان هما "مطين ازورغ" و"خديجة ايمريب" بالإضافة إلى اثنين أتراك ونائب مسلم في الحزب المسلمين.
وإعلاميًا؛ ليس هناك صحيفة أو مجلة إسلامية للمسلمين، لكن يوجد إذاعة وهي (الإذاعة المرئية الإسلامية الهولندية) تبث ساعة يوم الأحد من كل أسبوع، أسسها عدد من المسلمين، وهناك راديو يبث ثلاث أيام من كل أسبوع وهناك بعض المواقع الالكترونية أنشأها مسلمون وعليها آمال كبيرة في التعريف بالإسلام داخل هولندا.
وقد قطع مغاربة هولندا شوطًا واسعًا في البث الإذاعي والتلفزيوني المحلي، مستفيدين من التسهيلات المتاحة في هذا البلد .
وقد بدأ البث الإذاعي الموجَّه للمغاربة بهولندا في الستينيات، عندما بادرت محطة VARA إلى إتاحة هذه الفرصة للمهاجرين من المغرب. وارتفعت الحصة المتاحة مع حلول عام 1974م من عشرة دقائق إلى نصف ساعة في الأسبوع.
ومنذ ذلك الحين بات الإرسال الموجه للمغاربة والمهاجرين المسلمين بشكل عام ظاهرة مألوفة في معظم المدن الهولندية؛ فإذاعة NPS مثلاً تبث إرسالاً مغربيًا تبلغ مدته أربعين دقيقة يوميًّا، وذلك بالعربية والأمازيغية. ويتجاوز الأمر حد تعريف المستمعين بالمستجدات على الساحة الهولندية إلى تقديم مادة ثقافية تخدم جمهورها.

* هل مسلمو هولندا مغيبون عما يحدث في الشرق الأوسط؟، أم أن لهم مشاركات وجدانية تجاه القضية الفلسطينية والعراقية؟
** هناك تعاطف شديد من مسلمي هولندا مع القضية الفلسطينية، وما يكاد يحدث أمر في فلسطين إلا ويكون لمسلمي هولندا ردود فعل قوية، ومنهم من يعبر عن هذا بالمشاركة في مظاهرات تنديد بالعدوان الصهيوني المستمر على الفلسطينيين.
وبصراحة أكثر؛ رغم ترحيبهم بالانفتاح الهولندي الداخلي على الملف الإسلامي فإن مسلمي هولندا يشعرون بالاستياء من المواقف الهولندية على صعيد السياسة الخارجية، خاصة في ملف الشرق الأوسط. إذ لا تتورّع لاهاي عن التحيز للدولة العبرية؛ فهي مؤيدة تقليدية لها في حروبها ضد العرب.
ولم يتوقف الأمر على ما قام به مطار شيفول بأمستردام من دور فعَّال في إمدادات السلاح الأمريكية المتدفقة إلى فلسطين المحتلة وحسب، وخاصة إبان الحروب الإسرائيلية ضد الدول العربية، بل ويطال أيضًا وقوف الدبلوماسية الهولندية إلى جانب تل أبيب سواء على مستوى الاتحاد الأوروبي أو المجموعة الدولية.
وكان اندلاع انتفاضة الأقصى في نهاية سبتمبر 2000م مناسبة هامة لإظهار التضامن الكبير لمسلمي هولندا مع الشعب الفلسطيني. إذ تم في المدن الهولندية تنظيم العديد من المظاهرات الحاشدة، والفعاليات الاحتجاجية، والملتقيات التعريفية بمعاناة الشعب الفلسطيني، فيما جرى الاتصال بالنخبة السياسية، وحثها على اتخاذ مواقف متوازنة من الصراع في الشرق الأوسط.
وقد بات من المؤكد أن مسلمي هولندا يعيشون بأجسادهم في هولندا وقلوبهم وعقولهم مع قضايا المسلمين في فلسطين والعراق، رغم وجود لوبي صهيون في هولندا يدعم إسرائيل بكل قوة.

* نود أن تحدثنا عن جامعة أوروبا الإسلامية، التي تتولون منصب نائب الرئيس بها؟
** جامعة أوروبا الإسلامية تأسست عام 1997م، ثم انتقلت في عام 2000 إلى مدينة (شخيى دام) ولها فرع في العاصمة (أمستردام)، كما يوجد بها (المعهد الإسلامي لجامعة أوروبا الإسلامية) وهو معهد تأهيلي للقبول بالجامعة، مدة الدراسة به عامين، يدرس فيه الطالب أصول وقواعد الإسلام واللغة العربية لتأهيله للالتحاق بالجامعة، ولا يدخل الجامعة الإسلامية إلا من تأهل من المعهد أو كان حاصلا على ثانوية من جامعة عربية معتمدة.
وبالمناسبة فإن جامعة أوروبا الإسلامية جامعة مستقلة، تتعاون مع جامعة أوتريجت /قسم الدراسات العليا والأبحاث/ بموجب اتفاقية بينهما.
والدراسة في الجامعة مدتها 4 سنوات، وتراعي في الشهادات الصادرة عنها وجود تخصصات تراعى فيها حاجات المسلمين في المجتمع الهولندي المسلم مثل: إعداد الأئمة في هولندا لأن الحكومة الهولندية أصدرت قانونا يمنع استقدام الأئمة من الدول الإسلامية بحلول عام 2008م.
وكانت أول دفعة تم تخرجها من الجامعة كان في عام 2004 وشهدت تخرج 4 أئمة و4 سيدات متخصصات في التقسيم الإسلامي ومتابعة الدراسات العليا لأن يحافظن على عدم التبرج داخل المجتمع الأوروبي، كما تخرج أربعة باحثين في فروع العلوم الإسلامية.
يوجد فرعان للجامعة، التحق بهما 250 طالبًا وطالبة، وهذا العدد يعتبر كبيرًا بالنسبة لعدد الطلبة بالجامعات الأوروبية، منهم 15% طالبات، أغلبهن مسلمات أصليات.
وتقبل الهولنديات على دراسة اللغة العربية بالفصل التمهيدي ليكنَّ قادرات على فهم الدين الإسلامي من منابعه الأصلية أفضل من الكتب المترجمة.
أما المرحلة الجامعية فالإقبال عليها من المسلمين الأصليين أكثر، وقد تخرجت أول دفعة في أغسطس 2002، وبينهم طلبة يدرسون بكليات أخرى كالطب والهندسة، ويريدون دراسة العلوم الشرعية، بغض النظر عن الدرجة العلمية؛ فهم يدرسون بحب ورغبة في ممارسة الدعوة.

* وما هي شروط الالتحاق بالجامعة؟
** يشترط أن يتحدث الطالب اللغتين الهولندية والعربية لممارسة الدعوة بهولندا، ولا يقل سنه عن 16 سنة، وليس هناك حد أقصى، وأن يكون حاصلا على الشهادة الثانوية أو ما يعادلها من أي دولة، وإذا كان سنه تزيد عن 21 سنة ولا يحمل شهادة تعقد له لجنة لامتحانه وإجازة التحاقه بالجامعة.

* وما هي التخصصات التي تتولاها الجامعة.. وماذا عن نظام الدراسة والمناهج؟
** تتعدد التخصصات داخل الجامعة كالتالي:
1_ تكوين الأئمة.
2_ العناية بالروضة والصحة والعمل على لم شمل الإسلام.
3_ تخريج باحثين في العلوم الإسلامية.
كما يوجد فصل تمهيدي لمدة سنتين لغير الناطقين باللغة العربية، والدراسة فيه مكثفة للغة العربية، إلى جانب الإلمام بالمبادئ الإسلامية التي يجب أن يعرفها المسلم بصورة مبسطة، ثم 4 سنوات دراسات شرعية في تخصصات يحتاجها المجتمع الهولندي المسلم، وهي تكوين الأئمة والدعاة والعناية الروحية، وهي وظيفة تعترف بها الدولة، ووُجِد أن المسلمين أنجح من غيرهم في هذا المجال؛ حيث يتعاملون مع الأفراد في المستشفيات والمعتقلات والسجون برعايتهم روحيًّا من خلال الكتاب والسنة.
والمناهج التي يدرسها الطلبة والطالبات علوم شرعية وضعها مجلس الجامعة، ويدرسها مجموعة من الأساتذة المتخصصين في العلوم الشرعية كالفقه والتفسير والحديث والسيرة والعقيدة.
أما السياسة العليا للجامعة فيقوم بها مجلس الأمناء، وهناك تعاون معنوي وتبادل علمي بين الجامعة وجامعة الأزهر.

* وما هو دور الجامعة في هولندا خاصة وفي أوروبا بصفة عامة؟
** لا شك أن خريجي الجامعة سيكونون أكثر قبولا وتأثيرًا في المجتمع الهولندي؛ فهم يتكلمون بلغته ويدركون عقليته، ويفهمون قضاياه ومشكلاته، ويملكون لغة الخطاب؛ فهم أقدر على توصيل الرسالة للغرب؛ فالمجتمع الأوروبي يتقبل الشخص الذي يفهم لغته، حتى ولو لم يدخل في الإسلام.
كما أنهم يعرفون الواقع وأولوياته، ويستطيعون الرد على الشبهات بطريقة شرعية ومقنعة؛ فالأوروبيون وحتى المسلمون لم يتعودوا على هذا النوع من الدراسة والدعوة، دعاة يحملون فكرًا إسلاميًا صحيحًا وينشرون الإسلام كل في موقعه، طبيب أو مهندس أو مدرس... إلخ.
أيضًا الحكومة الهولندية تطالب بمشروع تكوين أئمة ودعاة داخل المجتمع الهولندي؛ لأنهم يرون أن الدعاة القادمين من الخارج ينقلون إلى المجتمع الهولندي الخلافات المذهبية والسياسية، وهذا لو تم فإما أن نقوم بالدور المطلوب، وإما أن نترك المجال لغيرنا؛ فالمقترح في المستقبل أن يتم اختيار مفتٍ لكل المسلمين كجهة رسمية، وعندما يتوفر علماء خريجون يمكن تكوين مجلس للفتوى.
أيضًا فإن الدور الأساسي اليوم في أوروبا للمؤسسات المنظَّمة والأكاديمية العلمية، ولو ارتفع المسلمون إلى هذا المستوى فسيحافظون على الوجه الحضاري للإسلام، ويندمجون في المجتمع؛ لأننا عندما أهملنا دور المؤسسات ظنوها فكرة أوروبية رغم أنها إسلامية، وبعض المؤسسات العلمية في أوروبا تجد ممن تتعامل معهم في المساجد والجمعيات الإسلامية قصورًا في الناحية العلمية.
فعندما يجدون مؤسسة علمية شرعية يتحقق التكافؤ العلمي، وهذا سيسهم في مجال تحسين صورة الإسلام والمسلمين داخل المجتمع الأوروبي، وعقد ندوات وإلقاء محاضرات واستضافة مستشرقين وغير مسلمين لإجراء مناظرات علمية حول قضايا مهمة مثارة على الساحة.

* هل للجامعة دور في تعليم الشباب المسلم في هولندا الاستقامة والبعد عن الانفتاح والحريات الزائدة الموجودة في هولندا، بعيدًا عن الخطب الدينية وتربية الآباء؟
** بالطبع.. ودعني أقول إن المساجد لا يرتقي دورها إلى الخطاب المرجو لروادها، بل إن أغلب الأئمة من الجيل الأول لا يدركون الواقع الذي هم فيه حتى يستطيعوا أن يوجهوا الآخرين ويقدموا لهم البدائل، ثم لا يملكون الآلية التي يستطيعون أن يتواصلوا بها مع الشباب، وخاصة من الأجيال الجديدة التي ولدت في الغرب".
والمشكلة أن الهوة شاسعة وكبيرة بين الشباب المسلم والخطاب المقدم، خاصة فيما يقدم إليهم من حلول في القضايا الاجتماعية التي تلامس واقعهم وتؤرقهم؛ إذ يجدون بونا شاسعا بين المطروح والمأمول، عبر فتاوى تصلهم غير عابئة بفقه الواقع.
أما فيما يتعلق بتربية الآباء الذين رمتهم لقمة العيش إلى هذه البلدان الأوربية، وغالبيتهم من الأميين؛ فهم يحاولون حماية أنفسهم وأبنائهم من الانفجار الجنسي والانحراف بإلزامهم البيوت، وخاصة مع البنات مخافة جلب العار، كما يسلكون سياسة تجهيل الشابات تحت مظلة عدم القدرة على ضبطهن في هذه المجتمعات الغربية.
ونسي هؤلاء أو تناسوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبحث عمن يعلم زوجاته القراءة والكتابة في وقت كانت الأمية مستشرية؛ فما بالك اليوم ونحن نعيش وأبناؤنا في الغرب وفي مجتمعات تصل نسبة الأمية في بعض دولها إلى صفر%؟ والنتيجة ضياع الأبناء بين السجون والمخدرات وارتكاب الفواحش، وحسرة الآباء لما أصابهم نتيجة التربية الخاطئة؛ مما يزيد عملية اكتشاف التباعد بين الواقع وما يقدم من أساليب للمعالجة".

* وما هو العلاج التي تراه مناسبًا لتعليم أبناء المسلمين المقيمين في الغرب التربية الإسلامية الصحيحة؟
** الشباب في أوربا هو نتاج لهذا الواقع الغربي الذي يعيشون فيه؛ لذلك على المسئولين وصناع الفكر والفتوى في الديار الغربية أن يبحثوا بعمق في مشكلة الشباب وتيسير أمر الزواج لديهم، ويكلموهم بألسنتهم، ويعوا خلفياتهم.
ثم إن الشباب المسلم في الغرب ومن خلال معايشتنا له متعطش لمعرفة دينه، وسوق التأليف فقيرة، والترجمة الموجودة الآن غير منظمة وغير مدروسة، وبعيدة عن واقع الشباب الذي يعيش في الغرب، وكثيرا ما تعالج قضايا بعيدة عن واقعه، أو هي غير مستجيبة لمتطلباته".

* وهل هناك حلول عملية لهذه المشكلة المزمنة؟
** بدلاً من أن نتكلم عن "زواج فريند" أو "زواج المسيار" لحل الظواهر الجنسية التي تعترض الشاب في الغرب لا بد أن نحافظ على الزواج كزواج، ونراعي فيه الواقع المعيشي حتى نخفف من الصعوبات التي تعترضه؛ كأن لا نركز على المهور وقيمتها، وندعم فكرة الشراكة والتكامل في البيت بين الرجل والمرأة.
أما إذا تحدثنا عن "زواج فريند" بمعزل عن الواقع الذي يعيشه الشباب في الغرب؛ فإننا نظهر وكأننا نقر واقعا موجودا؛ فالذي يعيش مع صديقة قد يجد من فكرة زواج فريند مبررا يضفيه لمواصلة تصرفاته وأعماله الخاطئة، وهذا ما يلاحظ منذ خروج فكرة "زواج فرند".
وبهذه المناسبة فإنني أؤكد على ضرورة انكباب علماء المسلمين الذين يفقهون الواقع الغربي والاختصاصيين النفسيين وعلماء الاجتماع لتقييم المبادرات الفقهية التي تطرح هنا وهناك، ومحاولة إيجاد الحلول الأجدى لمثل هذه القضايا، وعدم ترك الفرصة للفتاوى المعزولة أو المبنية على انطباعات خارجية قد تكون غير مؤسسة، وتكون مضارها أكثر من منافعها".

* دعنا نختتم حوارنا هذا بالحديث عن الفكر الاقتصادي الإسلامي، حسبما بينته في رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها من جامعة الأزهر، حدثنا عنها وبين لنا ماذا تقصد بالفكر الاقتصادي الإسلامي والوصفي؟
** الإسلام اهتم بموظفي الدولة الذين هم الدعامة الكبرى التي يقوم عليها بناء الدولة على أساس أنهم الأمناء على المصلحة العامة، وإليهم يعود الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في صلاح الإدارة الحكومية إذا أدوا واجبهم على الوجه الحسن.
إن نظام الإدارة في الإسلام وآدابه في التعامل يمثل جانبا مهما من نظام الحكم الإسلامي وجانبا من الصياغة الحضارية الإسلامية للمجتمعات البشرية، وأنا أرى أن الإسلام يشتمل على مبادئ وسلوكيات لا تقل عن الترقي والتمدن عن أحدث النظم الوضعية للدولة العصرية، فضلا عن امتداده للمشروعية من رقابة داخلية إيمانية، وشعوره بالرقابة الإلهية التي تعلو فوق القوانين الإدارية الحاكمة.
فالنظام الإداري الإسلامي للدولة وأدبياته نموذج مثالي حضاري لأرقي النظم المنشودة. وقد انتقل الإسلام بعد توضيح منهجه العظيم في العبادات إلى مرحلة المعاملات والنظم المختلفة، فكانت للنظم السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من النظم خصوصية مميزة لهذا الدين وأتباعه عن غيره من الأمم تعكس شمولية هذا الدين وتجعل أتباعه عند تطبيقهم له ربايتين إنسانيتين في سياق واحد.
وخلال الدراسة وضعت مقارنة بين الجوانب المختلفة لموضوع "عزل الموظف العام" من حيث مفهومه وحقوقه وواجباته والسلطة التي تملك عزله، وأسباب عزله والآثار المترتبة على عزله، وضماناته السابقة على عزله أو المعاصرة أو اللاحقة.
وأهدف بذلك إلى القيام بمقارنة بين القواعد الشرعية والقوانين الوضعية وإبرازها تتميز به الشريعة الإسلامية عن غيرها من الشرائع والنظم الوضعية وذلك من خلال الدراسة العلمية التي تبين أن نظم وقواعد الإسلام شمولية مرنة صالحة للتطبيق في كل عصر وقد بلغت السمو والكمال بما قررته من أحكام، وذلك في الوقت الذي عجزت فيه النظم الوضعية رغم ما أتيح لها من فرصة التطبيق أزمانا طويلة عن الوصول إلى المستوي الذي قررته الشريعة سواء أكان في القواعد العامة أم في الأحكام التفصيلية.