هل يطبخ عباس و"إسرائيل" "أوسلو سرية ثانية" تستبعد حماس؟
17 ربيع الثاني 1429
جمال عرفة

يبدو أن ثمة نسخة ثانية من المفاوضات السرية تجري بين فريق فلسطيني من سلطة رام الله وبين "الإسرائيليين" لم يكشف عنها النطاق بشكل كامل ولكن تصريحات متفرقة من الرئيس عباس ومن مسئولين "إسرائيليين" ومن الرئيس كارتر ومن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط فضحت هذه المفاوضات .. أما الخطير فهو أن هذه المفاوضات – كما كُشف – تستبعد حركة المقاومة الفلسطينية حماس رغم أنها الفائز في الانتخابات التشريعية بحجة عدم عرقلتها المفاوضات ( التنازلات بشكل أوضح) مع عرض الاتفاق المزمع التوصل إليه في استفتاء فلسطيني عام بغرض التغلب علي رفض حماس .
والأكثر خطورة أنه في حين يتحدث الرئيس الفلسطيني عباس عن أن المفاوضات تتناول كل شيء بما فيها القدس، ينفي رئيس الوزراء "الإسرائيلي" أولمرت ذلك ويصر علي بقاء القدس الموحدة عاصمة للدولة الصهيونية ما يثير المخاوف من حجم التنازلات والتفريط في القضايا الفلسطينية المركزية أو يعطي انطباعا علي الأقل بأن تل أبيب لا يعنيها التوصل بالفعل لاتفاق سلام وأن ما تفعله هو ذر للرماد في العيون لتهدئة العواصم العربية والتغلغل في دول الخليج (وزيرة الخارجية "الإسرائيلية" زارت قطر والتقيت وزير خارجية سلطنة عمان وأمير قطر تحت مزاعم أن السلام قادم )!.
فالرئيس الفلسطيني محمود عباس تحدث عن أمله في أن يتم التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل خلال العام الجاري 2008،وأكد أن المفاوضات بين وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني ورئيس فريق التفاوض الفلسطيني أحمد قريع تحرز تقدّماً وتتناول "كل القضايا المعروفة دون استثناء القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات والمياه والأمن".
وأعقب هذا تصريحات "إسرائيلية" ومصرية مباشرة وغير مباشرة كشفت عن "مفاوضات سرية" تجري منذ فترة غير محددة بين تل أبيب والرئيس الفلسطيني محمود عباس بغرض التوصل لتهدئة أو تسوية في الأراضي الفلسطينية ، والتوجه لعرض هذه التسوية المرتقبة في استفتاء فلسطيني عام للتغلب علي رفض حركة حماس لها ، فيما رجح مصدر دبلوماسي مصري أن تكون هذه المفاوضات التي تجري برعاية أمريكية نسخة أخري من مفاوضات أوسلو 1991 التي انتهت لتوقيع اتفاقية أسلو الشهير في سبتمبر 1993 .
فمثلا لوحظ أن مصدر أمني إسرائيلي قال للإذاعة الإسرائيلية يوم 18 أبريل الجاري أن الاتصالات بين دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية مستمرة، وأن جانبا منها "سري" ، ولم يستبعد وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط - في تصريحات للصحفيين المصريين بواشنطن عقب لقائه بوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس 18 أبريل – أن يكون "ثمة شئ يتم" في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الجارية ، وأن "الأطراف ربما تكون قد نجحت في الحفاظ على سرية التقدم الذي ربما يجري إحرازه " .
وقال أبو الغيط أن "الأسابيع القليلة القادمة كفيلة بالكشف عن حقيقة ذلك ، ولدينا إفادات من الأطراف الثلاثة-الفلسطينية والإسرائيلية والأمريكية- بأن هناك أفكارا محددة يجري البحث فيها بقدر من التفصيل "
، ولكنه شدد علي أن مصر تريد أن تري "صياغات واتفاقات" ، حيث "لا نرى أي بلورة فعلية لأي صياغات أو اتفاقات " .
وقد لاحظت مصادر فلسطينية مقربة من حماس بالمقابل أن الرئيس الأمريكي كارتر – وبرغم حرص الخارجية الأمريكية علي نفي أي صفة رسمية له – ركز في مفاوضاته مع قادة حركة حماس بالقاهرة ودمشق علي الحصول علي إجابة لسؤال واحد حول موقفهم من أتفاق يبرمه الرئيس عباس مع "الإسرائيليين"، وأكد كارتر في محاضرته بالجامعة الأمريكية يوم 18 أبريل أيضا إن زعماء حماس الذين اجتمع معهم "أبلغوه أنهم سيقبلون اتفاقا للسلام مع إسرائيل يتوصل إليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس زعيم فتح من خلال التفاوض "إذا وافق عليه الفلسطينيون في استفتاء عام" .
وتزامنت هذه التصريحات لكارتر مع تصريحات أخري للوزير المصري أبو الغيط في واشنطن يوم 19 أبريل قال فيها – حول مستقبل حماس في حال التوصل إلى اتفاق بين السلطة و"إسرائيل" - أنه : "في حالة التوصل إلى اتفاق- آملا في أن يكون خلال عام 2008-2009 - سيتم طرحه على الفلسطينيين للاستفتاء ، ولو تمت الموافقة عليه فستواجه حماس ضغوطا لكي تلقي السلاح وتنخرط في المسار السياسي" .
ولكنه قال أنه "إذا رفض هذا الاتفاق فستكون كارثة حيث سينذر بمواصلة الصراع وإطالة أمده "، وأعرب عن ثقته في أن الفلسطينيين سيقبلون باتفاق التسوية إذا كان عادلا ، وقال أن هناك تيارين داخل حماس، يطالب أحدهما بالاستمرار في الكفاح المسلح حتى يتحقق الهدف ويطالب الآخر بالقبول بهدنة تتراوح بين 10 إلى 20 عاما إذا تمت التسوية بناء على حدود 1967 مع اتخاذ "القدس العربية" عاصمة للدولة الفلسطينية .
وأوضح أبو الغيط أن كلا الأمرين- الهدنة أو الاتفاق- سيكون إيجابيا، متوقعا تغير حماس مع مرور الزمن لأن عدم تغيرها سيقوض الأمل في التوصل إلى سلام فلسطيني .
أي أن هناك أتفاق يجري بالفعل ومفاوضات وهناك ترتيبات لاستبعاد حماس مع ترضيتها بعرض الاتفاق في استفتاء فلسطيني عام وفي الوقت نفسه هناك محاولات أمريكية خبيثة – عبر كارتر – لانتزاع أمرين من حماس (الأول) أن توقف حماس لأسباب إنسانية إطلاق صواريخها علي "الإسرائيليين" وتبادر هي بمبادرات إنسانية وتطرق سراح الجندي "الإسرائيلي" (وتترك أمر الأسري الفلسطينيين للرأفة الصهيونية لتطلق هي لاحقا من تريد منهم !) .
و(الثاني) أن توافق حماس علي فكرة الاستفتاء علي أتفاق يبرمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس وفريقه في رام الله ولا تعارضه ، وفي هذه الحالة تعول كافة الأطراف العربية – كما ألمح وزير الخارجية المصري – علي موافقة الفلسطينيين في الاستفتاء ما يعني إحراج حماس ودفعها للموافقة ونزع سلاحها ووقف المقاومة .
فرصة ذهبية ترفضها "إسرائيل" !
والغريب في الأمر أنه علي حين تبدو كل الظروف مهيأة للصهاينة للاستفادة من حالة الانقسام الفلسطيني الحالية ونيل فرصة ذهبية ، والضغط لإبرام أتفاق لصالحها يقدم فيه الفلسطينيون المزيد من التنازلات ، فقد رفض الصهاينة هذه الفرصة الذهبية وسعوا بخبث للوصول إلى مجرد "إعلان مبادئ" عام يتهربوا به من الالتزام بأي شيء ، وفي الوقت نفسه يستخدمونه للضغط علي حماس دوليا لوقف عملياتها ضد المستوطنات الإسرائيلية لأنهم لا يقبلون سوي بمعادلة القوة ويدركون ضعف الطرف الفلسطيني حاليا ، كما أن هذا العام هو عام الانتخابات الأمريكية واللوبي الصهيوني يتكفل بالضغط علي الإدارة الأمريكية ومرشحي الرئاسة لإرضاء الصوت اليهودي !.
وقد أكدت هذه النوايا الصهيونية الخبيثة مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة قللت من حجم التفاؤل السائد بفعل التحركات الأمريكية الحالية الهادفة لتنشيط عملية التسوية والتفاوض بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" قبل زيارة الرئيس الأمريكي بوش المقبل لتل أبيب في مايو القادم ، وقالت أنها تستبعد التوصل إلي اتفاق سلام بين الفلسطينيين و"إسرائيل" خلال الأشهر المتبقية من حكم الإدارة الحالية برئاسة بوش ، وأن المساعي الأمريكية لا تهدف لإبرام أتفاق وإنما مجرد "إعلان مبادئ" علي أقصي تقدير لأن "إسرائيل" ترفض إبرام أتفاق !
وقالت المصادر المصرية أن هناك أفكارا أمريكية يجري التداول بشأنها مع مختلف الأطراف ، وأن واشنطن طلبت من دول عربية حث الفلسطينيين علي القبول بها بدعوى أنها تشكل أرضية للتفاوض علي الحل النهائي خلال الفترة المقبلة ، ولكنها اعترفت بأنه لا توجد أية مؤشرات لإحداث تقدم أو اختراق حقيقي بالمفاوضات الجارية بين الطرفين .
وأرجعت ذلك إلي عدم قدرة الإدارة الأمريكية علي ممارسة ضغوط علي حكومة "إسرائيل" لحملها علي تغيير مواقفها وخاصة تجاه قضايا الحل النهائي أو حملها علي تجميد سياساتها الاستيطانية وممارساتها القمعية ضد الفلسطينيين خصوصا مع اقتراب الانتخابات الأمريكية ولعب كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي علي ورقة الصوت اليهودي الأمريكي هناك، ومن ثم عدم توقع إجراءات تهيئ لإحداث تقدم بهذه المفاوضات .
بل لقد نقلت الإذاعة العبرية عن عضو المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية الوزير رافي ايتان قوله: "إن الخلافات التي تتخلل هذه الاتصالات ("الإسرائيلية" الفلسطينية) ليست بسيطة وأن ساعة الاتفاق لم تحن بعد ، وشكك ايتان في احتمال تحقيق انطلاقة في المفاوضات بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية قبل زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش لـ(إسرائيل) الشهر المقبل .
تهرب أمريكي
والأمر لا يقتصر علي إجهاض الانتخابات الأمريكية لأي دور أمريكي فاعل في عملية السلام بحكم تسابق كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري ، وإنما هناك مؤشرات علي تهرب أمريكي من العملية السلمية ككل، فالرئيس الأمريكي بوش ورئيس الوزراء أولمرت أبديا تهربا من الحضور إلى مدينة شرم الشيخ لحضور قمة دعت لها مصر ما جعل الوزير أبو الغيط يقول أن عدم حضور أولمرت تحديدا يعني عدم أهمية عقد المؤتمر.
وتشير تصريحات المسئولين المصريين ضمنا إلي أن هناك مخاوف من سعي أمريكا للتهرب من إلزام "إسرائيل" بـ "صياغات واتفاقات " محددة ، وأن هذا هو السبب وراء قول السفير الأمريكي بالقاهرة - قبل سفره لانتهاء مهمته – أنه "ليس هناك إعلان من جانب البيت الأبيض بالنسبة لإمكانية زيارة الرئيس بوش لشرم الشيخ" ، وهو ما ألمح إليه الوزير أبو الغيط في تصريحاته في أمريكا حينما قال أن "الكثير يتوقف على نظرة الولايات المتحدة " ، ورده علي التلكؤ الخاص باحتمال زيارة بوش لشرم الشيخ أم لا برد دبلوماسي مماثل علي دعوة أمريكية للرئيس مبارك لزيارة أمريكا وقوله أنه مبارك سينظر فيها عندما تصله !.
ولو تتبعنا تصريحات أبو الغيط في أمريكا سوف نلحظ تأكيده بشكل غير مباشر وجود هذه المفاوضات السرية ، فبالإضافة إلي مطالبته وزيرة الخارجية الأمريكية رايس "الإسراع باستخدام الإمكانيات الأمريكية لتأمين التوصل إلى اتفاق تنفيذا لرؤية الرئيس الأمريكي وانطلاقا من مفهوم أنابوليس بأن يكون عام 2008 هو عام الاتفاق، فهو قال بوضوح أنه شيء ما يتم في إشارة للمفاوضات السرية ، وقال أنه يتم حاليا إحراز تقدم في هذا المشروع، مستدركا بالقول أن المشروع "يواجه تحديات في الغالب من التوجهات داخل إسرائيل ومما يحدث في غزة" .

ولوحظ أن القاهرة عرضت علي المسئولين الأمريكان – بالتوازي مع هذه المفاوضات الفلسطينية "الإسرائيلية" - خطة للتهدئة في غزة واستئناف مفاوضات التسوية تتضمن ثلاث نقاط تقوم علي تشكيل حكومة وحدة وطنية تستبعد منها حماس كي لا تتعرقل مفاوضات السلام ، مع استبدال 400 أسير فلسطيني كدفعة أولي بالجندي الإسرائيلي شاليط ، ووقف الصواريخ وفتح المعبر وعرض الاتفاق المزمع التوصل إليه للاستفتاء في فلسطين .
وقد كشف العناصر الرئيسية للخطة الثلاثية للتهدئة بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" وزير الخارجية أحمد أبو الغيط - في لقاء بمجلس العلاقات الخارجية أداره وكيل وزارة الخارجية الأمريكي السابق توماس بيكرنج - كتوطئة لنجاح المفاوضات الجارية ، ولوحظ أنه ألمح لتفضيله عدم إشراك حماس في حكومة وحدة وطنية فلسطينية قال أنها يمكن أن تشكل قيدا يكبل جهود السلطة الفلسطينية نحو التوصل إلى تسوية ، ثم عاد مصدر دبلوماسي مصري لينفي استبعاد أبو الغيط لحماس .
ووفقا للبند الأول من الخطة المصرية التي عرضها أبو الغيط ، وذكرت تفاصيلها علي لسانه وكالة الأنباء المصرية الرسمية ، سوف تبدأ فترة تهدئة تتوقف فيها عمليات إطلاق الصواريخ من غزة ومعها تتوقف "إسرائيل" عن استهداف النشطاء الفلسطينيين وضرب غزة .
والبند الثاني من الخطة يتمثل في مبادلة نحو 400 من بين حوالي 12 ألف أسير فلسطيني في سجون "إسرائيل"، مقابل إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي أكد وزير الخارجية أنه على قيد الحياة .
أما البند الثالث فيتضمن فتح المعابر بين غزة و"إسرائيل" حسب ترتيبات تم الاتفاق عليها بين السلطة وإسرائيل بوجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي .
وأكد أن القرار ينبغي أن ينبع من "إسرائيل" وأنه "إذا حدث ذلك فيمكن التوصل إلى اتفاق في أقل من يوم يتم صياغة بنوده الأساسية في عشر فقرات ثم يتم تفصيل مسار التنفيذ في عشرات الصفحات أو ربما مئات " .
يذكر أن اتفاقية أوسلو، التي تم توقيعها في 13 سبتمبر 1993 هي أول اتفاقية رسمية مباشرة بين "إسرائيل" ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية محمود عباس الذي شارك في خطواتها السرية الأولي ووقع عليها بحضور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات .
فهل يسعي تيار الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي كان له دور بارز في مفاوضات أوسلو السرية عام 1991 وكان هو الموقع علي الاتفاق مع وزير الخارجية حينئذ بيريز عام 1993 ، لإحياء نسخة جديدة من أتفاق أوسلو المقبور في سرية كما حدث في النسخة الأولي مع فارق أن النسخة الأولي شهدت وحدة فلسطينية وموقف عربي قوي نسبيا ، في حين النسخة الثانية تجري في أجواء مشبوهة وضعف فلسطيني ومخاوف حقيقية من أن يكون الهدف هو إجهاض المقاومة بأي شكل ؟!