مشرف والأمريكان: هل يهمشون نواز شريف
16 ربيع الثاني 1429
علي مطر

في محاولاته الدؤوبة لمواجهة الرئيس مشرف من منفاه القسري، قام نواز شريف بالموافقة على توقيع ما اصطلح على تسميته حينها بميثاق الديموقراطية مع خصمته السياسية بينظير بوتو وتم ذلك في لندن بتاريخ 14 مايو 2006م. ولم تكد تمضي بضعة شهور على توقيع الميثاق لكي تقوم بوتو التي كانت تستقي التوجيهات في تحركاتها من دهاليز السياسة المعتمة في نيويورك ولندن، تقوم بالالتفاف على الميثاق الذي مهرته بتوقيعها وتتجه للدخول في محادثات سرية وعلنية مع الجنرال مشرف حينها الذي وضع إحدى قدماه فوق راس قيادة الجيش والأخرى فوق راس السلطة المدنية في باكستان قبل أن يضطر مكرها في نهاية عام 2007م إلى جر رجله اليمنى مكرها ومتثاقلا بعيدا عن المنصب الأقوى الذي كان يحتله رغما عن الجميع في باكستان إلا وهو قيادة الجيش. أبدت قلة من أعضاء حزب الرابطة ( مجموعة نواز) بتاريخ 13 مايو 2006م تحفظات على رغبة نواز شريف في التوقيع على الميثاق الديموقراطي مع بينظير بوتو وذلك قبل يوم واحد من التوقيع عليه. وعندما أعرب هؤلاء المتحفظون عن آرائهم لنواز شريف فإنه فكر ملياً قبل أن يجيب على تحفظاتهم. وأطال نواز شريف التفكير. ثم قام بتحريك كرسيه بضيق بادٍ على وجهه، وقال " يجب علينا توقيع الميثاق في أي مكان كان ودون الالتفات إلى مشاعرنا الشخصية التي لا يجب أن تقف عقبة في طريق هذا الهدف النبيل".

المتحفظون أدركوا حقيقة أن نواز شريف لم يكن مفهوماً على الإطلاق حينها. حيث أن خصومه يسمونه بأنه رجل بدون رؤية ثاقبة ولا بُعد نظر. بل أنهم يضعونه في مرتبة السياسيين العاديين. ولكن على النقيض من ذلك، فإن زملائه يحترمونه لأنه عادة ما يتخذ قرارات صعبة في الوقت المناسب. وأصدقاؤه يحبونه لأنه يحافظ على كرامته الاجتماعية. لقد جاء قراره ذاك بعيداً تماما عن مشاعره الشخصية.
وبعد عام من ذلك التاريخ وعندما دخلت بينظير بوتو في محادثات سرية مع الجنرال مشرف فيما يعد بأنه خلاف واضح للميثاق الديموقراطي، فإن نواز شريف حافظ على صمته. ولكنه حافظ في الوقت ذاته على موقف ثابت وهو العداء المحكم للجنرال (المتقاعد الآن) الذي أخرج سياسة باكستان الخارجية – والداخلية كذلك – عما وجدت من اجله وأبعدها عن مسارها. وهنا أبدى نواز قدراته القيادية عندما رفض الحديث ضد بينظير بوتو على الرغم من إثارته إلى درجات كبيرة من جانب وسائل الإعلام لكي تجعله يقوم بذلك. وعندما استعرت الخلافات بين بينظير بوتو وأحد أتباعها ـ المحامي اعتزاز أحسن ـ بسبب دعمه لقاضي القضاة المعزول افتخار شودري، فإن بعض زملاء نواز نصحوه بأن يستغل الموقف لصالحه سياسياً. ولكن جواب نواز على ذلك كان " أننا لا نرغب في لعب أي لعبة سياسية مع بينظير، دعونا نقوم بأدوارنا ونفكر بطريقة مستقيمة ".

وفي الشهور التي تلت ذلك، حرصت بينظير بوتو على تنفيذ مخططاتها السياسية من خلال دهاليز النفوذ السياسي في الولايات المتحدة وحافظ نواز شريف على اللعب في شوارع باكستان الخالية سياسياً.

وبعد اغتيال بينظير كان نواز شريف أول من قام بزيارة المستشفى. ولذلك فان ما أحرزه حزبه من نجاح في الانتخابات اعتمد بشكل كبير على مهارته في فهم رغبة الشعب وتطلعاته وخصوصاً ما يتعلق بإعادة القضاة المعزولين وعزل مشرف من السلطة. وتطورت بعد الانتخابات علاقات قوية بينه وبين زرداري زوج بينظير بوتو مما أعاد القوة إلى الميثاق الديموقراطي الذي وقعه مع بوتو. كلاهما – أي نواز وزداري - قاما حتى الآن بدوريهما بمسؤولية كاملة رغماً عن ذكريات انعدام الثقة التي أعقبت التوقيع على الميثاق ورغم خلافاتهما حول بعض القضايا الأساسية. ولكن الأيام والأسابيع التي أعقبت الانتخابات أبرزت أحداثاً تعني أن هناك قوى تحاول وضع الفخاخ في طريق نواز أو تحاول وضعه في عزلة.

من هي تلك القوى وكيف تعمل؟ يمكن فهم ذلك من خلال الأحداث التالية ذات الصلة:
ـ حزب الشعب بدأ في التشاور من وراء الكواليس مع معسكر الرئاسة بعد توقيعه على إعلان مري الذي تم بين زرداري ونواز شريف ونص على عودة القضاة المعزولين في مدة 30 يوما وفي هذا تحد بالغ للرئيس مشرف الذي عزل رؤوس السلطة القضائية ليحكم قبضته على الحكم. وزرداري يكرر بذلك القصة ذاتها التي حدثت في اعقاب توقيع (بينظير ـ نواز) على معاهدة الميثاق الديموقراطي. بالإضافة إلى أن أحمد مختار القيادي بحزب الشعب وصديق زرداري المقرب قد صرح بأن بينظير بوتو كانت ترغب في المسير إلى آخر الطريق مع مشرف. بل أنه قال إن دور الرئيس مشرف يمكن أن يكون عظيماً في المساعدة على محاربة الإرهاب وضمان أمن باكستان. وعلى النقيض أصر نواز على القول بأنه لا يستطيع العمل مع مشرف تحت أي ظرف من الظروف. ومن ثم قام زرداري بتقديم عرض منح قاضي القضاة المخلوع منصب حاكم إقليم بلوشستان، وهذا معناه أن موقفه من قضية القضاة المعزولين قد شهد تغييراً كبيراً عما كان عليه في إعلان مري. بل أن هناك شائعات بأن وزيراً تابعاً لحزب الشعب الباكستاني قد اجتمع مع القضاة المعزولين وحاول الحصول منهم على ضمانات بأنهم لن يفتحوا ملف القضايا المرفوعة ضد مشرف إذا تمت إعادتهم لمناصبهم. وظل يقول لكل قاضي معزول قابله أن القاضي السابق وافق على هذا الشرط. ولكن بعد أن جلسوا مع بعضهم البعض اكتشفوا أن الوزير كان يكذب. وظهرت بعد ذلك تحركات أخرى قامت قيادات في حزب الشعب من خلالها بمحاولات لتغيير موقف الحزب المعلن عنه والذي يدعم قراراً برلمانيا لإعادة القضاة. وجاء بعد ذلك تصريح وزير القانون الذي طلب معرفة ما إذا كانت عودة القضاة ستتم من خلال قرار برلماني أو بواسطة تعديل دستوري. وهذا يتنافض نصاً وروحاً مع إعلان مري الذي نص على أن إعادة القضاة ستتم من خلال البرلمان. وتلي ذلك قيام زرداري بإتباع مبدأ "سامح وأنسى " وضم عدداً من أعضاء حركة المهاجرين القومية المتحالفة مع مشرف إلى حكومة إقليم السند مما أدى إلى قيام نواز شريف بطلب اجتماع لنواب حزبه في البرلمان الوطني وفي البرمانات الإقليمية للتباحث في المغزى من مخططات حزب الشعب. معظم قيادات حزب الرابطة (مجموعة نواز) كانوا يعارضون مشاركة حركة المهاجرين القومية في الحكومة الفيدرالية. بعض المصادر أفادت أن زرداري عقد اتصالاً مع نواز وحاول إقناعه بمسألة القبول بالحركة ولكنه لم ينجح في ذلك.

بعض أعضاء حزب الشعب قالوا أن التعديلات التي أجراها مشرف على الدستور بعد إعلانه لأحكام الطوارئ بتاريخ 3 نوفمبر 2007م، قد أصبحت سارية المفعول وجزء من الدستور وفي ذلك مناقضة لما تم التوقيع عليه في إعلان مري الذي نص على أن البرلمان هو الوحيد الذي بوسعه إجراء التعديلات الدستورية.

لذا فإن الكثيرين يعتقدون أن هناك مؤامرة تتم حياكتها لكي يتم تحقيق الأهداف التالية وأن معسكر الرئاسة هو من يدبرها:-

1. منع عودة قاضي القضاة السابق افتخار محمد شودري.
2. الإبقاء على الرئيس مشرف في منصبه لمدة خمسة أعوام تالية.
3. تهميش نواز شريف واستبعاد حزبه من الحكومة المركزية من خلال تشكيل تحالف حكومي جديد مكون من حزب الشعب الباكستاني وحزب عوامي القومي وحركة المهاجرين القومية وحزب الرابطة الإسلامية (مجموعة ف).

وتسمى هذه المؤامرة بمعادلة تحمل اسم " الجميع ناقص واحد ". وتتضمن تعديلاً دستورياً ينص على إعادة جميع القضاة باستثناء افتخار محمد شودري.

وإذا كانت نظرية المؤامرة هذه صحيحة فإن لها خمسة غايات أخرى بالإضافة للأهداف آنفة الذكر:
أ‌. جعل الأحـزاب كلها وخصوصاً حـزب الرابطـة ( مجموعة نواز) تقبـل بالتغييرات الدستورية التي أجـراها الـرئيس مشرف بعـد 3 نوفمبر جزءاً لا يتجزأ من الدستور الباكستاني.
ب‌. منح الرئيس مشرف فرصة لالتقاط أنفاسه (خصوصاً وأنه يخضع لضغوط كبيرة لترك السلطة) وذلك من خلال تحويل انتباه أولئك الذين يطالبون بذهابه بعيداً عن السلطة إلى أمر آخر.
جـ. العمل على وضع نواز شريف في ضائقة تؤدي إلى تفتيت حزبه وتفريق شمل قيادته خصوصاً وأن مستقبل برلمان إقليم البنجاب الذي يحتفظ فيه بأغلبية، محفوف بالشكوك.
د. إرغام اعتزاز أحسن " زعيم حركة المحاميين " على التنازل عن معظم مطالبة. حيث يشاع أن اعتزاز أحسن يرغب في دخول البرلمان من منطقة هامة انتخابياً وينتظر موافقة زرداري على ذلك ولكن زرداري منزعج جداً من أنشطته المؤيدة للقضاة المعزولين.
هـ. العمل على إضعاف حزب الشعب من خلال تشجيع تلك القيادات التي تشعر بأن زرداري قد أهملها أو تلك التي تعارض التعاون مع حركة المهاجرين القومية.

هذه المؤامرة هي المخطط الذي وضعه فريق الرئيس مشرف قبل أن يُقدم على عزل قاضي القضاة افتخار محمد شودري لأول مرة في 9 مارس 2007م، أي أن مخططات العهد الديكتاتوري السابق لا تزال سارية المفعول ويتم الإعداد لتنفيذها. وهذه مرحلة اختبار لنواز رشيف الذي خاض الانتخابات وفي عقله اهتمامات رجل الشارع العادي. إذا رفض الضغوط ووافق على أن يتم تهميشه فإنه سيدخل التاريخ كسياسي حارب في حرب عادلة للحفاظ على استقلالية السلطة القضائية التي سقطت بأيدي قيادات الجيش منذ عام 1956م وحاول القاضي افتخار شودري تحريرها. ونواز سيقوم بما هو متوقع منه إذا حافظ على تاريخه القديم الذي شهد وقوفه في وجه القوى غير المرغوبة شعبيا.