(السينما السعودية) ميلاد مشوه وموت مبكر!!
15 ربيع الثاني 1429
أحمد عبد العزيز القايدي

تعد السينما من أكثر الوسائل التغريبية تأثيرا في المجتمعات الإسلامية لكونها تُعرض بغاية الترفيه والتسلية غالبا والعقل إذا تسلى واستمتع غاب ولم يحضر فيسهل عندها تمرير كثير من الأفكار والقيم في قوالب شتى: عاطفية وسلوكية وغيرها من القوالب التي تبرر فيها أفكار وأخلاق إن لم تكن كفراً كانت كبائر والسينما المصرية على سبيل المثال تشكل مكينة الإنتاج السينمائي العربي واشتهرت باسم (هوليود الشرق) هذه السينما لها تأثير كبير في تكوين ثقافة المجتمع المصري - مع ما يحمله ذلك المجتمع من انتماء للإسلام وعاطفة إسلامية جياشة- بلغت في تأثيرها أنها تفرض نوعا من المصطلحات والكلمات العامية بمجرد عرض الفلم فيستمر المشاهد في استخدامها طيلة حياته وتصبح لهجة منتشرة في داخل المجتمع هذا في اللسانيات فكيف الأمر إذا تجاوزناه إلى الثقافة والقيم والتصورات...
والمقصود أن السينما أصبح لها دور كبير جدا في بث أفكار وقيم مخالفة للإسلام ولتأثير هذا المسار في تحريك عجلة التغريب يسعى كثير من الليبراليين في السعودية إلى فرضه على المجتمع فلا يكاد يخلو منتدى أو صحيفة أو مقال أو قناة أو إذاعة أو مركز قرار أو غيرها من الأدوات التي يملكها هؤلاء إلا ويروجون فيها فكرة إقامة صناعة سينمائية سعودية بمبررات وحجج متهافتة لا تنتهي ويتفانون في زخرفتها وتزيينها ويؤديها هؤلاء بشكل تراكمي وبصورة متتابعة فلا يمضي أسبوع إلا ويطرح الموضوع في مكان غير الذي طرح فيه المرة السابقة وهكذا بشكل دوري لعل المجتمع يتطبع على الأمر من كثرة ما يشاهده ويسمعه ويقرؤه.
وللأسف فإن بعض طلبة العلم والدعاة أزاحوا أكبر عقبة أمامهم وهي الموقف الشرعي الذي يتشبث به المجتمع السعودي، فالشيخ فلان أفتى بالجواز والشريعة تبيح ذلك إلى غيرها من كلمات التلبيس التي يستخدمها الليبراليون، يقول تعالى (مالكم في المنافقين فئتين.....)وقال تعالى: (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم.....)
ولكن سبحان الله وصدق الله جل شأنه إذ يقول: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا.....) قال ابن كثير في تفسيرها: يخبر تعالى أنه يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه وأنابوا إليه شر الأشرار وكيد الفجار، ويحفظهم ويكلؤهم وينصرهم.
إن الإنسان لا يكاد ينتهي عجبه من هذه المعركة (معركة الإيمان والنفاق) فهؤلاء القوم لا يجاريهم الإسلاميون في السعودية بوسائلهم وقدراتهم وإمكاناتهم لرد وإنكار كثير من المنكرات التي يحاول القوم فرضها على الناس، فلا يوجد تساوٍ بالمطلق ولا تقارب في الفعل الليبرالي وردة الفعل الإسلامي وإنما هي مجرد اجتهادات غير منظمة ومرتبكة وعفوية في مواجهة أقوى ترسانة إعلامية في العالم العربي يملكها سعوديون "العربية، روتانا مجتمعة, إم بي سي1و2و3و4واكشن، أي أر تي مجتمعة وأوربت، والصحف المحلية والعالمية التي لا يملك الإسلاميون واحدة منها في بلدهم، الخ" وبرامجها موجهه للسعودية بتحديد توقيت السعودية مرادفا لجرينتش، وسياستها قائمة على محاربة الإسلاميين في السعودية وإفساد المجتمع.
المقصود أنه لا يوجد تساوٍ بين الفعل والرد عليه ومع ذلك إن لم نشهد فشلا ذريعا للفعل فإننا نشهد تأخرا وتراجعا وتعطلا لذلك الفعل الممنهج وهذا من توفيق الله وفضله، ومدعاة لأن يعرف الإسلاميون قوة ووضوح وربانية المنهج الذي يحملونه ويتركوا التقصير والسطحية في خدمة هذا المنهج العظيم ويكونوا أكثر نضجا ووعيا بمداخل الأمور ومخارجها.
وفكرة السينما هذه من مشاريعهم الفاشلة ولله الحمد -مع ملاحظة أن الإسلاميين لم يمارسوا شيئا يذكر في محاربتها فلا فتوى ولا شريط ولا بيان ولا برنامج ولاسعي باستصدار قرار ولاشيء يستحق الذكر فعلوه لمنع وقوع أمر كهذا- ، وعُمْرُ هذه الفكرة تجاوز السنوات وسعى القوم فيها كثيرا وفشلوا (1)، ولكنهم في السنوات الثلاث الماضية أعادوا بعثها من جديد بإنتاج 3 أفلام سينمائية سنسلط عليها بعض الضوء في الفقرات القادمة ونرى هل نجحت أم فشلت؟؟؟
ميلاد مشوه:
إن أي فيلم إذا أراد أن يحمل اسم بلد ما مثل (فيلم سعودي) يصعب أن يصدق عليه اسم ذاك البلد إذا لم تكن عناصره الرئيسية (كالمخرج والممثلين والمصورين) تنتمي لذلك البلد وهذا ما دفع كثيرا من النقاد إلى عدم القبول باعتبار هذه الأفلام سعودية، فبنظرة سريعة على مدى تطابق هذه الأفلام مع العناصر الثلاثة (الإخراج، التصوير، التمثيل) نجد أنها غير متحققة:
- (ظلال الصمت) مخرجه سعودي لكن البطولة لغير سعوديين وتصويره تم في سوريا
- (كيف الحال) مخرجه غير سعودي وصور في الإمارات
ـ (القرية المنسية) فيلم كرتون كما يحلو لبعض النقاد وصفه(2) هو الوحيد الذي يتم تصويره حاليا في السعودية (خليص - قرية شمال جدة) استغرق إخراج تصاريح التصوير سنة كاملة والفيلم من إخراج سعودي لكن الممثلين عرب, وكنديون، وفرنسيون..
هذه هي قصة أول ثلاثة أفلام يطلق عليها (سعودية) وليسجل التاريخ بذلك أن هذا المجتمع المسلم يرفض هذه المظاهر ودخول السينما عليه كان وما زال مستوردا من خارج هذه البلاد المسلمة وهذا هو معنى كونها فرضت عليه بغير إرادته ورغبته والثقافة والفن كما يقول الليبراليون لا يُفرضان على احد!!
موت مبكر:
إن نجاح أي فيلم سينمائي يقاس بأمرين مهمين هما حجم الإيرادات وعدد الجوائز وماعدا ذلك (الإخراج، القصة، السيناريو، المونتاج) فهو أمر ثانوي وشكلي.
الإيرادات: هي الأموال التي يجنيها الفيلم من شباك تذاكر دور السينما، فأي فيلم سينمائي عربي يعرض في موسم عيد الفطر إذا أراد أن يسجل حضوره بنجاح فعليه أن يتجاوز حاجز المليون ريال خلال 10أيام إذا كانت تذاكره بقيمة 10 - 15ريالا وإلا فإنه سيخرج من المنافسة ويعد فاشلا جماهيريا!!
ولنأخذ هنا من بين هذه الأفلام الثلاثة السابقة فيلما صنعت له دعاية إعلامية متميزة وحصل على دعم مالي كبير جدا من اكبر شركة إنتاج (فني) في العالم العربي (روتانا) ولا يحلم أي من السينمائيين العرب أن يحصل على دعم منها كما حصل لهذا الفيلم.
عرض هذا الفيلم في البحرين والقاهرة ودبي وقبل العرض حصل على ضخ دعائي كبير كما ذكرنا، وتم عرضه في موسم عيد الفطر - وهذا الموسم يتم فيه تسجيل اكبر إيرادات طيلة العام بدور السينما العربية-، وتم عرضه 7مرات في اليوم الواحد وبلغ سعر تذكرة الدخول 30 ريالا، لم يحصل هذا الفيلم رغم كل هذه الظروف الممتازة التي وضع فيها إلا على نصف مليون ريال خلال عشرة أيام بحسب صحيفة الوطن السعودية مما يعني أن عدد مشاهديه بلغ 17الف شخص تقريبا وهو إيراد ضئيل جدا مقارنة بفيلم عربي آخر جاء في المرتبة الأخيرة ضمن خمسة أفلام (3) بإيرادات بلغت خلال 10ايام أكثر من 600 ألف ريال وهو يعتبر فشلا كبيرا جدا مما يعني أن ذاك الفيلم (السعودي) أكثر فشلا من أكثر الأفلام في السينما العربية فشلا!!!! في حين أن دعمه يتجاوز ميزانية الأفلام الخمسة!!!!
أما الجوائز: فقد شاركت بعض هذه الأفلام في مهرجانات سينمائية عديدة، منها:
مهرجان كان السينمائي
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي
مهرجان في اليابان
مهرجان روتردام السينمائي للسينما العربية
مهرجان روما السينمائي
مهرجان مسقط السينمائي
مهرجان وهران السينمائي الجزائر
مهرجان ستوكهولم الدولي السينمائي
مهرجان دبي السينمائي
ومع هذا كله لم تحصد أي جائزة من هذه المهرجانات بل إن إدارة مهرجان دبي السينمائي في احد دوراته رفضت استقبال أفلام سعودية عدة واعتذرت لمخرجيها قائلة إن أسباب اعتذارها كثيرة أقلها أن هذه الأفلام لا ترقى إلى مستوى المشاركة في المهرجان، إضافة إلى ضعفها.
وهناك أسباب أخرى لهذا الفشل ليس هذا مكان ذكرها، وهذه باختصار قصة موت "السينما السعودية" مبكرا التي ولدت ميلادا مشوها.
هل من محتسب؟؟
لقد مضى عامان تقريبا على عرض آخر هذه الأفلام وهذا زمن طويل في عالم السينما يكفي لتأكيد فشل هذا المسار الإفسادي فعدم تكرار التجربة من الشركات أو الأشخاص الذين بدؤوها يشير إلى أن مشروعا كهذا غير ناجح-بمقاييس القوم أنفسهم فنيا وماديا- ومصيره الفشل، حتى لو حصل على دعم أكبر شركة إنتاج عربي(روتانا).
ولكن في هذه الأيام يتم الإعداد لإخراج فيلم جديد لشاب سعودي يؤمن بأن (الفن للفن)(4) وهو مولود بأمريكا وترعرع فيها وتتلمذ في أروقة ديزني وهوليود، لذا فإنه من الواجب تضافر الجهود للاحتساب على هذه المنكرات القائمة والقادمة بوعي وحكمة وقوة، وهذه بعض الوسائل العملية في الاحتساب على هذا المشروع:
1- مناصحة القائمين على هذه الأعمال بشكل شخصي ومستمر ودائم.
2- توعية المجتمع وبناء جدار حوله يحميه من اختراق هذا المشروع وهذا يكون باستصدار فتوى شرعية بتحريم دور السينما، وإصدار أشرطة دعوية تبين خطورتها، وتركيز خطب الجمعة وغيرها من وسائل توعية المجتمع على القضية، وهذا الخيار مهم جدا لأن الأيام الأخيرة أكدت بأن صانع القرار لا يأبه إلا بما يختاره المجتمع في قضايا كهذه، وحتى لو فرض فتحها بالقوة فإنها ستفشل وتغلق أبوابها إذا امتنع الناس عن الذهاب إليها.
3- المدافعة بالإعلام:والمقصود أن يدفع هذا الشر بالقنوات (حوارية أو وثائقية) والإذاعات ومواقع الانترنت كلها يتم توظيفها في دفع هذا الشر.
4- محاسبة الجهات الحكومية التي تعطي تصاريح لتصوير الأفلام داخل المملكة والاحتساب على موظفيها.
5- رصد المبررات التي يُكثر من طرحها هؤلاء المفسدون ومن ثم الإجابة عنها بأجوبة فيها إلجام وإفحام ونقض قوي لهذه الشبهات.
6- الاستفادة من بعض الممثلين التائبين في بيان سوداوية وظلام هذا الطريق.
7- الاستعانة بعلماء من دول إسلامية أخرى يصدرون فتوى في خطورة إقامة دور السينما.
8- السعي في استصدار قرار رسمي يجرم هذه المظاهر ويحاسب عليها.
هذا بعض ما تيسر جمعه وإلا فإن الوسائل والطرق الشرعية الاحتسابية لا تنقضي ولكن هل من محتسب؟؟
وصلى الله وسلم على نبينا محمد واله وصحبه وسلم

___________________
(1) في السبعينيات كان في مدينة جدة دار سينما (حي الثغر- كيلو3- شارع باخشب) ولكنها الآن مغلقة.
(2) تقرير نشرته صحيفة أرام الإلكترونية الليبرالية كما وصفت نفسها.
(3) عُرضت هذه الأفلام الخمسة في موسم عيد الفطر بالتزامن مع عرض الفيلم السعودي، وبلغت إيرادات الفيلم الأول أكثر من أربعة ملايين ريال ونصف مليون والثاني 3 ملايين والثالث والرابع أكثر من مليونين وكلها خلال عشرة أيام.
(4) عبارة شهيرة يطلقها كثير من المشتغلين بالفن ويقصدون بها أن الفن ينبغي أن يكون متحررا من كل القيود سواء كانت دينية أو اجتماعية أو سياسية ويكون فنهم ملتزماً فقط بالقيود الفنية –زعموا-، ويقابلها عبارة يطلقها بعض الإسلاميين (الفن للفضيلة).