مضحكات الانتخابات الأمريكية
10 ربيع الثاني 1429
د. محمد يحيى

مما يضحك في الانتخابات الأمريكية الأخيرة أن خصوم المرشح السيناتور الديموقراطي باراك أوباما عندما أرادوا أن يوجهوا له اتهاماً ظنوا أنه يمس الشرف والسمعة والأمانة لم يجدوا أفضل من وصفه بأنه مسلم. ولك أن تعجب أيها القارئ العزيز أن كون المرء مسلماً أصبح اتهاما يوجه في أمريكا التي تزعم الحرية والديموقراطية والتي تعطي العالم كله دروسا في تلك القيم والتي تزعم أن فيها حرية العبادة والتي تهجم على البلاد الإسلامية بحجة الدفاع عن الأقليات ما بين البهائيين في إيران وغيرها والأقباط في مصر والمسيحيين في العراق واليهود هنا أو هناك فهذا أمر محير حقاً أن تصبح تهمة توجه إلى سيناتور أمريكي مرشح للانتخابات أنه مسلم أو من أصول إسلامية بل والأعجب أن تصبح هذه التهمة هي تهمة يفترض أنها تجلب لمن يوصم بها العار والشنار والعيب وتوجب احتقاره بين الناس.
وربما كان أعجب من هذا وذاك أن التهمة التي وجهت للسيناتور بأنه مسلم لا تستند إلى أي شيء سوى ما يقال عن أن جدوده أو جده لأمه أو جدته لأمه أو لأبيه هي مسلمة وتعيش في كينيا وهو الموطن الذي كانت تقطن فيه العائلة قبل قدومها إلى أمريكا.
توجه هذه التهمة المائعة والغامضة للرجل رغم أنه من أكثر الناس حديثا عن مسيحيته ومن أكثر الناس الذين يحرصون على أن تلتقط لهم الصور والأفلام وهو يزور إحدى الكنائس ويجلس يترنم بالأناشيد الدينية المسيحية بل ويجلس وهو مغمضا عينيه وهو يهز رأسه من الشمال إلى اليمين في حركة دروشة واضحة وهو يستمع إلى عظة القس الأسود التي يلقي بها في الكنيسة.
ربما إذا أردنا أن نسير في مسلسل العجائب لقلنا إن هناك عجيبة أخرى وهي أن السيناتور أوباما انتفض كمن لدغته عقرب أو كمن صدمته قذيفة عندما سمع الاتهام له بأنه مسلم وذهب يدافع عن نفسه كل مذهب ليؤكد ليل نهار أنه مسيحي مؤمن وأنه قبل أن يذهب إلى فراشه في الليل يجلس ليناجي يسوع الرب وكما لو كان يشتد في نفي تهمة الإسلام عنه بعد أن يعترف بأنها فعلاً تهمة تستحق أن يرد عليها.
إن كل هذه الأعاجيب بل قل المضحكات الأقرب منها إلى المبكيات تثير حقاً حيرة وتساؤل حول الأوضاع السياسية في أمريكا؛ فلماذا أصبح اتهام الشخص بأنه مسلم يكون اتهاما خطيراً إلى درجة تعيب الشخص وتسقط شرفه وأمانته، ويحدث هذا في وقت تعلن فيه بعض التصريحات الرسمية بأن أمريكا لا تهاجم الإسلام وإنما تهاجم المتطرفين والإرهابيين الإسلاميين على حد زعمهم وأيضاً تتردد أو يصبح الإسلام تهمة بينما تتوارى التهم الأخرى الحقيقية المصاب بها معظم الساسة الأمريكيين من فساد وانحرافات جنسية ورشاوى مالية واستغلال للسلطة وما أشبه.
بل إنه في نفس الوقت الذي كانت توجه فيه للسيناتور أوباما تهمة الانتماء ولو السري إلى الإسلام ولو حتى عن طريق آبائه وأجداده الأولين، كان عمدة نيويورك وهو منصب خطير في أمريكا، لأن نيويورك يوجد بها من اليهود أكثر ما يوجد في "إسرائيل" ربما ضعفين، كان هذا العمدة يستقيل من منصبه بعد اتهامه في فضيحة جنسية حيث ضبط متلبسا بممارسة الدعارة بأحد البيوت المشبوهة، ومع ذلك مرت هذه التهمة كما لو أن الرجل لم يفعل شيئاً أكثر من ارتكابه مخالفة مرورية أو كأنه ارتكب مخالفة بسيطة مثل إلقائه لعقب سيجارة أو لورقة في الطريق العام.
إن الإسلام ليس بحاجة بالطبع إلى أوباما ولن يشرّف الإسلام والمسلمين أن يصبح أوباما فرداً منهم كما سعدوا عندما أصبح محمد علي كلاي مسلما أو كما سعدوا عندما أسلم على مدى العشرين سنة الماضية أو أكثر كوكبة من مفكري وصحافيي وإعلاميي بل وفناني الغرب ومن اللافت للنظر أن أحدا في البلاد العربية لم يلفت نظره هذه السلسلة الغريبة من العجائب ما بين إعلان أن الإسلام تهمة تسقط شرف وأمانة صاحبها وما بين اشتداد أوباما في إنكار أنه أصبح مسلما وفي التأكيد على مسيحيته وصولا إلى نوع من الابتذال أو الفكاهة المضحكة في هذا التأكيد.
أقول لم يلتفت أحد إلى هذه المهزلة برمتها بل على العكس ظللنا نسمع الكثير من الصحفيين والكتّاب وهم يأملون خيراً في أوباما ويعلنون أنهم يؤيدونه لا لشيء إلا لأنه أسود اللون كما لو كان مجرد لونه الأسود يضمن أن يكون هذا المرشح أو ذاك أقرب إلى العرب والمسلمين أو أقرب إلى مصالحهم من غيره رغم أن الجميع هناك من سود وبيض وصفر وحمر أو غير ذلك من الألوان أو من رجال ونساء وشيوخ وأطفال إذا دخلوا دنيا السياسة يصبحون أسرى للفكرة الصهيونية ويتفقون جميعا على رغم انتماءاتهم في العرق أو اللون أو الحزب أو الملة على أنهم من مؤيدي "إسرائيل" ومن أعداء العرب والمسلمين والدول العربية والإسلامية حتى النهاية.
ولم يخيّب أوباما هذه الفكرة أو هذا التوجه فقد أعلن هو الآخر أنه يؤيد "إسرائيل" وأنه يرفض عدوان الدول العربية عليها ولم يختلف عن شريكته في الترشيح هيلاري كلينتون، زوجة الرئيس السابق، إلا ربما في التشديد أكثر على الولاء لـ"إسرائيل" رغم أن المرشح الجمهوري جون ماكين تفوق على الاثنين معاً عندما أعلن هو الآخر أنه سوف يذهب في دعمه لـ"إسرائيل" إلى أبعد مدى ممكن.
وكان الأولى بمن تباروا في الحديث حول أيهم أفضل للعرب والمسلمين هل هي هيلاري كلينتون أو هو باراك أوباما أن يبتعدوا عن هذا اللغو وأن يركزوا على مهزلة الاتهام بالإسلام ثم مهزلة الدفاع عن النفس بعدم الانتماء إلى الإسلام.
وتبقى في هذا الصدد كلمة أخيرة وهي أنه ينبغي أن تختفي إلى الأبد نغمة اللجوء إلى الانتخابات الأمريكية والبحث في وجوه المرشحين فيها كما لو كانوا هم الآلهة الذين سوف ينقذون العرب والمسلمين مما هم فيه أو كما لو أنهم هم الذين سوف يصلحون أو يصلح أحدهم لو فاز دنيا العرب والمسلمين إن الجميع هناك عندما يترشحون لمنصب الرئاسة لا يكون لديهم أي موقف تجاه العرب والمسلمين. إلا ما تمليه عليهم "إسرائيل" وما يمليه عليهم ما يسمى باللوبي الصهيوني أو اليهودي في أمريكا من دفاع عن "إسرائيل" ومن هجوم على كل ما يمت للعرب وللإسلام بصلة، لاسيما ونحن نعيش عصر العولمة والحملة على الإرهاب وعصر الهجمة الأخيرة على بلاد العرب والمسلمين لانتزاع ما تبقّى فيها من موارد بترولية ومائية ومالية وبشرية وغيرها قبل أن تنضب هذه الموارد وتذهب بلا رجعة.