هل يستمر جورج بوش أربع سنوات أخرى في البيت الأبيض
10 ربيع الثاني 1429
د. محمد مورو

السياسات التي اتبعها جورج بوش، والتي سببت خسائر هائلة للولايات المتحدة الأمريكية، وحسب الأرقام الرسمية التي يعترف بها جورج بوش وأركان إدارته، فإن الحرب الأمريكية على العراق تسببت في مقتل أكثر من 4000 أمريكي في غضون خمس سنوات، وأن التكاليف المادية تصل إلى 522 مليار دولار، وبالطبع فإن الأرقام غير الرسمية، ربما الأكثر صحة، تقول أن الخسائر تصل إلى 3 – 10 تريليون دولار، وأن القتلى أكثر من 10 آلاف والجرحى 40 ألفاً من الأمريكيين، وتقول مجلة ذا نيشن الأمريكية، أنه في العام الخامس من الحرب ضد العراق، فإن تلك الحرب تسببت في كارثة للاقتصاد الأمريكي، وأنها استنزفت موارد الولايات المتحدة الأمريكية على نحو سيعاني منه الأمريكيون لعدة سنوات مقبلة، وأضافت المجلة أن ما تم إنفاقه على الحرب حتى الآن يتجاوز 522 مليار دولار، بالإضافة إلى 70 ملياراً تم تخصيصها لعام 2008، وأن ما أنفق على الحرب في ميزانية 2007 فقط وهو 138 مليار دولار، كان يكفي لمد مظلة التأمين الصحي لكل الأمريكيين المحرومين منه وعددهم 45 مليون مواطن أمريكي، كما أن هذا المبلغ كان يكفي ويزيد لتوظيف 30 ألف مدرس ابتدائي وثانوي جديد بالإضافة إلى بناء 400 مدرسة جديدة، في نفس الإطار يقول روبرت بولين أستاذ الاقتصاد، ومدير معهد الأبحاث الاقتصادية بجامعة ماساشوسيتس، إلى أنه بالرغم من ضياع تلك الفرص، فإن العواقب الاقتصادية للحرب تظل أعمق أثراً من ذلك بكثير، كما أن الإنفاق على الحرب كان له تأثير مبرر على إيجاد فرص جديدة، وأن ميزانية الحرب في 2007 وحدها، أضاعت على الأمريكيين مليون وظيفة جديدة، أما الباحثة " هاير جاريت أستاذة الاقتصاد بجامعة ماساشوسيتس الأمريكية قالت أن العجز في الميزانية الأمريكية لعام 2007 كان 444 مليار دولار، وأنه لو تم وقف النزيف المالي الناتج عن الحرب لأمكن تخفيض هذا العجز بنحو 57 %، وأن تكلفة الحرب تكلف كل أمريكي 1800 دولار، وأنها تزيد عن الناتج المحلي الإجمالي للسويد وتايلاند، وتزيد ثماني مرات عما ينفق على التعليم في الولايات المتحدة .
ومع ذلك فإن الرئيس بوش مصر على استمرار الحرب، بل إنه في الذكرى الخامسة للغزو رأى أن تلك الحرب حققت نجاحات كبيرة، وأن هناك فرصة لتحقيق نصر استراتيجي على الإرهاب، وأن الأموال التي أنفقت والأرواح التي أزهقت كانت ضرورية وأن الأمر كان يستحق شن هذه الحرب، وأنها يجب أن تستمر لأن التبكير بالانسحاب من العراق سيؤثر سلباً على مستقبل أمريكا ويقوي أعدائها . وأن عدم الاستمرار في تلك الحرب سيوفر للإرهاب ملاذاً آمناً يمتد إلى ما وراء حدود العراق، وأنه سيوفر للإرهاب جرأة اكبر وموارد أكثر ومجندين جدد، وسيتيح له الوصول إلى موارد النفط العراقية .
هذا بالطبع بالنسبة للولايات المتحدة، أما قتل مليون عراقي وتدمير العراق وإسقاط المنطقة في الفوضى فهو لا يعني جورج بوش في قليل أو كثير، وهكذا فإن استمرار سياسة جورج بوش أربعة سنوات أخرى يعني أن الولايات المتحدة سوف تعاني المزيد من الخسائر، أما المنطقة العربية فيستمر نزيف الدم وعدم الاستقرار، وهو أمر احتمالاته قائمة بالفعل، ذلك أن المرشح الجمهوري جون ماكين والذي حسم مبكراً ترشيح الحزب الجمهوري له، له فرصة حقيقة في الفوز في انتخابات الرئاسة ومن ثم استمرار سياسة جورج بوش أربعة سنوات أخرى، لأن هناك صراعاً طاحناً بين كل المرشحين الديمقراطيين باراك أوباما وهيلاري كلينتون يمكن أن يجهدهما معاً ومن ثم من يصل منهما إلى الترشيح سيكون منهكاً وقد أنفق الكثير من الأموال على المعركة مع الآخر، وكذا فإن تطاول كل منهما على الآخر، واستخدام الفضائح وكذا المسألة العرقية – باعتبار أوباما أسود – سيعطي الفرصة للمرشح الجمهوري للاستفادة من هذه التناقضات، ومن ثم قد يفوز في النهاية بمنصب الرئيس، إذاً علينا أن نستعد للسيناريو الأسوأ وهو فوز جون ماكين واستمرار سياسة بوش بالتالي أربعة سنوات أخرى، وجون ماكين هو استمرار وربما أسوأ – لسياسات جورج بوش، فالرجل قال أنه سيستمر في العراق مائة عام أخرى وأن الإرهاب الإسلامي خطر ينبغي التصدي له بكل قوة، بل أكثر من ذلك فإن جون ماكين يعتبر أن كل من حماس و"حزب الله" والجهاد الفلسطيني والمقاومة العراقية والأفغانية لا تشكل تهديداً على "إسرائيل" أو الولايات المتحدة وحدهما، بل تهدد الغرب كله، وأنه في حالة نجاح حماس ضد "إسرائيل"، سيعني إمكانية نجاحهم في أي مكان، وأن مثل هذه الجماعات وهبت نفسها لتدمير كل ما تؤمن به الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وأن ذلك يوضح أسباب اهتمام الولايات المتحدة بما يجري في "إسرائيل"، لأن تبعاته ستؤثر على ما وراء تحالف أمريكا و"إسرائيل"، ويقول ماكين أيضاً، أنه يؤيد ضرب غزة بلا هوادة، وتصفية حماس حتى ولو أدى ذلك إلى قتل المدنيين وحصارهم وتجويعهم، لأنه من حق "إسرائيل" حسب زعم أن تمنع بكل الطرق إطلاق الصواريخ على مدنها ومستعمراتها!!
ربما الفرق الوحيد بين جون ماكين وجورج بوش هو أن ماكين يريد إشراك أوروبا والعالم في المجهود الحربي الأمريكي على الإرهاب، وألا تتحمل الولايات المتحدة هذه المسئولية وحدها، وهو يرى مثلاً إنشاء قوة عسكرية يتم نشرها في أماكن مثل العراق وأفغانستان، أو فلسطين أو إفريقيا. . . الخ يقوم بإنشائها الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بالاشتراك مع الولايات المتحدة، ويصل طموح الرجل إلى ضرورة مشاركة اليابان وكندا واستراليا في تلك القوة بالرجال والعتاد أو التمويل، وهكذا فإن فوز ماكين يعني أننا أمام تطور أكثر سوءاً بالنسبة للمنطقة والعالم، بل والولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.